ملامح على طريق المواطنية

وليد زيتوني

يبدو أنّ التصريحات الأخيرة لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، ورغم أنها ليست جديدة، إلا أنها أكدت ثوابت العمل الوطني الحقيقي، الساعي لرسم طريق أو بداية طريق الخلاص من الأزمة التي عصفت بالبلد منذ العام 2005. وهو بذلك يعبّر عن نبض الشارع التوّاق إلى الوصول لحالة من الاستقرار والأمان. وتتلاقى هذه الطروحات مع إرادات عاملة على تحقيق ما يمكن تسميته إعادة لملمة الوضع المتشظّي ووضع أسس، ولو أولية لحالة انصهار وطني فعلي، بعيداً عن محاولات الترقيع المؤقتة.

إنّ كلام الرئيس حول سلاح المقاومة وضرورة الحفاظ عليه كعامل قوة على الجبهة اللبنانية المواجهة للعدو الصهيوني، بعدما أثبت فعاليته في حرب تموز 2006، وأثبت أهميته في المعركة الاستباقية ضدّ المجموعات الإرهابية. إنما جاء ليس على قاعدة تدوير الزوايا، بقدر ما هو كلام يسترشد المنطق العلمي والاستراتيجي. فالتخلّي عن القوة أمام العدو لا يقع إلا في إطار الانهزام والاستسلام لهذا العدو. وهو الأمر الذي لا يقبل به قائد قادم من صفوف الجيش الممتلئ بالعزة والمجد والكرامة والعنفوان. وهو يؤكد وبما لا يقبل الشك الرؤية الاستراتيجية القائلة بتلازم الأهداف بين العدو «الإسرائيلي» والعدو الإرهابي، إن كانت هذه الأهداف على المستوى العسكري والمساندة المتبادلة بينهما، أو على المستوى الاجتماعي، وكلاهما يعملان على تقويض البنى الاجتماعية وتفتيتها لصالح العدو الخارجي، ولصالح الناهب الدولي على حدّ سواء.

كما أنّ كلام رئيس الجمهورية في ما يتعلّق بإصراره على إنتاج قانون انتخابي جديد، لا يقع فقط في سياق الاستجابة لخطاب القَسَم، إنما يتعدّى ذلك إلى تصوّر واضح يتعلّق بقناعة عدم إلغاء أيّ طرف من الأطراف في لبنان. إنّ إعطاء كلّ ذي حق حقه لا يمكن أن يتمّ إلا بقانون نسبي خارج القيد الطائفي، على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة. هذا القانون القادر على إلغاء المحادل والاستقطاب المذهبي والإقطاعي والعشائري ويفسح بالمجال لتجديد النخب السياسية على قاعدة المشاريع التنموية الشاملة، من دون أن تخضع للمحسوبيات ولمعقّبي المعاملات والوراثة.

ربما هاتان النقطتان بالإضافة إلى ملف مكافحة الفساد المالي والإداري في الإدارات الرسمية ومكافحة المحاصصة وتقاسم المغانم وموارد الدولة من الكهرباء إلى النفايات إلى الماء.. هذه الأمور مجتمعة على قاعدة الإرادة على التنفيذ بفسح المجال بالذهاب بعيداً نحو المواطنية الحقة، بحيث يشعر كلّ فرد بحقوقه وواجباته تمهيداً للوصول إلى دولة القانون التي نطمح إلى إرسائها.

إنّ هذه الأمور إذا استكملت مع ما نسعى إلى تحقيقه، خاصة في ما يتعلق بقانون واحد موحّد وجديد للأحوال الشخصية، بعيداً عن الإرث العثماني، بالإضافة إلى قانون أحزاب عصري يشكّل رافعة لحياة سياسية قائمة على التنافس الشريف لصالح الدولة. إنما يضعنا أمام مرحلة جديدة، وفرصة جديدة لإنقاذ ما تبقى من الدولة، بعدما سادت نظرية الدولة المزرعة والبقرة الحلوب إلى الدولة العصرية الديمقراطية القائمة على العدل والمساواة بين مواطنيها.

إنّها الفرصة الأخيرة علّكم تتّعظون.

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى