هل السلطة الفلسطينية جادّة في مواجهة كيري ونتنياهو؟
رامز مصطفى
ما إن غادر الوزير الأميركي جون كيري الأراضي المحتلة من دون لقاء رئيس السلطة محمود عباس، حتى اتضحت صورة المشهد المكوكي الذي اعتمده كيري لدفع طرفي المفاوضات، الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، إلى اجتياز الطريق حتى منتصفه لإنقاذ مرحلة تمديد المفاوضات، بعدما تعذّر إمرار رؤيته للحل الانتقالي، متناسياً أن السلطة اجتازت الطريق بأكمله حتى قبل بدء استئناف المفاوضات في آب الفائت، عندما ضرب السيد أبو مازن قرارات تنفيذية المنظمة بعرض الحائط من دون أي ضمانات أميركية بتقييد «الإسرائيليين» وعلى الأقلّ تجميد الاستيطان. وفوق ذلك، التزمت السلطة ورئيسها عدم التوجه إلى الهيئات والمنظمات الدولية خلال فترة المفاوضات، أواخر نيسان الجاري. فهل أفشل كيري بالضربة «الإسرائيلية» حين أبلغ نتنياهو الوزير الأميركي وقبل لقاء الأخير مع أبو مازن في عمان عقب انتهاء قمة الكويت عن نيته الإحجام عن تنفيذ المرحلة الرابعة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين؟ أم أن ثمة سيناريو كان معدّاً سلفاً بين كيري ونتنياهو في هذا السياق لممارسة الابتزاز على السلطة بغية دفعها إلى الموافقة على تمديد المفاوضات؟
تؤكد جميع سياقات الإدارة الأميركية في تعاملها مع «الإسرائيليين» أنها صاحبة التأثير الحيوي في مسار اتخاذهم الخطوات حيال المفاوضات سلباً وإيجاباً، أي ان الأميركيين شركاء في إبداء الرأي والقرار لا متلقين له. وهذا ما تثبته الوقائع الدامغة للسلوك السياسي الأميركي النمطي في إدارتهم للمفاوضات، منذ أوسلو وإلى ما شاء الآخرون قبولها مذعنين لها راعيةً حصريةً في تقلدها مقدراتهم وأحوالهم كافة. لذلك يتضح أن ما حصل على مسار المفاوضات والإيحاء أنها بلغت طريقاً مسدوداً بسبب تعنت السلطة في مواقفها ما هو إلاّ ابتزاز رخيص مارسه الأميركيّ و«الإسرائيلي» على حد سواء. وهنا أفتح هلالين للقول إن هذا ظلم وافتراء على السلطة، ليس من باب الدفاع عنها فهي أوقعت نفسها في هذا المأزق، بل لأنها لا تملك جرأة الخروج على خاطر الأميركي، فالسلطة ومن خلفها فتح لم تتحمل كلمة حق قالها السيد عباس في وصفه مارتن أنديك بأنه صهيوني فسارعت إلى القول إن كلامه لا يعبر عن موقف السلطة أو حركة فتح بل يعبر عن موقفه الشخصي.
بناءً على المثل القائل «رُبّ ضارة نافعة»، فإن رفض حكومة نتنياهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين يشدّ عصب السلطة ولو قليلاً كي ترد جزءاً يسيراً على حالة الإذلال التي لطالما عمل الأميركي و«الإسرائيلي» لفرضها على الفلسطينيين منذ توقيع اتفاقات أوسلو وما استتبعها من محاولات فرض الاستسلام على القضية الوطنية الفلسطينية وعناوينها وثوابتها، وفي مقدمها حق العودة. من هنا نرى في الخطوات التي اتخذتها السلطة حديثاً، ردّاً على إفراج الاحتلال عن الأسرى عبر التوجه للمشاركة في 15 هيئة واتفاقية دولية، خطوات إيجابية في الاتجاه الصحيح إذا استكملت واستتبعت بخطوات عملية ترد للأميركي و«الإسرائيلي» الصاع صاعين في رسالة واضحة لا تحمل اللبس والتأويل مفادها أن الفلسطينيين ماضون في خياراتهم المفتوحة على الصعد كافة. وتتلخص هذه الخيارات بالمشاركة في جميع الهيئات والاتفاقيات الدولية الـ63، والإعلان الرسمي عن رفض السلطة تمديدها المفاوضات حتى نهاية العام الجاري، والتوجه مباشرة إلى تنفيذ اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام، وإنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال لضرب البيئة الأمنية للاحتلال ومستوطنيه التي اطمأن إليها خلال الفترة الماضية، وهذا ما أكده نتنياهو حين أصدر الأوامر لوزرائه بوقف جميع الاتصالات مع السلطة، باستثناء المسائل الأمنية، كجزء من سلة الإجراءات العقابية في حقها، وضرورة أن تستقوي السلطة بالمتغيرات الدولية الجديدة التي بدأت تتشكل، والركون إلى روسيا والصين كلاعبين دوليين يفرضان نفسيهما على المشهد الدولي ومتغيراته، وإطلاق العنان لانتفاضة جماهيرية ثالثة في مواجهة الاحتلال وممارساته الإجرامية في حق شعبنا وأرضنا ومقدساتنا.
إن تحصين الساحة الفلسطينية في مواجهة التحديات وما سيترتب على المواقف المستجدة لكل من الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو في سعيهما إلى تشديد حصارهما على الفلسطينيين من خلال العقوبات المتنوعة لإرغام السلطة على المضي في مفاوضاتها مع الكيان، ولو على حساب حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، يستلزم الإسراع في حل حكومتي القطاع والضفة لمصلحة حكومة وحدة وطنية تأخذ على عاتقها ترتيب الساحة الفلسطينية وفق آليات إعادة الاعتبار للمؤسسات الوطنية التي أصابها الشلل والوهن السياسي، بما فيها «م. ت.ف» الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بموجب اتفاق القاهرة عامي 2005 و2001. وإلى أن تنتهي مهلة المفاوضات نهاية الشهر الجاري ستبقى الأيدي على القلوب لألف سبب وسبب، في ظل اللقاءات المتواصلة بين السلطة وحكومة الكيان برعاية المنسق الأميركي مارتن أنديك وما قد ينتج منها بفعل الضغوط التي تمارس على السيد أبو مازن. وهذا ما أكدته تسيبي ليفني التي اعترفت بأنها تلقت وعوداً من بعض الدول العربية التي زارتها، بعدم تقديم المساعدات المالية إلى السلطة الفلسطينية أو إلى مدينة القدس. وهنا يطرح السؤال: هل السلطة جادة في مواجهتها كيري ونتنياهو؟