«تجري الرياح كما تجري سفينتنا»
د. رأفات أحمد
احترقت ورقة التركي بعد أن أدّت دورها… وماذا كان دورها؟ انضمام أميركا لاجتماعات أستانة حافظةً ماء الوجه كشريكٍ قادرٍ على لجم التركي، وليس كمهزوم أو على الأقلّ ليس كمُنكفِئ في حرب كونيّة كان عرّابها الأول.
أميركا اصطنعت ملفّ «التركي في أستانة»، وطلبت منه المشاركة موهمةً إيّاه أنّه عين أميركا المراقبة هناك وعصاها السحرية لإحداث التحوّلات، وأنّه سيتسنّى لها فيما لو شاركت في أستانة محاربة الجيش السوري ودخول الباب في وقتٍ ما، وتحت غطاء إعلاميّ هو محاربة ««داعش»»!
شاركت تركيا في أستانة على اعتبار أنّ لديها تأثيراً وسيطرة على فصيل مسلّح على الأرض قوامه ثلاثون ألفاً على أقلّ تقدير، وكانت مطالبة بإثبات حسن النوايا ولكن هيهات..
واهمٌ من يعتقد أنّ تركيا يمكن أن تحارب ««داعش»».. غارقٌ بالضياع من يعتقد أنّ التركي قد غيّر الاصطفاف يوماً، فإذا ما غضّينا الطرف عن مقولة «عدو جدّك ما بودّك»، فإنّ التركي هو من درّب عناصر ««داعش»» وموّلها ورعاها عدّة وعتاداً، وهو من قدّم لها الأرض والحاضنة الشعبية لانطلاقها بعد أن اختلقتها «سي أي آي». فهل يقتل الأب بنيه؟؟ كان لتركيا دور واحد مرسومٌ ومحدّد في أستانة من وجهة نظرها اعتقدت أنّها ستُفشل الاجتماعات بتأثيرها على وفد الجماعات المسلّحة، واعتقدت أنّها وتحت غطاء أستانة ستحارب السوري وتدخل الباب، على غرار ما فعلته فرنسا وألمانيا عام 2016 حين تذرّعتا إعلامياً بضرورة انخراطهما في حرب ضروس ضدّ «داعش»، أيّ ضدّ الإرهاب في سورية، فقصفتا حينها محطّتين حراريّتين في حلب في محاولة منهما لضرب البُنى التحتيّة للدولة السورية، وهذا بالضبط ما شاهدناه حين حاولت تركيا الاصطدام مع الجيش السوري في الباب، فأتاها الردّ الروسي الواضح. ولكن في الواقع، ومن وجهة نظر الأميركي، فإنّ التركي ليس إلّا ورقة ضغط أو ملف تفاوض خلقه ليفاوض الروسي، فالتقط هذا الأخير الإشارة وبشكل مباشر، وها هو يستهدف بضرباته الجيش التركي موقعاً ضحايا منه، محذّراً إيّاه بعدم اللعب بالنار من جهة، ويدعو أميركا إلى أستانة من جهةٍ أخرى. أميركا ستلبّي الدعوة، فهذا بالضبط ما أرادته حفاظاً على ماء وجهها… فتدخل أستانة باعتبارها لاعباً قوياً قادراً على لجم التركي، وليس باعتبارها خاسراً كبيراً في اللعبة الدولية والإقليمية!
انتهى الدور التركي مرحليّاً… والآن دور الأردني، فالأردن ملف آخر جديد… ستحرقه أميركا.
يعلم الأميركي أنّ اللعبة انتهت، لكنّه يستثمر في الوقت المستقطع قبل إعلان الاتفاقات النهائيّة بعد لقائه القيصر في أيار.
يستثمر الأميركي بغباء السعودي، ويستنزفه ماديّاً في اليمن من خلال صفقات الأسلحة المُباعة إليه، ومن خلال الوظيفة التي يؤدّيها بإنهاكه للجيش اليمني.
يستثمر الأميركي، أيضاً، بسذاجة التركي في الورقة الكرديّة، فهو حين يريد لتركيا أن تنطلق فإنّها تفعل وتنفّذ أملاً بدور محوري في المنطقة، وحين يريد لجمها يلوّح بالورقة الكردية.
يستثمر الأميركي بالأردني الذي ستشتعل جبهته في حال استيقظت الخلايا الـ»داعشيّة» التي أصبح غارقاً بها، ليقول للروسي لنا دور في المنطقة في لجم الأردني إذا ما أخلّ قواعد اللعبة.
في ظلّ هذه الظروف المعقّدة… مؤتمر أستانة لن يكون امتداداً لـ«جنيف»، و«جنيف 4» ليس امتداداً لـ«أستانة 1». وحريّ بنا وطبقاّ لمجريات الواقع، أن نسمّي «جنيف4» بـ«أستانة 2» لأنّ «جنيف4» لن يكون بأيّ شكلٍ من الأشكال امتداداً لـ«جنيف3»، إنّما سيكون لمناقشة ما تمّ الاتفاق عليه في «أستانة 1» سيادة الدولة السوريّة واستقلالها، ومحاربة الإرهاب وفصل «النصرة» عن باقي الجماعات المسلّحة إلخ…
إذن، القوات التركية لن تدخل الباب بضمانة أميركيّة للروس، وكيف لا، وهي الشريك الآن في «أستانة2»؟! والتي إحدى أُسُسها التي انطلقت منها اجتماعاتها هي الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية!
القوات الكرديّة لن تدخل الباب بضمانة أميركيّة للأتراك.. كيف لا، والأكراد هم الرّعب الأول وليس الأخير لأردوغان؟!
القوات السورية في الباب خلال شهرين أو أقلّ بضمانة الجيش السوري، ولسان حاله القائل:
تجري الرياح كما تجري سفينتنا… نحن الرياحُ ونحن البحر والسفن!