تصعيد المستقبل «تشويش» على زيارة عون العربية
روزانا رمّال
استغربت مصادر سياسية متابعة لـ»البناء» تصعيد تيار المستقبل إعلامياً وسياسياً في اليومين الماضيين، رداً على كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشية زيارته الى مصر لوسائل إعلام مصرية – قناة سي بي سي وصحيفة الأهرام – وتأييده سلاح حزب الله، واضعة إياها ضمن محاولة «تشويش» المستقبل على الجولة العربية – مصر والأردن – التي يقوم بها عون ويبدأها بأكبر دولة عربية ذات تمثيل سني وازن في المنطقة وهي مصر، وذلك من أجل الإيحاء انّ الكلام الذي صرّح به في المقابلة لا ينبع من توافق داخلي وانه لا يوجد «تطبيع» مع سلاح المقاومة أو «إجماع» محلي عليه تناغماً مع الأكثرية التي صوّتت لعون رئيساً، تماماً كما هو حال الشارع العربي المنقسم تجاه الحزب ودوره خارج لبنان. من هنا فإن التصويب نحو هذا الكلام هو ضرورة ورسالة سعودية لمصر قبل كل شيء لعدم الذهاب بعيداً في التأسيس لعلاقة مع لبنان صلبها «تعويم» حزب الله، فجاء التصعيد، حسب المصادر، كي لا يُعتبر كلام عون محطّ مباركة وإجماع محليين أو يظهر على انه إعلان اصطفاف لبناني رسمي جديد.
وتضيف المصادر «التصعيد هذا يأخذ إلى أسئلة بديهية حول خيارات تيار المستقبل، فما هو الجديد اليوم كي يستدعى هذا الاستنفار، طالما أنّ تيار المستقبل رشح عون ودعم وصوله لرئاسة الجمهورية، رغم تمسكه بهذه المواقف الا إذا كان رهان المستقبل على تبدّل مواقف عون لحظة وصوله للرئاسة وسقط الرهان»، تختم المصادر لـ»البناء».
يبدو التصعيد المستقبلي منسجماً مع جولة عون الخارجية بشكل واضح، فهو جاء بمثابة ردّ على تكرار مواقف الرئيس المعهودة بما يتعلّق برؤيته لسلاح المقاومة وتعلّق القضية بمسألة قدرات الجيش اللبناني والخطر الداهم من التكفير، لأن أياً من المؤشرات السعودية او الإيحاءات الخارجية لم تظهر علناً لا عبر الاستياء من مواقف عون ولا التحرك ضدها إضافة إلى توالي زيارات مسؤولين سعوديين لبيروت آخرهم الوزير تامر السبهان الذي أقام أياماً عدة، مجدداً إرسال رسائل دعم بلاده للعهد والاستقرار في لبنان، من دون الإيحاء بنيات تعميم التصعيد في أجندة حلفاء السعودية المحليين مستقبلاً أي تيار المستقبل.
تخشى الرياض من اعتبار مواقف عون رسالة استسلام لحلف إيران أيضاً، وفق حساباتها، فعدم الردّ على هذه المواقف ليس إلا مؤشر ليونة تظهرها السعودية عبر حلفائها المحليين. وهو الأمر الذي لا ترغب فيه المملكة حتى الساعة في لحظة انفجار كبيرة تعيشها مع محور إيران وحلفائه في حربها الأساسية بالنسبة إليها، في اليمن مع توالي أخبار تطوّر المعركة واستخدام فريق «أنصار الله» المدعوم من طهران خيارات جديدة كاشفاً عن قدرات قتالية وأسلحة أقوى.
وعلى هذا الأساس غالباً ما يحمل الرؤساء في رحلاتهم الخارجية مواقف الرأي العام في بلادهم، مما يعطيهم زخماً أكبر في مناقشة القضايا الأساسية. وهو الأمر الذي تسعى السعودية الى تعطيله في جولة عون العربية، بحيث لا يُفرد الرئيس مساحة وافرة من الارتياح في مناقشة ملف دقيق مثل ملف حزب الله مثلاً والسلاح المحلي، وهو ما ليس وارداً عند الرئيس عون الذي بدا في أكثر من محطة غير مبالٍ لآراء ومواقف تأخذه نحو غير قناعاته، ولو جاءت عبر المملكة العربية السعودية وما تمثل من حيثية عربية أساسية ولاعب مؤثر في الساحة المحلية السياسية.
في الأحوال كلها لا تبدو المرحلة المقبلة حاملة للكثير من التوافقات بالقدر الذي تبدو عليه حتى اللحظة، فقانون الانتخاب الذي لم يبصر النور بعد، سيأخذ مع تقدم الوقت نحو منحى متشنج يطلب استنفار القاعدة الشعبية للتيار التي تعيش اليوم محطة استذكار المؤسس الشهيد رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق، حيث اعتاد تيار المستقبل وماكينته الاعلامية التركيز على سلاح حزب الله وحركته السياسية إضافة الى سورية وما تعنيها تلك المرحلة في محاولة لاستنهاض وانعاش الذاكرة في مرحلة كان الاتهام السياسي حاضراً بقوته فيها. وهو الامر الذي لا تزال تعول عليه قوى اخرى انشقت عن المستقبل مثل الوزير السابق اشرف ريفي الذي يبدو انه يلتقي اليوم مجدداً مع تياره «الأم» في التصعيد بوجه حزب الله بعدما كان قد اتهمه بالمشاركة في تمرير صفقة الرئاسة والتوافق مع حزب الله والجلوس على الطاولة نفسها التي تضمّ مَن يحمي مصالح ايران في لبنان.
التوافق الحاصل في البلاد والذي تحدّث عنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله واضعاً اياه في خانة الاستقرار السياسي لا تهدد تركيبته الواقعة اليوم تصريحات وتصريحات متبادلة محلية، بل إنه توافق مبني على موافقة إقليمية سعودية إيرانية سهلت ضمنياً التوصل لصفقة رئاسية اوصلت عون الى بعبدا والحريري للسراي الحكومي، ولا يمكن العودة الى الوراء من هذه الناحية. لكن هذا لا يعني أن الخلاف الأكبر والأوسع بين السعودية وايران خارج لبنان ليس موجوداً او معنياً بكل ما يتعلق بتجاذبات سياسية إقليمياً، ومصير الازمات فيها، ومن ضمنها سلاح حزب الله ومسألة التوافق الداخلي عليه حتى تحين لحظة طرح جدي لاستراتيجية دفاعية او لاتفاق ضمني على تحييد مسألة السلاح الخلافية عن التجاذبات، وهي لحظة تنتظر تحولاً إقليمياً «مفصلياً».