كلام المشنوق «اعتراف» سعودي؟!
روزانا رمّال
تكاد بوادر التعاون الإيراني – السعودي منذ مرحلة ما بعد الربيع العربي بين أزمة سوريّة وبحرانية وصولاً لليمنية تكون معدومة بل تجنح نحو الاستحالة. فالمسألة التي لم تعد تتعلّق بتغيير أنظمة في المنطقة بالنسبة للمملكة, أخذت منحى وجودياً يتعلق بنفوذها في الخليج ضمن عصر جديد افتتحته إيران منذ قدوم الرئيس المعتدل الشيخ حسن روحاني وانتهاج سياسة «قطف» ثمار الثبات الإيراني بوجه القوى الغربية، فأصبح الصراع بالنسبة للسعودية عنواناً عريضاً للهيمنة الإيرانية في الخليج وهو هاجس استحكم بسياستها في الفترة السابقة، فاستغلت الانقلابات السياسية والشعبية في المنطقة لخدمة كل ما من شأنه التأثير مباشرة على مواطن النفوذ الإيراني لتقييده مع ما يتقاطع ذلك عند ما تراه المملكة مصلحة مشتركة لحلفائها الإقليميين والدوليين.
بات التعاطي السعودي مع فكرة التطبيع مع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب نقطة تحوّل في تاريخ الخليج، وهو ما تعتبره المملكة مداها «الحيوي» و«السياسي» و«الاقتصادي» التي تتفرّد وحدها برسم سياساته من دون أن يتشارك معها أحد في مصيرية أزمات كتلك التي تتعلق بالنظام أو الحكم في البحرين مثلاً أو الحرب وشكل السلطة في اليمن، بحيث تقف طهران إلى جانب دعم القوى المطالبة بإصلاحات بالبلدين كالتيار الحوثي والمعارضة البحرانية.
حساسية سعودية أخرى شكلت مفصلاً بالتعاطي السياسي الإيراني مع الغرب افتتحته طهران مع الدول الأوروبية الكبرى بعناوين تجارية واقتصادية ذات رسائل واضحة عن علاقات «مستدامة» خطت إيران خطوة الالف ميل نحوها.
العلاقة السعودية الغربية كانت توفر للرياض «التفرّد» بالحكم ببعض الأنظمة في الخليح العربي وبعض الدول العربية الأمر الذي أصبح أصعب اليوم بعدما تعزز النفوذ الإيراني بشكل تدريجي وتداخل معها في أكثر من بلد كسورية والبحرين واليمن ولبنان.
الحرب الإيرانية السعودية كثيرة الأبواب ومتعددة الأشكال، وهي تبدو من جهة المملكة «كمواجهة» جزء لا يتجزأ من مسألة السيادة والكرامة الوطنية ما وضعها أمام إحراج خلقته المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية بين استعصاء إسقاط النظام السوري لفترة ناهزت الست سنوات، رغم الجدية السعودية المترافقة مع جهود كبرى، بهذا الإطار إضافة إلى قدوم روسيا إلى المنطقة، الأمر الذي لا يبدو قصير الأمد وهي حليفة استراتيجية لسورية ولإيران، حيث ساهمت بإنضاج الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الخمس زائداً واحداً، وكل هذا جعل من مسألة التمسك السعودي بالكباش مع إيران أمراً غير قابل للحياة على المدى المنظور.
على هذا الأساس خطت السعودية خطوات «ضمنية» وضعت فيها حجر أساس التعاون غير المباشر مع إيران من دون أن «تجاهر» في هذا حتى قدوم اللحظة التي بدت فيها الحركة السياسية في لبنان التي انتجت رئيساً للجمهورية اللبنانية بعد ازمة طويلة من الفراغ بظروف استثنائية ومخارج مرضية للاغلبية المطلقة في البلاد، كأن يعود رئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى ترؤس الحكومة اللبنانية وهو رأس حربة في الاصطفاف مع السعودية في حروبها مقابل انتخاب الرئيس عون «الداعم» و«المدعوم» من حزب الله.
وفي وقت أراد بعض اللبنانيين اقتناص فرصة التوافق في البلاد لتشويش المشهد وتجييره لمصلحة اعتباره إنجازاً وطنياً محلياً، وبينهم سياسيون موالون لسياسة المملكة العربية السعودية في لبنان والتحالفات الغربية, خرج وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف من مؤتمر دافوس ليعلن عن أن التجربة اللبنانية التي انتجت رئيساً للجمهورية هي نتيجة حوار «ناجح» بين السعودية وإيران. وهو الأمر الذي لم تؤكده المملكة والذي اخذ بعض التصريحات المحلية لنفيه مباشرة مثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لأن تصريحاً من هذا النوع يعني عنواناً جديداً لمرحلة سياسية تحسم مسألة التنازلات التي قدمتها الاطراف بعناوين الضرورات الوطنية.
يلفت اليوم، وبعد ساعات على لقاء الموفد السعودي الوزير تامر السبهان بالمسؤولين اللبنانيين على رأسهم الرئيسان عون والحريري ووزير الداخلية نهاد المشنوق أن يخرج الأخير بإعلان شديد الوضوح يؤكد مع ما كان قد تحدث فيه الوزير ظريف في دافوس قائلاً «لا يعتقدنّ أحد، بأنه بالصدفة تمّ انتخاب الرئيس، وبالصدفة تحقّقت الأغلبية. فهذا الأمر جاء نتيجة تسوية إقليمية معلنة ولست أنا من أعلنها بل وزير الخارجية الإيراني أعلنها وآخرون أعلنوا ذلك منهم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كما انه ليس بالبساطة تجاوز كل القوى الإقليمية، وتجاوز التسوية…».
حديث المشنوق دقيق لا يحمل بالنسبة للسعوديين الذين يكنون مكانة خاصة للوزير المذكور أن يكون ارتجالاً غير محسوب التداعيات، واذا كان المشنوق يتحدث عن تلك التسوية التي اتت بالحريري رئيساً مقابل عون، فهو ينسب موقفه إلى الفئة التي يصطف فيها الحريري اقليمياً لناحية السعودية، فيؤكد على اعتراف السعودية بالخطوة الهامة أولاً ويبشر بإمكانية ان تكون المعادلة اللبنانية هذه نقطة بداية لتعاون تدريجي بين السعودية وإيران على باقي ملفات المنطقة، خصوصاً اليمن.
صحيح ان السبهان لم يصرّح بكلام مباشر من هذا القبيل، الا انه نجح بإرخاء هذه الاجواء عند حلفائه الذين سيتكفلون بالمرحلة المقبلة بتوضيح المعادلة الحاكمة في لبنان اليوم، ويكفي أن يخرج تصريح من هذا القبيل عن وزير الداخلية المفترض إشرافه على انتخابات العهد للإشارة لنيات سعودية بالتمسك بما من شأنه حماية الإنجاز انتخابياً وسياسياً إضافة لرغبة تعميمه كأرضية لشراكة مقبلة مع إيران في ملفات أكثر دقة من لبنان، بالنسبة اليها كالملف اليمني.