شمبانيا وعطور قد تطيح بنتنياهو…
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
يبدو أنّ النهاية السياسية لرئيس حكومة «إسرائيل» بنيامين نتنياهو قد اقتربت كثيراً، حيث تكثفت مؤخراً عمليات التحقيق معه من قبل الشرطة «الإسرائيلية» حول قضايا فساد تخصّه وتخصّ زوجته سارة، تمحورت حول هدايا فاخرة، عطور وشمبانيا وسيجار فاخر ومجوهرات وحلي قُدّمت لهما من رجال أعمال في إطار منافع ومصالح مشتركة، وهذا التحقيق المكثف قاد الشرطة إلى رفع توصية للقضاء بفحص إمكانية محاكمة نتنياهو، وهذه المحاكمة إذا جرت ستضع حداً لمستقبله السياسي، كما وضعت عمارة «هولي لاند» في القدس حدّاً للمستقبل السياسي لسلفه إيهود أولمرت، وهو اليوم يقبع خلف جدران السجن على خلفية تلقيه رشاوى في بنائها، والفرص والاحتمالات كبيرة بأن ينضمّ إليه نتنياهو في القريب العاجل.
ولعلّ الإدارة الأميركية السابقة إدارة أوباما هي التي فتحت النار على نتنياهو الذي تعامل معها بغطرسة وعجرفة وعنجهية، وتحديداً مع الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، وقد ردّت الإدارة الأميركية على ذلك بالسماح بتمرير قرار مجلس الأمن الدولي 2334 الخاص باعتبار الاستيطان غير شرعي في القدس وباقي الضفة الغربية ودعوة حكومة الاحتلال إلى وقفه، من أجل تعميق الأزمة السياسية في الائتلاف الحكومي، وتحميله مسؤولية تدهور علاقات «إسرائيل» مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أنّ ذلك ترافق مع فضيحة الغواصات الألمانية، حيث يُتهم مقرّبون من نتنياهو بتلقي رشاوى فيها، حيث أنّ محاميه الشخصي ديفيد شمرون هو وكيل رجل الأعمال اليهودي ميكي غانور ممثل مجموعة «ثيسنكروب مارين سيستمز» الألمانية التي تتولى بناء تلك الغواصات، لتتوالى الفضائح بعد ذلك في ملفات فساد له ولزوجته سارة مع رجال أعمال ومالكي صحف «إسرائيلية».
يراقب «الإسرائيليون» ويتابعون عن كثب التطورات في قضايا فساد نتنياهو وزوجته، وقد خرجت أكثر من تظاهرة مطالبة برحيله، في حين بدأت الأحزاب «الإسرائيلية» بالإعداد لمرحلة ما بعد نتنياهو، على اعتبار أنّ إدانته وسجنه سيقودان إلى انتخابات مبكرة، فرئيس حزب «البيت اليهودي» المتطرف نفتالي بينيت يعتبر أنه صاحب الحظ الأوفر في خلافة نتنياهو وقد بدأ العمل على تشكيل كتلة يمينية تفتح الطريق أمامه نحو رئاسة الوزراء. وفي ظلّ جنوح «إسرائيلي» كبير وغير مسبوق نحو اليمين والتطرف، فإنّ بينيت سيكون الأكثر تعبيراً عنه لخدمة مصالحه ومشاريعه وقضاياه، خاصة جمهور المستوطنين، في حين لا يبدو أنّ قوى المعسكر الصهيوني الأخرى مثل يائير لبيد مؤسس حزب «هناك مستقبل» أو وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ستكون لها حظوظ كبيرة في تولي رئاسة الوزراء في دولة الاحتلال.
رئيس وزراء «إسرائيلي» آخر قد يطيح به الفساد من الحكم ويقوده إلى السجن، رغم أنّ الخدمات التي قدمها للدولة ولمجتمعه الصهيوني في كلّ المجالات والميادين كبيرة جداً، وكان همه وحلمه الحفاظ على دولة الاحتلال قوية ومستبدة في المنطقة. وفي المقابل، يتعامل بعض الحكام العرب مع شعوبهم على أنهم رعاع أو عبيد، يمارسون كلّ أشكال القمع والبطش والتنكيل بهم ولا يشاركونهم لا في السلطة ولا في القرار، ولا تحقق دولهم أي نمو أو تنمية اقتصادية، بل تُنهب وتسرق ثروات وخيرات تلك الشعوب من قبل فئة قليلة من الحكام والدوائر الأميرية والعشائرية والقبلية المحيطة بهم، وأمن بلدانهم مستباح من قبل قوى خارجية، ولا أحد يجرؤ على مجرد التلميح وليس التصريح عن فسادهم وبذخهم وحجزهم شواطىء كاملة وفنادق بمليارات الدولارات لراحتهم واستجمامهم في البلدان الغربية، في حين تئنّ شعوبهم تحت وطأة الفقر والجوع.
إنّ ما سمي بـ»ثورات الربيع العربي» كشف عن عمليات نهب بعض الحكام العرب لمئات المليارات من أموال شعوبهم، ولعلّ ما نشر عن أرصدة لحكام العراق بالمليارات في البنوك الأميركية والتي سيضع الرئيس الأميركي يده عليها، يكشف حالة تعفن وفساد تعيشها أغلب الأنظمة العربية، حيث أنّ الأموال المسروقة والمنهوبة من قبل من حولوا دولهم إلى ممالك وإقطاعيات خاصة بهم وبأسرهم، تكفي لتحويل العالم العربي إلى جنة الله على أرضه، وتضع تلك الدول في مصاف الدول المتقدمة والمنتجة في كلّ المجالات والميادين.
القيادات والزعامات العربية لا يسقطها لا الفساد ولا التعفن ولا حتى الخيانات العلنية. صحيح أنّ الشعوب تعاني الاضطهاد والقمع وغياب الديمقراطية والحريات وتفتقر إلى الوعي، إلا أنها، ومعها ما يسمى بالقوى المعارضة للأنظمة، تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الجانب، فهي غير مستعدة للتضحية في سبيل حريتها وتحسين شروط وظروف حياتها، وكنس الأنظمة الفاسدة، فالشعوب والأحزاب التي تهلل وتطبل لتلك الأنظمة وتقول «عاش طويل العمر» هي شريكة في الفساد، وفي زمن الثورة المعلوماتية والتكنولوجية لم تعد تلك الأنظمة قادرة على استمرار بسط سيطرتها على الفضاء الإعلامي والثقافي، بل يمكن الوصول إلى المعلومة والتعبير عن الموقف والرأي بألف طريقة ووسيلة.
لا يمكن لشعوب تعيش وفق نظرية طاعة أولي الأمر، التي توظفها الأنظمة لخدمة مصالحها واستمرار سيطرتها وحكمها لتلك الشعوب، ولأحزاب «مخصية» مدجنة أن تطيح بتلك الأنظمة أو تعمل على تغييرها. فتلك الأنظمة لا تغيب سوى بالموت وحتى ما بعد الموت أو قبله يكون ورثتها جاهزين، لتصفق لهم الشعوب من جديد، وكأنّ جينات الديمقراطية والحرية لم تعرف طريقها إلى شعوب هذه الأمة، ففي الوقت الذي تعي شعوبنا مصالحها وتكون قياداتها من القوى والأحزاب على قدر المسؤولية والتضحية الحقيقية، نقول حينها إنّ التغيير مقبل نحو غد عربي مشرق، يكنس كلّ أنظمة العهر والفساد والقمع والذل.
دولة محتلة وفاسدة تحاكم قياداتها رغم كلّ خدماتهم الجليلة لدولتها، وتزجّ بهم في السجون والمعتقلات، هي قادرة على البقاء والتطور والسيطرة، ودول حكامها شلة من الفاسدين والتجار، وشعوبها تصفق لها كشريك لهذا الفاسد المتوالد كمتوالية هندسية، سيبقى تطورها محتجزاً وتئن تحت وطأة الفقر والجوع والذلّ.
Quds.45 gmail.com