المملكة و«الرجل الذي فقد عقله»: حماسة سعوديّة للعهد الأميركي الجديد
خضر سعادة خروبي
قبل أشهر قليلة، في عزّ السباق الانتخابي الرئاسي داخل الولايات المتحدة، بين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون وفي ذروة «الاطمئنان الخارجي» إلى أن فوز المرشح الجمهوري بالرئاسة الأميركية، أبعد ما يكون عن الممكن، طرحت مجلة «ناشونال انترست» تساؤلاً مفاده: «لمَ يتطلّع السعوديون إلى رئاسة ترامب؟»، لافتة إلى ما كان يردّده مسؤولون سعوديون في الخفاء، بشأن ما يكتنزه ترامب من مواصفات «الصديق المستقبلي العظيم»، خصوصاً أن رجل الأعمال القادم من سوق العقارات، عقد العديد من الصفقات مع أمراء العائلة الحاكمة في السعودية، لعقود خلت، إسوة بفريق إدارته الذي يرتبط بعلاقات شخصية حميمة مع الرياض، مثل جون بولتون، سفير واشنطن الأسبق لدى الأمم المتحدة ونيوت غرينغيتش، رئيس مجلس النواب الأميركي السابق. وغيره من الوجوه التي تتشارك مع العاصمة الخليجية نقطة قلق أساسية، ألا وهي إيران. هذا، ولفتت المجلة إلى ما ضمّنه مستشار دونالد ترامب لشؤون الأمن القومي، مايكل فلين، في أحد كتبه، بالقول: إنه «يجب التوقف عن لوم المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، إزاء عدم كفاءتنا في الحرب ضد الراديكالية الإسلامية». من جهته، رأى سلمان الأنصاري، مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأميركية سابراك ، أن بروز شخصيتين مثل محمد بن سلمان في السعودية ودونالد ترامب في الولايات المتحدة، يشكل عاملاً من شأنه أن يساعد في ما أسماه «إصلاح العلاقات الأميركية السعودية»، مركّزاً على أوجه الشبه بينهما لجهة اندفاعهما وحماستهما للتغيير.
ولطالما مثّّل الرئيس الأميركي الجديد، الذي وصفت إحدى أعرق الصحف الأميركية عشية الانتخابات، احتمالات فوزه بـ«المعجزة»، بعدما نال نصيبه من انتقادات أغلب رجالات السياسة في العالم، مثل وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، الذي نعته بدوره بـ«الرجل الذي فقد عقله»، معضلة للسعوديين، لجهة الرهان على حظوظه، من جهة، باعتباره «أكثر تشدّداً تجاه إيران»، الغريم الإقليمي للرياض وبين حظوظ منافسته هيلاري كلينتون «صديقة الخليج»، كما كانت تنقل التقارير الغربية حينذاك.
أما اليوم ومع الارتحال من سني أوباما المثقلة بالخيبات، إلى أيام ترامب، المفعمة بالآمال الخليجية العريضة، تبرز النبرة «الواقعية» في حديث وزير النفط السعودي خالد الفالح، عن مصالح مشتركة في قطاع الطاقة مع «أميركا- ترامب» و«التفاؤل» الذي تحلى به كلام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حيال مستقبل العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن، جنباً إلى جنب، مع ما رسّخته مكالمة ترامب- سلمان من انطباعات إيجابيّة على هذا الصعيد. انطباع محكوم بموجة تفاؤل، يحركها انزعاج كل من الولايات المتحدة والسعودية المزمن، من دور إيراني متنام على امتداد الإقليم من لبنان والعراق إلى اليمن، حيث تدعم إيران منظمات عسكرية، أو شبه عسكرية، مثل «حزب الله» الذي يطال بتهديده «الحليف الإسرائيلي» لواشنطن و«أنصار الله» التي وصلت قوة نيرانها إلى تخوم باب المندب وحدود المملكة الخليجية الحليفة.
وبحسب ما جاء في مجلة «فورين بوليسي» قبل أيام، فقد بدأت إدارة ترامب استعداداتها لمواجهة «المتمرّدين اليمنيين المدعومين إيرانياً»، كجزء من «خطة أوسع لمواجهة طهران، عبر ضرب حلفائها داخل البلد الخليجي الفقير»، ناقلة عن أحد استشاريي فريق ترامب لشؤون الأمن القومي، قوله، إن إرسال المدمّرة «يو أس أس كول» قبالة السواحل اليمنيّة، يأتي انسجاماً «خطوات أكثر تشدّداً»، تشمل تكتيكات شن الغارات عبر الطائرات بلا طيّار وعمليات الإنزال، إلى جانب العمل على نشر أطقم المستشارين العسكريين الأميركيين داخل الميدان اليمني، لدعم جهود القوات المحلية الحليفة. وفي هذا السياق، أشار تقرير المجلة الأميركية، الذي حمل عنوان: «اليمن: ساحة المعارك الأولى في المواجهة بين ترامب وإيران»، إلى الاحتمالات المتزايدة لانخراط الولايات المتحدة، بشكل مباشر، في مساعي محاربة الحوثيين، إلى جانب «الحلفاء» السعوديين والإماراتيين، تبعاً للنظرة التي يحملها الرئيس الأميركي وفريقه لليمن، بوصفه ساحة بالغة الأهمية في إظهار «عزم» الولايات المتحدة ضد إيران وتجاوزها «إخفاقات الإدارة السابقة في مواجهة نفوذ طهران في المنطقة». ولعل ما تداولته قناة «فوكس نيوز» من أن الهجوم الأخير على فرقاطة سعودية، إنما كان يستهدف، أساساً، قطعاً بحرية تابعة للأسطول الأميركي العامل في ذلك الممر المائي، يشرح جزءاً من المقاربة الرامية إلى إظهار حرب اليمن على أنها مصلحة أميركية – سعودية مشتركة.
ومن المواقف الأولية لعناصر إدارة ترامب، التي تميل إلى المقاربة السعودية للأزمة في اليمن، كما ظهر في إحدى جلسات الاستماع في الكونغرس، المخصصة لتعيين لوزير الخارجية ريكس تيليرسون، حين عبّر الأخير عن اعتقاده بأن السبيل لمساعدة «التحالف العربي» في اليمن، على تجنب إزهاق أرواح المدنيين، يكمن بزيادة الدعم الاستخباري المقدّم لهم هناك. إلى المواقف الأخيرة للإدارة الجديدة، بإقرار عقوبات إضافية ضد الجمهورية الإسلامية، تحت ذريعة التجربة الصاروخيّة الإيرانيّة، قبل نحو أسبوعين. تأتي السيناريوهات الأكثر جديّة، في ما نقلته تقارير صحافية عن دوائر مقرّبة من البيت الأبيض، بشأن رسم مخططات «التصدي للجهود الإيرانيّة»، فيما يبقى السؤال الجوهري منصبّاً حول تفاصيل وتوقيت بدء العمل بتلك المخطّطات، سواء داخل الميدان اليمني، أو أي ميادين أخرى لنفوذ طهران.
اللهجة الخطابية المتشددة ضد إيران والمعتمدة من جانب فريق ترامب، مثل وزير الدفاع جايمس ماتيس، الذي يرى «الجمهورية الإسلامية» بوصفها العنصر الأكبر في حالة «عدم الاستقرار في الشرق الأوسط». وزميله في الخارجية ريكس تيليرسون، إسوة بغيره من الوجوه «المألوفة» للحكّام الخليجيين، يريح الرياض التي كان يزعجها إدراج إدارة أوباما تهديد «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» ضمن أعلى سلّم أولوياتها، عوض التركيز على «التهديد الإيراني». وانطلاقا مما تناقلته تقارير صحافية أميركية، فإن العمل العسكري الأول الذي خطته أقدام الجنود الاميركيين داخل اليمن، من شأنه أن يعطي إشارة إيجابية للمملكة حول المكانة التي يحتلها اليمن على أجندة الإدارة الجديدة. كما أن الاتصال بين سلمان وترامب والذي تطرق الى إقامة مناطق آمنة في سورية واليمن، من شأنه أن يعزز اندفاعة وحماسة السعودية، إذا توافقت مع تفسيرات الأخيرة لها، أو يفرمل هذه الاندفاعة، إذا جاءت هذه المصطلحات مدموغة بختم الكرملين.
حتى الآن، يشكك كثيرون في مدى تطابق خطاب ترامب مع سياساته، الأمر الذي تشهد عليه انعطافاته إزاء خطوات داعمة لـ«إسرائيل» وترتيبات تصعيديّة ضد الصين. وينظر البعض إلى النهج الذي سوف تكون عليه السياسة الخارجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، على أنه نهج داعم لإيران، باعتبار الحرب على «داعش» وقطع الدعم عما يسمى «فصائل المعارضة السورية»، تصبّ في صالح المحور الإقليمي الذي يحارب الإرهاب، الذي تعكف الصحف الغربية عموما والأميركية خصوصاً، على فضح الأدوار السعودية في تفشيه، كظاهرة وممارسة. وبين سيناريو وآخر، تمنّي «الشقيقة الكبرى» داخل المنظومة الخليجية، النفس بإلغاء أو إعادة تفاوض إدارة ترامب على «الاتفاق النووي»، لخنق المنظومة المالية والاقتصادية لطهران وتعويق فرص الاستثمار الأجنبية فيها. وفي السياق عينه، يتخوّف البعض من أن يعود حرص ترامب على الظهور بمظهر «الرئيس الحازم والقوي» بنتائج عكسية، فيما يخص مساعيه الرامية إلى تخفيض أعباء التزامات أميركا الدولية، على نحو يذهب أبعد من نقاط الشبه «الشعاراتية» مع عهد الرئيس ريغان بشأن إعادة أميركا إلى عظمتها ، إلى تشابه أكثر حدّة في تحريك الأزمات، لا سيما مع إيران، التي شهدت علاقاتها مع واشنطن، مذاك، توترا متزايدا وغير مسبوق.