سورية: «المعارضة المعتدلة» بين الانتحار العسكري والانتحار السياسي
حميدي العبدالله
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول الثلاث الراعية «لإعلان موسكو وتفاهمات أستانة»، إلا أنّ الفصائل المعارضة المسلحة، التي اعتاد الغرب على تسميتها «بالمعارضة المعتدلة» تصرّ على انتهاج خيار يقود إلى واحد من اثنين: إما الانتحار سياسياً وإما الانتحار عسكرياً.
الانتحار السياسي يتمثل في كون هذه الفصائل تتبنّى سقفاً مرتفعاً وغير واقع في مواقفها من الدولة السورية، عندما أعلنت وواصلت الإعلان عن أنها لن تقبل بأقلّ من «إسقاط النظام».
واضح أنه بعد مرور ستّ سنوات على الحرب في سورية، وحتى قبل إسهام حزب الله والمستشارين الإيرانيين والقوة الجو فضائية الروسية في الوقوف إلى جانب الدولة السورية في مكافحة الإرهاب، عجزت هذه الفصائل عن السيطرة على المدن التي تجعلها في وضع يؤهّلها لرفع شعار إسقاط النظام. وجلّ ما تحقق كان بفعل التنظيمات الإرهابية الموصوفة، أيّ القاعدة، وداعش بعد انفصالها عن القاعدة، وكان واضحاً أنّ داعش منذ البداية رفضت أيّ وجود لهذه الفصائل، كما أنّ تنظيم القاعدة وافق على وجودها لحسابات تتعلق بعملية تمويه سياسي لعدم إحراج الدول التي تقدّم لها الدعم، فالتنظيمات المعتدلة هي مجرد واجهة وليس بيدها القرار.
بديهي مطالبة هذه الفصائل أو داعميها بإسقاط النظام، وهو الذي يسيطر على مناطق يقطنها أكثر من 80 من سكان سورية هي مطالبة غير واقعية، ولا يمكنها أن تبصر النور، وجلّ ما يمكن أن يحصل هو تسوية تعكس توازن القوى الميداني وستكون فيها الأرجحية لمؤيدي الدولة السورية.
وقبول هذه الفصائل لهذه التسوية، سواء كانت هذه الفصائل مصنّفة دولياً إرهابية أم لا، سيقود إلى اتهامها بالخيانة، والعمل على تصفيتها، وهذا ما يحصل الآن في محافظة إدلب. وهذا هو الانتحار السياسي.
أما الانتحار العسكري، فهو نابع من أنّ رفض هذه الفصائل الانفصال عن التنظيمات الإرهابية والقتال إلى جانبها، كما يحصل الآن في درعا، وسيحصل في إدلب بعد انتهاء عملية الفرز، سيدفع الجيش السوري وحلفاءه إلى خوض معركة عسكرية للقضاء على هؤلاء كما حصل في أحياء حلب الشرقية، ولن يكون بمقدور الدول الراعية والداعمة للإرهاب الوقوف في وجه عملية الحسم هذه، بعد أن عجزت المعارضة المعتدلة عن الانفصال عن الجماعات الإرهابية.