«إميل لحّود»… سيرة حياة يرويها كريم بقرادوني من إنتاج «الميادين» الوجه الحقيقي للبنان الذي حمل المقاومة في قلبه ولم يساوم حتى اللحظة الأخيرة
عبير حمدان
حين نسعى إلى توثيق سيرة حياة زاخرة بالنضال والمواقف المشرّفة، نخشى على شفافية الطرح، بحيث أن المسؤولية مضاعفة، والكتابة في حضرة الكبار مخاطرة كي لا نخفق في مكان ما، أو كي لا نغفل أيّ تفصيل.
فخر لنا أن نكتب عن «إميل لحّود»، القائد العسكري والرئيس المقاوم والإنسان الصلب، ونحن مَن نقبض على شعلة الحقّ لنأخذ منها بريق الصمود في زمن نموّ الفطريات التي تدّعي صفة الإعلام. ذاك النمو المموّل بالذهب الأسود والمبارك من صنّاع الحروب وشخوصها الهجينة.
ولأنّ المصداقية صفة لصيقة بالإعلام البعيد عن الارتهان لمخطّطات شرذمة المجتمعات، اختارت قناة «الميادين» الإضاءة على شخصيات دخلت التاريخ من بابه العريض، وقد تكون ساهمت في صناعة التاريخ وتدوين فصوله. فكانت بداية السلسلة الوثائقية بشخص القائد والرئيس المقاوِم إميل لحّود، لتوثّق سيرة حياته بإطار روائيّ يسرده الوزير السابق كريم بقرادوني، مسلّطاً الضوء على مرحلة أساسية من تاريخ لبنان تنطلق من اتفاق الطائف وتسلّمه قيادة الجيش، مروراً بعهد الرئاسة وحتى اليوم الأخير له في القصر الجمهوري، ويترافق السرد مع شهادات لشخصيات عايشت تلك الحقبة.
لحّود القائد الذي أنقذ الجيش من براثن الطائفية ومنحه العقيدة الموحِّدة ولم يرضخ لأيّ ضغوطات سياسية إيماناً منه بأن أبناء المؤسسة العسكرية هم أبناء الوطن المستقلّ الذي يستحق شعبه الحياة بكرامة.
فخامة المقاوم، الوجه الحقيقي للبنان الذي لم يساوم حتى اللحظة الأخيرة، ولم يهادن على حساب قناعاته الوطنية، هو الذي حدّد هوية العدو بحزم، فكان ولم يزل السند للقابضين على الزناد عند الثغور… وهو الذي عرف أن الحدود التي رسمها الاستعمار المتنكر بقناع الانتداب يوماً، مجرّد وهم، ذلك لأنّ النبض لا يمكن تقسيمه، فكانت سورية قلب العروبة النابض هي الحليف والصديق، وكان الحصاد نصراً ذات أيار على أرض الجنوب المحرّر من نير المحتل.
الرجل الذي لا يتكرّر، لم تنل منه الحملات الإعلامية المأجورة. ولم يتأثر بالحرب الكونية التي رافقت عدوان تمّوز على نهجه، وبقي متمسّكاً بموقفه المقاوم حتى خطواته الأخيرة بعيداً عن النادي السياسي بما يضمّ من فساد سعى جاهداً إلى مكافحته. بقي صامداً داعماً للمقاومة، وسقطت كل ادّعاءات التوقيع التي أطلقتها حملة «فِل»، كما سقطت لاحقاً بدعة الاتهام التي طاولت الضباط الأربعة من رفاق دربه الطويل.
«إميل لحّود… القائد، الرئيس والإنسان»، وثائقيّ من ثمانية أجزاء، سيحلّ ضيفاً بجزئه الأول على كلّ بيت مساء الأحد 12 شباط، أنتجته وتبثه «الميادين» وهو من إخراج هالة أبو صعب.
أبو صعب: فخامة التواضع
ترى هالة أبو صعب مخرجة الوثائقيّ أنّ أميل لحّود شخصية وطنية تستحقّ الإضاءة عليها. وتتحّدث عن تجربتها لناحية إخراج الوثائقيّ فتقول: إميل لحّود شخصية وطنية، قاد الجيش ووحّده لفترة ثماني سنوات. وحين أصبح رئيساً للجمهورية حكم بكرامة وشرف. وبعيداً عن السياسة، أرى أنّ وجود إميل لحّود خلال مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، ساهم في حمايته وصان صموده والجميع عاش ذلك ويشهد عليه.
أما الجزء الأحبّ إلى قلب أبو صعب من حلقات السلسلة، فهو الذي يشير إلى لحّود الإنسان الذي تشارك في إعداده أيضاً: تتناول الحلقتان الأولى والثانية مرحلة قيادة لحّود للجيش، وهناك أربع حلقات عن مرحلة الرئاسة، أما الحلقة الأخيرة فتضيء على لحّود الإنسان، وهي الجزء الأحبّ إلى قلبي. كما إنّني شاركت في إعدادها. وهنا أريد أن أشكر الرئيس لحّود لأنه سمح لنا بالدخول إلى تفاصيل حياته الخاصة والعائلية، والناس يحبّون أن يعرفوا كيف يعيش الرئيس لحّود اليوم وأن يسمعوا رأيه بعيداً عن السياسة.
وتضيف أبو صعب: أنا أحبّ أن أعمل على الأمور الواقعية، لذلك أشعر بالراحة في إخراج هذا النوع من الوثائقيات. همي الأكبر كان منصبّاً على إيصال صورة الرئيس لحّود بشفافيتها إلى المتلقي، وتناول شخصية مشرّفة على هذا النحو مسؤولية مضاعفة عسى أن أكون قد وفيته حقه.
لكن، هل كان من السهل الحصول على كلّ الوثائق المرتبطة بشخصية لحّود ورمزيته؟ تقول أبو صعب: لا أنكر أننا واجهنا صعوبات في جمع الوثائق والصوَر، ليس من السهل توثيق 19 سنة من تاريخ الرئيس لحّود. ولكن الرئيس لحّود يحتفظ بأرشيف لا يُستهان به وقد ساعدنا كثيراً كي لا نغفل عن التفاصيل والمواقف والصوَر المرتبطة بشخصه. والمختلف في الوثائقيّ، تقنية خاصة في التصوير، وإدخال موسيقى خاصة من توقيع المبدع زياد بطرس. وفي حلقة لحّود الإنسان وضعنا على سيارة الرئيس لحّود ثلاث كاميرات وكان يرافقه الأستاذ غسان بن جدّو ويحاوره فيما كان لحّود يقود سيارته، بوجود ثلاث كاميرات أكبر من حجم السيارة وعليه الانتباه إليها. أظن أننا استطعنا الإحاطة بكل التفاصيل كما يجب.
وتشير أبو صعب إلى أهمية العمل بروح الفريق وهذه سياسة «الميادين» لتصل الصورة متكاملة إلى المتلقي، وقد استغرق العمل على الوثائقي عشرة أشهر. وتختم بالتأكيد على اللقب الأحبّ إلى قلب الرئيس لحّود وهو… «فخامة المقاوم»، فتقول: هو رجل لا يتكرّر، والتاريخ سيذكره قائداً متواضعاً، وهو الذي حرص على راحة كلّ فريق العمل خلال التصوير وحتى اليوم يسأل عنهم فرداً فرداً. ومن الأمور الطريفة التي حصلت خلال التصوير، فهي حين كان الرئيس لحّود يتحدّث مع الوزير بقرادوني على الشرفة، وصار يعرف متى يتوقف عن الكلام بسبب ضجيج عابر، ومتى يكمل، ولم أعد المخرجة التي تقول… «cut»!
العريضي: الحكم للمُشاهد
يعتبر معدّ الوثائقي الزميل زاهر العريضي أنّ الرئيس لحّود شخصية لعبت دوراً كبيراً خلال حقبة هامة من تاريخ لبنان فيقول: لماذا إميل؟ إميل لحّود شخصية كان لها دور من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية لحقبة هامة في تاريخ لبنان بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف. وكان حاضراً خلال 19 سنة في الدولة والحياة السياسية.
وعن نظرة النقد المحتملة لفريق يرفض الإقرار برمزية لحّود يقول العريضي: نحن نقدّم عملاً لسلسة توثيقية حوارية، إنما من ناحية النقد، فإنّ أيّ عمل هو تحت حالة النقد. وفي النهاية الرئيس لحّود يمثّل حالة جدلية من ناحية المواقف والخيارات السياسية. فهو لديه رؤيته التي تتعارض مع فرقاء السياسة، وأحياناً تتماهى وتتلاقى مع فرقاء لديهم هذه الرؤية وهذا المشروع السياسي. وخلال السلسلة يطرح تجربته خلال الحكم وما تعرّض له وما شهد عليه وما حاول فعله. ننطلق من شخص الذي يتحدّث عن هذه الحقبة كمذكّرات وحقيبة تاريخ، لا عملاً وثائقياً نطرح فيه وجهات النظر المختلفة والمتناقضة.
أما هل استطاع العمل إيفاء الرجل حقه؟ فيجيب العريضي: بطبيعة الحال، إنّ أيّ عمل لا يستطع أن يحيط أو يعطي الرجل حقه الشامل. إنما حاولنا أن نحيط بجميع مواقفه الوطنية ودوره في بناء الدولة من توحيد الجيش إلى حماية المقاومة، إلى محاولاته الدؤوبة في محاربة الفساد. ويبقى التاريخ والمُشاهد هما اللذان ينصفان هذه الأعمال.
وحول إمكانية استطلاع رأي الناس حول شخص الرئيس لحّود يقول العريضي: في نوعية هذا العمل، لا يشمل الوقوف عند آراء الشارع ونقل نبض الشارع، إنما حاولنا أن ندعمه بشهود عايشوا تلك المرحلة. ويبقى للمُشاهد الحكم لأنه من حق المُشاهد الاطّلاع على الخبايا وما كان يحدث في هذه المرحلة. وبالتأكيد تتضمّن هذه السلسلة كواليس ومواقف غير معلومة وتُطرح للمرّة الأولى في الإعلام.