سرميني لـ«البناء»: الفيلم إنسانيّ اجتماعيّ يحمل قضية عوالم لا نعرفها
دمشق ـ آمنة ملحم
بحساسية أنثى، وقلب أمّ. بشفافية امرأة، وشجن روح. بمسؤولية عالية ورسائل هادفة اقتلعت من أعماق عالم خاص يصعب اقتحام خباياه، غاصت المخرجة سهير سرميني في بحر طفولة اجترحها المصير ليكون جرح الواقع المحيط أشدّ قسوة وأكثر إيلاماً. طفولة بعثرها القدر لتمتدّ على مدى العمر، وليكون صاحبها مشمولاً بمسمّى مصاب بـ«متلازمة داون».
هو قدر اختار طفولة دون غيرها، لكن تفاعل محيطه معه وقبوله كما هو لم يكونا قدراً على الإطلاق، بل هو قرار يرفعه البعض في وجه حالات خاصة لا ذنب لها سوى انغلاق أولئك المحيطين به على أنفسهم، بعيدا عن تقبّل استثناءات الحياة.
هي استثناءات بطعم السكّر لعرائس السكّر، ولكنه سكّر أسمر تتلاشى حظوظه أمام خيارات لسكّر أكثر بهجة وأجمل لوناً.
«عرائس السكّر» الذي افتُتح في دار الأوبرا في دمشق بحضور وزير الثقافة السوري محمد الأحمد، ووزيرة الشؤون الاجتماعية ريما القادري، بعد طول انتظار، أطلق رسائله صرخات في وجه الحياة، فكانت المرأة صانعته وخير حامل لتلك الرسائل الممزوجة بآهات أمّ أرهقتها ملوحة الحياة، ومصير أخت رسم على ماسورة الخوف من تكرار لعبة الأقدار، وملامح طفلة غيّبتها خيبات الأيام وأوجعها رحيل حضن الحنان من دون استئذان. هي طفلة ثمّ أنثى تواجه عثرات البلوغ وهمهمات ذكورية الشبان. هي أنثى وطفلة لا مكان لطفولتها بين جدران التعليم والاندماج في صفوف، لا مكان لخصوصيتها بينهم. هي أنثى قد تترك تائهة لغدرات الزمان إن رحل رُعاتها بلا عودة، وماتت بعدهم ضمائر حتى الأخوات بذريعة ظروف الحياة. هي أنثى من لحم ودم، بطاقات استثنائية ومبدعة في بعض الأماكن إن وجدت الاهتمام، ولكن ما جدوى ذلك إن لم يكن لعرائس السكّر تلك مكان حتى لتعلّق لوحة على الجدران؟
مبدعةً سهير سرميني كانت في اختراق عالم تلك الأنثى، فجعلته متأرجحاً ما بين ضحكة طفلة نابعة من القلب، ودمعة أنثى جارحة للخدّ. مبدعة كانت في اختيار فكرة قلّما تتطرّقت إليها السينما العربية من قبل في ما عدا فيلم غدي للمبدع اللبناني جورج خبّاز ، مغامرة في اختيار بطلة استثنائية لعدسة كاميراها، وبذل جهود مضاعفة لتحقيق وهج لفكرتها.
الفيلم أُطلق بعرض خاصّ كان له بريقه لدى سرميني، إذ أوضحت في حديث إلى «البناء» أن فكرة الفيلم انطلقت معها من حالة أختها المصابة بـ«متلازمة داون» فهو من فكرتها، وأدركت أن الرجل لن يخدمها في الفكرة فاختارت أنثى، وهي الكاتبة ديانا فارس، لكتابة النصّ، حيث دخلتا في رحلة بحث سابقة للكتابة في عالم هؤلاء الأطفال.
الفيلم تحدّث عن عوالم لا نعرفها عن حياة هؤلاء الأطفال، فكلّ طفل منهم حالة خاصة بحدّ ذاته، ومنهم قد يكون فاعلاً في المجتمع.
وتابعت سرميني: الفيلم إنسانيّ اجتماعيّ يحمل قضية، وقد تطلّب بروفات كثيرة وحاولنا فيه اختصار عدد الجمل في النصّ بكلمات محدّدة، والاعتماد على الأداء بشكل أكبر وهذا كان مهماً ومتعباً.
كما اخترت مروة الجابي لبطولته لقدراتها واستجابتها وشكلها، فهي فيزيولوجياً أنثى قد تتعرّض لاستغلال المجتمع، وهؤلاء الأطفال لا راعي لهم بغياب الأمّ. فمن الممكن أن يبقوا وحيدين فيموتون. فكانت الرسالة بضرورة وجود دور خاصة ترعاهم، وكذلك مدارس خاصة لحالاتهم.
ونوّهت سرميني بأن العنوان مستوحى من قصيدة نزار قباني «لعرائس السكّر»، حيث وجدت فيها أجمل إسقاط لهؤلاء الأطفال الملائكة الذين يشبهون عرائس السكّر.
وتوجّهت سرميني بالشكر الكبير إلى وزير الثقافة محمد الأحمد لدعمه الفكرة الإنسانية، والإصرار عليها منذ كان مديراً للمؤسسة العامة للسينما.
وعن اختيار أبطال الفيلم، لفتت سرميني إلى اختيارها فنانين يتناسب وجودهم مع الفكرة. فهناك محطات كوميدية أثارت الضحكة عبر شخصية الفنانة غادة بشور، كما وجدنا مشاهد حملت الدمعة.
وتتوقّع سرميني مشاركة الفيلم في مهرجانات مقبلة لفرادة فكرته، فهو تناول طرحاً خاصاً حول أطفال «متلازمة داون»، وبطلته حقيقية وليست فنانة، بل تمثّل للمرّة الأولى.
وقال مدير عام المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين في كلمة ألقاها قبيل العرض: إن فيلم «عرائس السكّر» يدخل في عوالم طبقة اجتماعية شديدة الخصوصية. سارداً لهذه العوالم ومعرّفاً بها وبمدى خصوصيتها ووجهة النظر فيها من جوانب مختلفة.
بدورها، الفنانة القديرة سلمى المصري التي أدّت دور الأمّ في الفيلم، قالت في تصريح أدلت به إلى «البناء»، إنّها أحبّت الفكرة كثيراً، وهي فكرة إنسانية تحمل طرحاً لطريقة التعامل مع هؤلاء الأطفال وطريقة استيعابهم وفهمهم. فَهُم أذكياء ومن الممكن تطوير قدراتهم في مجالات عدّة، ويطرح الفيلم كيفية استغلال فئة من هؤلاء البنات من قبل المجتمع وهذه نقطة هامة.
ونوّهت بالتعب الكبير في التصوير للوصول إلى أفضل نتيجة، ولكنها خرجت في النهاية بعلاقة حبّ مع الطفلة التي أحسّت بحبّها الذي حملته في قلبها لها.
وعن خصوصية التجربة، أكدت لمى إبراهيم التي ظهرت في دور الأخت، أنها تجربة خاصة وإنسانية وحقيقية، وقالت في حديث إلى «البناء»: الفيلم هو تجربتي الروائية الطويلة الأولى. وما يميّز القصة وجود مشكلتين، إحداها ضرورة الاهتمام بمشاعر هؤلاء الأطفال وليس فقط الاهتمام بصحتهم، والثانية الحاجة إلى وجود رعاية دائمة وخاصة لهم.
وتابعت ابراهيم: هو فيلم أنثوي يحمل جرعة كبيرة من الإحساس، أثناء العمل تعبنا وأخذ جهداً كبيراً، ضحكنا مرّات وبكينا مرّات أخرى.
أما الفنانة غادة بشور التي ظهرت بدور طريف حمل الضحكة من عمق الألم، فأشارت في حديث إلى «البناء»، إلى أنّ أكثر ما لفت نظرها في العمل، القصة الإنسانية، وكانت التجربة الأولى لها مع المخرجة سرميني التي تبحث في التفاصيل وتختار الشخص المناسب بدقة. معربةً عن سعادتها بتلك المشاركة بدور «الداية»، لا سيما أنّ الفيلم حسّاس جدّاً، ويحمل فكرة رائعة خاصّة بوجود طفلة حقيقية وليست ممثلة، وكانت فتاة ذكية ورائعة.
وتمنّت بشّور أن يُدرج الفيلم في المحافل الدولية ليعرض رسالته السامية.