هل نقرأ إيران بغير عيون الحب أو الكراهية؟
ناصر قنديل
– في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران دعوة للتحرر في مقاربة الحدث من المشاعر المؤيّدة والمعارضة للسياسات الإيرانية، دعوة للتعلّم أو لِنَقُل للقراءة، ومحاولة الإفادة باكتساب العبر والمعاني. وبعيداً عن التشويهات التي يريدها بعض المبالغين في العداء، وبهدف الإساءة لا يمانعون بافتراءات يعرفونها محض أكاذيب، من نوع أنّ إيران وكيل سريّ للمصالح الأميركية أو تقيم سراً علاقات بـ«إسرائيل»، والقائلون طبعاً من الذين يلهثون لنيل رضا وتبجيل حكومات تجاهر بالتبعية لأميركا وللتطبيع مع «إسرائيل»، فيصير مجرد مسايرة منطقهم بقبول اتهاماتهم رغم بطلانها، إعلان تفوق إيران من ضفة لا نريدها ولا نرتضيها، لكننا تناولناها لقطع دابر النقاش بها في كلّ ما سيلي من كلام واستنتاجات.
– إيران المتحرّرة من التبعية لأميركا والمواجهة لـ«إسرائيل»، حقيقة ثابتة في الأدبيات العلنية والسرية للكيانين الأميركي و«الإسرائيلي»، نجحت خلال سبعة وثلاثين عاماً بالارتقاء إلى مصاف الدول الكبرى في صناعة السياسة والاستراتيجيات، وصارت عضواً في نادي اللاعبين الكبار، مُهابة الجانب، يُحسب لها الحساب. وهذا ليس موضع نقاش عند الكبار إن صعب على الصغار الاعتراف به، لكن المفارقة أن هذا لم يتمّ على حساب ثابتتين اضطر غيرها للتضحية بهما لنيل مكانة تقارب او تسعى لمقاربة مكانتها السياسية والعسكرية، وهما التنمية الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والعلمية والخدمية، من جهة، والمسيرة الديمقراطية القائمة على الانتخابات والتعددية السياسية والإعلامية، لدرجة أن إيران قد تكون من بين بلدان العالم الأولى في تسجيل سوابق المفاجآت الانتخابية، والتداول السلس للسلطة، وحتى قبل أسابيع قبيل وفاة الرئيس هاشمي رفسنجاني كان فيها، أربعة رؤساء سابقين للجمهورية. ولمن يتابع الحياة السياسية والإعلامية في إيران يعرف بتنافس برامجي على السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الشأن السياسي الداخلي والخارجي، ضمن ثوابت تحقق الإجماع يحترمها الجميع تتصل بالمكانة الوطنية لإيران، وكرامتها وعزتها وعناصر قوتها، تنبض بها وبخلافاتها وتبايناتها ومواجهاتها يومياً صحافة إيرانية تعبر عن تعددية سياسية نشطة وشجاعة.
– خلال هذه الفترة القصيرة نسبياً في عمر بناء الدول نهضت إيران عمرانياً بما يضعها في خدمات الكهرباء والهاتف والنقل والصحة والتعليم والسكن والبيئة والبحث العلمي، في مصاف دول تتراوح بين المرتبة الخامسة والخامسة عشرة في العالم، وبقياس تأثير الحرب التي شنّها عليها العراق واستهلكتها واستنزفتها لسنوات ثمانٍ، ومثلها على الأقل لمحو آثار الحرب، يصير عمر بناء الدولة في إيران نصف الزمن المنقضي من تاريخ انتصار ثورتها، وبقياس العقوبات والحصار تصير إنجازاتها قابلة للتحقّق، ربما بنصف المدة الباقية أي بثمانٍ أو تسع سنوات، لو لم تكن تحت هذا الحصار المميت.
– يقارن كل عربي حال بلاده بحال إيران بمعزل عن القبول بنموذجها العقائدي أو رفضه، أو القبول بسياساتها أو رفضها، أو حبّ قيادتها أو رفضها. فالقضية إن دولة وشعباً مجاورين لنا في ظروف قاسية وبإمكانات اقتصادية وموارد تقلّ عن تلك التي تخصّنا كعرب، وبقياس لصالح فوزنا في معيار المساحة والجغرافيا وعدد السكان نفشل نحن وتفوز إيران. ويكفي أن نقارن تاريخ الحرب التي تشارك فيها العراق والخليج على إيران لنقارن من عنده أين كانت وأين أصبحت إيران وأين كان العراق ومعه الخليج وأين أصبحا؟ أو أن نقارن من تاريخ الثورة التي تزامن حدوثها مع دخول مصر عهد كامب ديفيد الذي تغيّرت وجوه حكوماته وبقي حاكماً لمصر، ونتساءل أين كانت مصر وأين كانت إيران واين أصبحتا؟
– بالمثال المتعلق بالموارد والحجم والمكانة يمكن مقارنة إيران بتركيا، التي تتسوّل دخولها الاتحاد الأوروبي وتفشل، وتخضع لقواعد التبعية للغرب عبر عضويتها في حلف الأطلسي، وتحمل ميراث استقرار قرن كامل في البناء الاقتصادي والعسكري، يمكن ببساطة السؤال عن مكانة تركيا اليوم واضطرابها وارتباكها، وثبات إيران ومكانتها وصعود مقدراتها، فلا بالعيون الروسية ولا بالعيون الأميركية والغربية تحظى تركيا بصفة الحاجة التي لا غنى عنها، أو بصفة الحليف الموثوق أو الخصم المهاب الجانب، فكيف بالعيون «الإسرائيلية»، وعيون الشعوب التي لا تزال تنظر لـ«إسرائيل» كعدو ولفلسطين كقضية؟
– يحق لإيران أن تقول بأن مصدر قوتها الذي استوحت واستلهمت منه نجاحاتها هو نموذحها العصري المنفتح للإسلام، بغير المفهوم التبعي لانفتاح إسلام آخرين، ولكن هذا ليس هو الموضوع. الموضوع أن بالقرب منا مثالاً حياً على ما تصنعه الإرادة المستقلة للدول من بناء متقدّم ومتفوّق في العمران بمفهومه الشامل، ومن إنجازات في الطب والفيزياء والعلوم، وتحفظ حتى الإعجاز الكرامة الوطنية لشعبها. وليست المشكلة أن يقول الآخرون وخصوصاً من العرب، أن لديهم تعبيراً مختلفاً عن دولتهم المستقلة التي يريدون. المهم أن يثبتوا القدرة على إثبات الأهلية بين الدول الصاعدة بكرامة إلى مصاف الأقوياء، وألا يكون عداء بعضهم لإيران وتآمرهم عليها شبيهاً بتآمرهم على المقاومة، لأنهما فضيحتان كبيرتان لخنوع وتخاذل هذا البعض، فقد قالت إيران ما قالته المقاومة، كل في ميدان، نعم إننا نستطيع.