نصرالله يقطع طريق الحرب الأميركية على إيران
روزانا رمّال
بعد دخول حزب الله الأزمة السورية من بابها العريض والمشاركة الميدانية القتالية فيها وتحقيقه مكاسب أمنية جديّة، وبعد دخول إيران الحرب بثقل عسكري واستخباري ولوجستي جنباً الى جنب مع الجيش السوري، لم يعد ممكناً فصل خطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله عن مركزية حضوره في هذا الحلف الذي أعلن منذ اقتسام ملف قتال «الإرهاب» في ما بينه بكل الاراضي السورية ان الخطر القومي وتهديد الأمن الحيوي للمحور هو «واحد».
المقاربة الإيرانية والسورية إضافة لحزب الله في مسألة مواجهة الانتكاسات أو تقاسم الأرباح في المنطقة أصبحا وجهة متكاملة ومؤسسة لهيكل المقاومة التي يعتبرها الحلف ضرورة في ديمومة رسالته وحضوره، ففي وقت تتمسك إيران بشعار الراعي للمقاومة والمستضعفين وكل أحرار العالم أمام الطغيان المتجسّد بمنظارها أميركياً و«إسرائيلياً»، باتت مسألة الدعم المباشر مترجمة واقعاً بحضور القوى القادرة على تبيان جدوى الحلف ومغزاه.
تقود إيران في اليمن حرباً غير مباشرة مع السعودية ومن ورائها «إسرائيل»، وقد أكد امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بذكرى مهرجان القادة الشهداء بأنها حرب «إسرائيلية». ضمن هذا المنطلق، يُشرّع حزب الله مسألة دعمه القتال في اليمن وهو ليس قتالاً ضد مجموعات إرهابية مثل داعش أو النصرة ولا يشبه على الإطلاق مسألة قرب الحدود مع لبنان على غرار مدينة القصير السورية وضرورة استباق الحرب قبل أن تصل لبنان، بل إنها ترجمة لواجب ودور تفرضه «إسرائيل» أينما وجِدت أو وجدت خيوط مشاريعها فتخلق «المشروعية».
هذا الحديث يؤكد ان حزب الله لا ينتظر إذناً ولا تمنعه «حدود» عن المشاركة في القتال داخل فلسطين المحتلة على غرار مشاركته في الحرب السورية بثقل، وفي الحرب العراقية واليمنية على شكل خبراء ومتدرّبين، كما أكد نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لـ«البناء» في وقت سابق.
الأكيد أن حزب الله لن يتأخّر لحظة في المشاركة في أي دور قتالي داخل فلسطين المحتلة، وأنه كان ممكناً أن يتقدم المشهد لو كانت الأمور أسهل ومفتوحة لوجستياً، ولو كان هذا الأمر حاجة لا يستطيع الفلسطينيون تحقيقها. وهنا باب آخر يستدعي استذكار دعم إيران وحزب الله للحركات المقاومة على اختلافها داخل الأراضي المحتلة وخارجها.
«التدخل» «واجب»، حيث أمكن، بالنسبة لحزب الله الذي يشكل عصب هذا المحور، لكن الأهم قدرته على أداء أدوار استثنائية تحت عنوان صفته كحركة مقاومة لا تفتحها أو تشرّعها الصفة الرسمية للدول. لهذا السبب هو يشارك في حروب في اليمن والعراق وسورية من دون أن يشكل هذا توريطاً مباشراً للبنان أو حتى لتلك الحكومات أو الجهات التي شرعت مشاركته كـ»خيار خاص».
يرفع حزب الله مسألة قتال «إسرائيل» أينما وجدت عكس ما يُشاع أو يُطلب منه حصر المهمة في الأراضي اللبنانية، وهو أمر منافٍ للواجب والمقدّسات العقائدية ولروحية الصراع مع «إسرائيل» بالنسبة له.
خطاب نصرالله في ذكرى قادة حزب الله الشهداء جاء فيه ما يقلق «إسرائيل» لدرجة «مهولة» بالشقّ المتعلق في دعوته أو نصيحته للحكومة «الإسرائيلية» بأنه لا يجب عليها فقط إخلاء خزان الأمونيا في حيفا، بل عليها تفكيك مفاعل ديمونا النووي، والسلاح النووي «الإسرائيلي» الذي يشكّل تهديداً لكل المنطقة فيتحوّل عبر معادلة حزب الله هذه تهديداً لـ«إسرائيل» وشدّد عليها بأن المقاومة تفي بما تَعِد.
لكن هذا التهديد ليس تهديداً محصوراً بحسابات الحزب مع «إسرائيل» محلياً ولم يعد يتوقف عند كلمة خارجة عن منظومة أو محور بأكمله. فكلمة نصرالله التي تأتي بمقدمة هذا المحور في حربه مع «إسرائيل» وتوحيد جبهات القتال لكل المحور منذ الحرب السورية في المنطقة كلها هي إشارة شديدة الوضوح الى استحالة اعتبار مسألة الحرب الأميركية على إيران وما تطلقه الإدارة الأميركية من تصعيد كلامي «فُهم» على أنه نيات لحرب على طهران أمراً ممكناً أو بالاستطاعة فصله عن حيثية المحور ونظرته لمسألة الحروب الأميركية «الإسرائيلية». بالتالي حيث تكون «إسرائيل» سيكون هناك حزب الله أو مَن يستدعيه ضمن «الحلف». وهو الأمر نفسه الذي تعتمده واشنطن أو تل أبيب وحلفاؤهما في أي حرب على إيران بما يعنيه استخدام قواعد أميركية في الخليج لضرب إيران أو في تركيا. وهذا كله يبيح استخدام الحلفاء القدرات العسكرية الموحّدة كافة في حروبهم وهو ما تشرّعه العلوم العسكرية والسياسية ضمن ماهية الأحلاف وأدوارها تاريخياً.
وبعد رفع مرتبة تهديد حزب الله لمصاف الدرجة الأولى وفق التقارير الأمنية «الإسرائيلية»، وهو ما أعلنه نصرالله ليليه إيران ثم المقاومة الفلسطينية، فإن تحليل كلمة نصرالله في أجهزة الاستخبارات الأميركية و«الإسرائيلية» معاً سيأخذ بعين الاعتبار تعقيداً دقيقاً، وهو ما أخذه نصرالله على عاتقه بإعلانه استعداده لسحق قدرات «إسرائيل» النووية وغيرها بالكامل. وهو الأمر الذي «تخطّى» عملياً إشكالية ملف إيران «النووي» الذي أصبح يشكّل في هذه الحالة تلويحاً كلامياً وإعلامياً. فلم يصدر أي تهديد عن إيران باستخدام سلاح نووي ضد «إسرائيل» مثل ما ألمح أمين عام حزب الله وتناوله الخطر النووي على «إسرائيل» بشكل معاكس من جهة لبنان.
نصرالله يقطع الطريق على حرب أميركية «إسرائيلية» على إيران ويُبعد توقيت الحرب «الإسرائيلية» عن لبنان.