محلّل «إسرائيلي»: ليعلم أبو مازن أنّ المحكمة الدولية لا تنتظر «الإسرائيليين» وحدهم

قال المحلل العسكري «الإسرائيلي» روني بن يشاي في مقالة نشرها موقع «يديعوت احرونوت» الإلكتروني: «من السابق لأوانه رثاء فكرة تمديد المفاوضات، لكن عملياً لم يعد هذا بالأمر المهم في ظل الشروط الجديدة التي نتجت خلال الساعات الـ 48 الماضية، ولم يعد أي معنى لمواصلة المفاوضات لأنها ستأتي بانفجار آخر وأزمة أخرى بعد وقت قصير، وفي كل الأحوال ستكون عديمة الجدوى، لذا نرى في الأيام الأخيرة تطرفاً في الموقف الفلسطيني مثل الموقف الذي يحول كل مفاوضات إلى فشل معروف مسبقاً».

أرجع المحلل روني بن يشاي ما أسماه بالتطرف الفلسطيني إلى ثلاثة أسباب هي: غضب محق على خرق «إسرائيل» لتعهداتها الخاصة بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وصحيح ان «إسرائيل» لم تتعهد بإطلاق سراح أسرى يحملون الهوية «الإسرائيلية» لكنها تعهدت بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين على اربع دفعات كشرط لاستئناف المفاوضات، إضافة إلى طرح عطاء للبناء في مستوطنة «غيلو» في وقت حساس جداً، وشكل هذا القرار استفزازاً غير ضروري وزائد عن الحاجة.

أما السبب الثاني فيعود إلى أسباب سياسية فلسطينية داخلية إذ عانت شعبية الرئيس عباس وحركة فتح من حالة تدهور وأفول، ليس مقابل حماس فحسب، بل مقابل محمد دحلان ومؤيديه الذين حاولوا التشكيك في قيادة أبو مازن وزعاته، وهنا أتاحت الأزمة مع «إسرائيل» لأبي مازن وحركة فتح إن يظهروا تصلباً وتصميماً إيديولوجياً واستعراض عضلاتهم، وبالتالي رفع شعبيتهم في ساعات تقريباً إلى درجة أجبرت حتى حماس على كيل المديح لأبي مازن.

لكن أهم أسباب تطرف الموقف الفلسطيني هو السبب الثالث، في رأي بن يشاي، والمتمثل بشعور القوة أو على وجه أكثر دقة «ثمالة القوة « بعدما شاهدوا في رام الله كيف انضغط نتنياهو والإدارة الأميركية بعدما وقع أبو مازن المواثيق والمؤسسات الـ 15 التي تخطط السلطة للانضمام إليها، واستخلص الفلسطينيون العبر من حالة الضغط التي عاشها نتنياهو والأميركيون نتيجة هذه الخطوة فسارعوا بعد 25 ساعة إلى صوغ وتقديم وثيقة شروط أكثر تشدداً وتطرفاً، ويمكننا القول إن إيفاد «إسرائيل» الوزيرة ليفني لتفاوض عريقات لعب دوراً في خلق الموقف الفلسطيني المتطرف.

نبعت حالة «ثمالة القوة» من تقديرات لدى الفلسطينيين مفادها أن «إسرائيل» والولايات المتحدة تخشيان وتخافان توجه الفلسطينيين للانضمام إلى مؤسسات الأمم المتحدة بالجملة وتوجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وأقنع الفلسطينيون أنفسهم بأنهم نجحوا في إيجاد الوصفة السحرية التي يمكنها أن تخضع «إسرائيل» مثلما نجح المجتمع الدولي في إخضاع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومسحت هذا النظام من الخريطة السياسية.

تقوم الوصفة الفلسطينية على فكرة خوض معركة سياسية تنتهي بتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبالتوازي أو التزامن مع انتفاضة شعبية في الأراضي الفلسطيني يسمونها «انتفاضة مخففة»، ما يعني استخداماً انتقائياً محدداً للأسلحة النارية والإكثار من التظاهرات وعمليات إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة، لكن من دون ممارسة «إرهاب» حقيقي يسيء ويضرّ بالقضية الفلسطينية.

كما يعتقد الفلسطينيون أنهم اكتشفوا السلاح المدمر، من وجهة نظرهم، والمتمثل في توقيعهم اتفاقية «روما» التي تسمح لهم بمقاضاة «الإسرائيليين» كمجرمي حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وهذه أسباب «ثمالة القوة» التي تشعر بها القيادة الفلسطينية بحسب تعبير روني بن يشاي.

أضاف المحلل «الإسرائيلي»: «للأسف الشديد، «إسرائيل» هي التي منحت الفلسطينيين هذا الشعور ووجهتهم نحو مواقفهم الأخيرة عبر سماحها لهم بالتنصل من تعهداتهم، بحجة إن هذا التنصل عبارة عن ضربة انتقامية رداً على ما قامت به «إسرائيل» نفسها ويمكن لنتنياهو ووزير الإسكان أوري ارئيل أن يسجلا لنفسيهما امتياز خلق الوضع الراهن. وكما يقول المثل «لا فائدة من البكاء على الحليب الذي انسكب» فان الأطراف كافة والفلسطينيين على وجه التحديد موجودون في دوامة لطالما لم يخرجوا منها. لا فائدة او معنى من استمرار المفوضات طالما بقي أبو مازن وقيادة فتح تحت تأثير «سكر» القوة وثملين بقوتهم ويعتقدون أنهم اكتشفوا «الكرة الذهبية» التي ستمنحهم مرادهم دون حاجة إلى تقديم تنازلات في أي مجال وطالما بقوا ممتطين موجات الفرح الفلسطينية المتدفقة حالياً فلا فرصة لتحقيق أي شيء من خلال المفاوضات.

لذا على «إسرائيل» أن تعمل بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة على إيجاد مخرج يتيح للفلسطينيين الخروج من الدوامة التي وضعوا أنفسهم فيها، وفي البداية على نتنياهو أن يتوصل إلى تنسيق تام مع الإدارة الأميركية حتى وإن اضطر إلى أن يدفع ثمناً سياسياً مقابل هذا التنسيق أو حتى إصدار إعلان يعرب فيه عن استعداده لإطلاق سرح الأسرى، علماً أنه سبق أن أعلن ذلك عملياً، وعلى نتنياهو أن يعلن استعداده لتجميد الاستيطان وكل ذلك لشراء التعاون الأميركي والأوروبي وضمان موقفهم في الساحة الدولية اذ على الفلسطينيين أن يدركوا تماماً ومن دون أي شك أن المجتمع الدولي لن يمنحهم مرادهم حتى وان اضطر الرئيس الأميركي باراك اوباما إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن ويمكننا ان ننظر إلى التنازلات «الإسرائيلية» سابقة الذكر كنوع من «الغرامة « على الأعمال الاستفزازية التي قامت بها حديثاً في ما يتعلق بالدفعة الرابعة من الأسرى.

الخطوة الثانية التي على «إسرائيل» تنفيذها وتتمثل بضرورة نزع شهية الفلسطينيين المتعلقة بالتوجه إلى لمحكمة الدولية في لاهاي، خاصة أن هذا الأمر يدغدغ أبو مازن على ما يبدو، أكثر من حصوله على اعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود 67، لأنه يعلم أن رفاقه في قيادة فتح، وكذلك الشارع الفلسطيني، سيتمتعون برؤية ضباط «إسرائيليين» معتقلين واحداً إثر الآخر في مطارات العالم فلا شيء يمكنه أن يرفع معنويات الفلسطينيين ويطلقها إلى عنان السماء أكثر من إلحاق الأذى والإهانة بـ«إسرائيل»، لذا على «إسرائيل» أن توضح لأبي مازن ورجاله أن أي دعوى قضائية سترفع إلى المحكمة الدولية ستواجه برد مماثل من قبل «إسرائيل» وحلفائها.

صحيح أن «إسرائيل» لم توقع على ميثاق روما ولا تتمتع بوضع قانوني في المحكمة الدولية، لكن هذه القضية يجب دراستها بعناية تامة وأن نجد لأجلها أفضل العقول القانونية لفهم البناء القانوني الذي يتيح تقديم قضايا « بالجملة» يمكنها أن تجلب ابو مازن ورجاله للمثول أمام المحكمة بتهم تنفيذ وتخطيط وإرسال آخرين لتنفيذ عمليات «إرهابية» قاتلة.

هناك الكثير من العقول القانونية التي يمكنها القيام بذلك، وعلى الفلسطينيين أن يأخذوا هذا الأمر في حسابهم، وتعتبر معالجة هذه القضية بالنسبة إلى «إسرائيل» أمراً عاجلاً لطالما آمن الفلسطينيون بقدرتهم على إجلاس القيادة السياسية والعسكرية «الإسرائيلية» على مقاعد المتهمين في المحكمة الدولية ولن يكونوا مستعدين للتوصل الى تسويات ولن يرضيهم أقل من استسلام «إسرائيلي» كامل.

اختتم بن يشاي تحليله بالقول: «طالما لم توضح «إسرائيل» والولايات المتحدة للفلسطينيين بأن شعور القوة الذي ينتابهم هو شعور زائف لا يستند إلى أي وقائع أو حقائق على الأرض لن يكون ممكناً استئناف المفاوضات وحتى وإن تم ذلك فلن تؤدي هذه المفاوضات إلى نتيجة.

وفي السياق نفسه، قررت الحكومة «الاسرائيلية» اتخاذ جملة من الخطوات العقابية ضد السلطة الفلسطينية على خلفية إنهيار المفاوضات، بينها تجميد الاتصالات على مستوى الوزراء وكبار المديرين التنفيذيين واقتصارها على منسق العمليات المدينة في الضفة الغربية الجنرال يؤاف مردخاي. كذلك تجميد نقل معدات تطوير الاتصالات الخليوية لحساب الشركة الوطنية الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة التي يترأسها نجل رئيس السلطة محمود عباس، تجميد مشاريع تطويرية لمصلحة الفلسطينيين في المناطق C، وتجميد مشروع تخصيص 14 ألف دونم للزراعة في غور الاردن لحساب السلطة صادقت عليه «إسرائيل» سابقاً.

ولفت «غال برغر» مراسل الاذاعة العامة «الاسرائيلية» ريشت بيت التي أوردت النبأ، أن الحكومة «الإسرائيلية» ما زالت تدرس اتخاذ عقوبات أخرى في وقت لاحق.

في ظل تزايد مؤشرات انهيار المفاوضات ، وإقرار الوسيط الأميركي بفشل مهمته في إقناع جانبي التفاوض بالاستمرار في المحادثات حتى نهاية العام ، يؤكد وزراء اليمين «الاسرائيلي» رفضهم الشروط والمطالب الفلسطينية وقطع الطريق أمام أي محاولة لإنقاذ المفاوضات.

على خلفية ذلك يقول نفتالي بينت، وزير التجارة والاقتصاد «الاسرائيلي» وأحد أقطاب اليمين البارزين، رداً على طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بشرق القدس عاصمة للفلسطينيين، قال: «إن القدس الشرقية لن تكون أبداً عاصمة للفلسطينيين ولذلك ألغت «إسرائيل» الدفعة الرابعة من الأسرى». كما أعلنت تسيفي ليفني رئيسة طاقم المفاوضات «الاسرائيلي»، أن «إسرائيل» ألغت الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى بسبب رفض السلطة الفلسطينية التفاوض والتوجه بدلاً من ذلك الى الأمم المتحدة هذا الأسبوع لمواصلة جهود الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مختلف الهيئات الدولية. ونقلت القناة السابعة العبرية من خلال موقعها الإلكتروني عن ليفني: ««اسرائيل» لن تطلق سراح أسرى في اطار الدفعة الرابعة في أعقاب توقيع السلطة الفلسطينية على معاهدات دولية خلقت ظروف جديدة لا تسمح لـ«إسرائيل» بإطلاق سراح أسرى أمنيين».

في سياق منفصل، يتوجه أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية «الاسرائيلي» الى العاصمة الأميركية واشنطن ضمن زيارة عمل يلتقي فيها نظيره الأميركي جون كيري ومجموعة من المسؤولين الأميركيين وبينهم رئيس بلدية «نيويورك» ومسئولي مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين. كما يجتمع ليبرمان مع أعضاء لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وأعضاء اللجنة الفرعية الخاصة بالنظر في قضايا الشرق الاوسط التابعة لمجلس النواب الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى