عون يدعو السيسي لمبادرة إنقاذ عربية: للتضامن الكامل في مواجهة الإرهاب
أكد رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي أن لبنان الحر، القوي، المستقر يُعدّ عامل قوة للأمة، آملاً أن تعزز ولاية الرئيس العماد ميشال عون وضع لبنان كبلد للتعددية السياسية والتنوع الثقافي الذي تحكمه أسس المشاركة والتوافق بين القوى السياسية المختلفة، وتحفظه بعيداً عن أي محاولات لجره والمنطقة إلى ساحة للصراعات المذهبية أو الدينية الغريبة عن منطقتنا، التي تحاول أن تسلب من منطقة المشرق خصوصيتها كساحة تعايش وتلاقٍ بين الأديان والمذاهب.
وإذ لفت إلى أن مصر كانت من أولى الدول التي رحّبت بقدرة اللبنانيين على التوصل الى تسوية سياسية صنعت في لبنان بعيداً عن تدخل القوى الخارجية، فإنه أكد أن مصر ستواصل تقديم كل الدعم للبنان على الأصعدة كافة، وهي على استعداد لدعم قدرات الجيش اللبناني ومختلف أجهزته الأمنية للوقوف ضد مخاطر الإرهاب.
مواقف الرئيس السيسي جاءت خلال لقاء القمة المصرية – اللبنانية الذي عقد بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قبل ظهر أمس في قصر الاتحادية في القاهرة، عقب محادثاتهما الثنائية في قصر الاتحادية.
جدّد الرئيس السيسي الترحيب بالرئيس عون ضيفاً عزيزاً على مصر مجدّداً التهنئة بانتخابه رئيساً للجمهورية، وقال: إنّ لبنان يحتاج الى خبرتك وزعامتك وقيادتك الحكيمة . وأعرب السيسي عن حرص مصر على استقرار لبنان وتقدّمه وسلامة أراضيه، وقال إن لبنان الآمن ضرورة للمنطقة ولسائر الدول العربية. وأعرب عن استعداد مصر لتعزيز التعاون وتطويره في المجالات كلها، مؤكداً حرصه على رفع مستوى التنسيق بين البلدين، لأن التنسيق في هذه المرحلة مهم جداً لاسيما في المجالين الأمني والاقتصادي .
وقال لقد تباحثنا حول سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية، واتفقنا على أهمية تعزيز التعاون الثلاثي في أفريقيا بغرض الترويج لصناعات ومنتجات البلدين في القارة الأفريقية. وفي هذا المجال، شدّد السيسي على ضرورة انعقاد اللجنة المشتركة العليا اللبنانية المصرية في القاهرة قريباً خلال شهر آذار ، كما أكد على أهمية التبادل التجاري بين البلدين وزيادة الاستثمارات، شاكراً للبنان رعايته للجالية المصرية العاملة فيه.
ولفت إلى أن النقاش تناول الاستعدادات الجارية للقمة العربية المقبلة، التي ستستضيفها المملكة الأردنية والتي نعمل جميعاً على إنجاحها في مواجهة التحديات العصيبة التي تواجه الأمة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها .
وشدّد الرئيس عون من جهته، على أن الآمال المعقودة على الدور الذي يمكن لمصر القيام به بقيادة الرئيس السيسي، كبيرة، داعياً مصر الاعتدال والانفتاح، مصر السند والعضد ، الى إطلاق مبادرة إنقاذ عربية تقوم على وضع استراتيجية مشتركة لمحاربة الإرهاب الذي يضرب في أرضنا ويستبيح أهلنا، والعمل على إيجاد الحلول السياسية للأزمات الملحّة في العالم العربي، وبالأخص في سورية التي تستعر فيها النار منذ سنوات، وقد طالتنا شظاياها، وألقت نتائجها حملاً كبيراً على كاهلنا، تجلّى بزيادة ما يقارب الخمسين بالمئة من عدد سكاننا. فالعنف وما يستتبعه لا يمكن أن يُرسي سلاماً ولا يبني مستقبلاً، بل يباعد الحلول المطلوبة، ويفاقم الانقسامات، ويضاعف التشرذم، ويزيد من مخاطر الفوضى الشاملة .
وقال لقد توقّفنا طويلاً عند ظاهرة الإرهاب التي عانى منها لبنان ومصر الكثير، ودفعا من أبناء شعبيهما الدماء الزكية، فأكدنا أن الأديان السماوية وما تحمله من تعاليم سامية، هي براء من أشكال التعصّب والتطرّف والجنوح الى الإرهاب كافة. وأن لا خلاص لبلدينا، اللذين يفتخران بتنوّعهما الديني، ولعالمنا العربي من هذا الإجرام الإرهابي إلا بالتضامن الكامل في مواجهته، لأن الإرهاب لا يميّز بين دول وشعوب وأديان، بل يتبع عقيدة القتل والتدمير، وهي عقيدة منافية لمنطق الحياة، ولثروة الحضارة الإنسانية.
وإذ أكد ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد ومبادرة السلام العربية، بما يضمن استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وتطبيق حق العودة، ورفض التوطين، فإنه اعتبر أن «لا خلاص لبلدينا، اللذين يفتخران بتنوّعهما الديني، ولعالمنا العربي من هذا الإجرام الإرهابي إلا بالتضامن الكامل في مواجهته، لأن الإرهاب لا يميّز بين دول وشعوب وأديان، بل يتبع عقيدة القتل والتدمير، وهي عقيدة منافية لمنطق الحياة، ولثروة الحضارة الإنسانية».
ووجّه عون دعوة للرئيس السيسي لزيارة لبنان، فوعد بتلبيتها في أقرب وقت. وقال لم آتِ إلى مصر لإرساء علاقات بين بلدينا أو لتحسينها، إنما للتأكيد على علاقات تاريخية منذ النهضة العربية حتى اليوم، لم تعترِها شائبة رغم التغيرات والتحولات كلها. فكان هذا اللقاء مناسبة طيبة، للبحث في كيفية تطويرها وتعزيزها وتأمين استمرارها على الأصعدة جميعها وفي مختلف القطاعات والمجالات، بما يخدم مصالحنا المشتركة وتطلّعات شعبينا. وأكّدنا في هذا الإطار ضرورة توطيد أنشطة اللجنة العليا اللبنانية – المصرية المشتركة، ومتابعة أعمالها، وتفعيل اجتماعاتها بشكل دوري للوصول الى النتائج المرجوة. وشدّد الرئيس عون على عمق العلاقات اللبنانية – المصرية الضاربة في الجذور بين البلدين والشعبين.
ثم ردّ الرئيس السيسي شاكراً للرئيس عون دعوته لزيارة لبنان واعداً بتلبيتها في أقرب فرصة ممكنة.
وبعد المؤتمر الصحافي المشترك أقام الرئيس المصري مأدبة غداء على شرف الرئيس عون والوفد المرافق حضرها كبار المسؤولين المصريين وتمّ خلالها استكمال المباحثات. وقد رافقت مأدبة الغداء معزوفات موسيقية لبنانية وشرقية ومقطوعات رحبانية وأغانٍ فيروزية منوّعة.
وكانت عقدت محادثات موسعة حضرها الى عون والسيسي عن الجانب اللبناني وزراء: الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، المالية علي حسن خليل، الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، الاقتصاد والتجارة رائد خوري إضافة الى مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم والقائم بأعمال سفارة لبنان في مصر انطوان عزام.
وحضر عن الجانب المصري: رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف اسماعيل، رئيس ديوان رئيس الجمهورية مصطفى شريف، وزير الخارجية سامح شكري، وزير الداخلية مجدي محمد عبد الغفار، وزير التجارة والصناعة طارق قابيل، رئيس المخابرات العامة خالد فوزي، مدير مكتب رئيس الجمهورية عباس كامل، السفير المصري في لبنان نزيه النجاري، والمتحدّث الرسمي لرئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف. وخلال اللقاء تحدّث أعضاء الوفدين اللبناني والمصري فعرضا للقضايا المشتركة، كما تطرّق البحث الى النزوح السوري وانعكاساته على الوضعين الاقتصادي والأمني في لبنان وضرورة تنسيق المواقف اللبنانية – المصرية في مجال مكافحة الإرهاب ودعم الحل السياسي السلمي للأزمة السورية. وتم تبادل الأفكار والمشاريع المشتركة بين الجانبين بإشراف الرئيسين اللذين كانا يعطيان توجيهاتهما. كما تحدث اللواء ابراهيم عن التعاون الأمني بين لبنان ومصر.
وجرى خلال المحادثات تقييم ما وصلت اليه المساعي للوصول للحل السلمي في سورية، كما عرض الرئيسان للأوضاع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية في ضوء الممارسات الإسرائيلية المستمرة.
وأوعز الرئيسان عون والسيسي للوزراء المشاركين في الاجتماع الموسّع التحضير لاجتماعات اللجنة العليا لتكون قراراتها عملية، لاسيما في ما خصّ التعاون في القطاعات الإنتاجية والتجارية والزراعية وتوقيع الاتفاقات الجاهزة بين البلدين. كما تطرّق البحث الى التعاون في المجالين الأمني الاستخباري وتدريب الضباط اللبنانيين في المعاهد العسكرية المصرية، وقد اعطى الرئيس السيسي توجيهاته لاستقبال أعداد اضافية من الضباط اللبنانيين في هذه المعاهد للمشاركة في دورات تدريبية.
وتناول البحث أيضاً الإجراءات في المجال الزراعي والعمالة المصرية في لبنان وسبل التعاون وتبادل الخبرات في مجال تنمية البنى التحتية.
كذلك زار عون الكنيسة القبطية، والتقى بابا الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني. ثم الأزهر الشريف واجتمع مع الشيخ أحمد الطيب، بحضور أعضاء الوفد الرسمي المرافق. وأجرى مع كل منهما محادثات حول الأوضاع في المنطقة.
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اننا في لبنان توصلنا الى تفاهم حول وطننا ونحن سنحافظ على امنه واستقراره كما اننا سنحافظ على كامل فئات شعبه، وسنبنيه معا .
ورأى رئيس الجمهورية في خلال حفل الاستقبال الذي أقامه على شرفه للجالية اللبنانية القائم بأعمال سفارة لبنان في مصر والمندوب الدائم المناوب لدى جامعة الدول العربية المستشار انطوان عزام، أن لبنان سيكون النموذج، «واكرّر وأنا على ثقة، بأن العالم سيعود الى تعدّديته وسيكون فخرنا بنفسنا متواضعاً، وسنرى العالم يتحوّل، وسنظلّ متواضعين نخدم رسالة المحبة التي تعلمناها منذ الصغر ونعيشها اليوم.
وأثناء عبور الطائرة الرئاسية الأجواء القبرصية وجّه عون برقية الى نظيره القبرصي نيكوس اناستاسيادس تمنّى له فيها الهناء للشعب القبرصي الصديق والصحة لشخصه. فردّ الرئيس القبرصي ببرقية مماثلة شكر فيها للرئيس عون تمنيّاته ووجّه له التحية، ومن خلاله، الى الشعب اللبناني.
ويزور الرئيس عون والوفد الرسمي اليوم المملكة الأردنية الهاشمية تلبية لدعوة من الملك عبدالله الثاني بن الحسين، على أن ينضم الى الوفد في عمّان القائم بأعمال السفارة اللبنانية في الأردن علي المولى.
وكانت الطائرة الرئاسية قد حطت في مطار القاهرة الدولي، عند الساعة العاشرة والنصف صباحاً، حيث كان في استقبال رئيس الجمهورية رئيس بعثة الشرف المصرية وزير التجارة والصناعة طارق قابيل وأمين رئاسة الجمهورية كريم الديواني ومدير التشريفات في القاعة الرئاسية، اضافة الى القائم بأعمال السفارة اللبنانية في القاهرة انطوان عزام، قنصل لبنان العام في الاسكندرية اسامة خشاب، قنصل لبنان في القاهرة كمال ابي راشد، مطران الموارنة في مصر والسودان جورج شيحان ومدير مكتب طيران الشرق الاوسط في القاهرة محمد الشرقاوي.
وبعد مراسم الاستقبال، حيث توجّه الرئيس عون والوزير قابيل بين ثلة من حرس الشرف الى صالون الشرف في المطار، انتقل رئيس الجمهورية والوفد المرافق الى قصر الاتحادية حيث أجرى محادثات ثنائية مع الرئيس المصري تلتها محادثات موسعة بين الجانبين اللبناني والمصري.
وازدانت الطرق الرئيسية للعاصمة المصرية بالأعلام اللبنانية والمصرية تحية للرئيس الضيف.
كما أبرزت مختلف وسائل الإعلام المصرية، ولا سيما الصحف الصادرة الأهمية التي تكتسبها زيارة الرئيس عون والوفد المرافق لمصر نظراً لطبيعة العلاقات اللبنانية المصرية المميزة على مختلف المستويات . ورأت أنها تأتي في إطار تعزيز العلاقات العربية وفتح صفحات جديدة في العلاقات التاريخية مع الدول الصديقة .