طوني خليفة «العين بالعين»… صولد وأعلى
اعتدال صادق شومان
في خضمّ حالة الفوضى وأجواء الهرج والمرج التي تسود الساحة الإعلامية والرأي العام على حدّ سواء، يرمي البعض تحميل مسؤولية تداعياتها على الإعلام بالدرجة الأولى قبل الرأي العام، وعلى الاخص شاشات التلفزة والبرامج الحوارية أو ما يعرف بـ«التوك شو» تحديداً. لدورها البالغ في التأثير على توجّهات الأفراد والمجتمعات سواء في البرامج السياسية او الاجتماعية وحتى الترفيهية منها.
من هنا يستمدّ «الإعلام» مكانته بما يحدثه من سطوة ونفوذ على العموم من الناس، يضعه تحت المجهر في أيّ أداء، وتسجّل عليه مطلق خطوة غير مدروسة قد تؤدّي إلى عواقب شائنة ومتوقعة، خصوصاً أن القنوات التلفزيونية في لبنان بما هو معروف تتقاسمها الطوائف والمذاهب والمرجعيات السياسية وأصحاب النفوذ المالي والتجاري. والتي بات بعضها يساهم في انتهاك أصول ومواثيق الشرف وقواعد السلوك المهنية بعيداً عن نبض الشارع لتحصد النتائج العكسية، في انتهاج المحظور لكلا الخصمين… الإعلام والرأي العام، من حيث الحدّية في القول، والغلوّ، والاستفزاز، وانتهاج أسلوب «رفع السقف» لفرض وجهات النظر في مجملها «تكتيكات» اللعبة، لا تؤدي سوى إلى خلق حالة بلبلة في أوساط الشارع المنقسم أصلاً طائفياً ومناطقياً وهذا جليّ لا يخبو على الإعلام «الذكي».
وما شهدناه بالأمس القريب على أبواب تلفزيون «الجديد» من حالة كادت أن تطيح بالسلم الأهلي، ليس الا نموذجاً حيّاً وشاهداً على وقاع الحال. ما يستدعي وقفة تقييم لمضمون برامج «التوك شو». وهل هو حقاً إعلام بريء متجرّد للرأي العام؟ أما ان الرأي العام «بغل كبير» على رأي سعيد تقيّ الدين، فهو متعدد النسق والاهواء السياسية.
في كلا الحالتين ليس هذا محور قولنا اليوم، ولكن الشيء بالشيء يذكر. ساقنا اليه الإعلامي طوني خليفة في إطلالته الأخيرة على «تلفزيون الجديد» في برنامجه الاسبوعي «العين بالعين» في حلقة عنوانها «الارادة»، استعرض فيها مهارات فنية خارقة لأشخاص من ذوي الحاجات الخاصة، في الرسم والعزف والرياضة وفنون أخرى، ليعيد طوني خليفة في حلقته هذه العمل الإعلامي إلى أهدافه في إبراز قضايا تهمّ المواطن وتمسّ جوانب حياته الاجتماعية، بإلقائه الضوء على حالة فئة من المواطنين لهم خصائصهم واحتياجاتهم وحقوقهم وواجباتهم، فاتحاً لهم الهواء على وسعه، تأكيداً على دور الإعلام في قدرته على تغيير سلوك وأنماط المجتمع ونظرته إلى المختلف مع حرص واضح أبداه طوني في تقديمه لضيوفه، بأسلوب لائق وصورة لا تسيء إليهم، بل تعترف بهم وتقدّر إمكانياتهم الكامنة بأسماء كبار، منهم تحدوا المصير المحتوم فأبدعوا ونبغوا فشهدت لهم الحضارة كما التاريخ.
نجح طوني خليفة في حلقة «الارادة»، وبعيداً عن أيّ ترف إعلاميّ، حيث شاءها رسالة ومسؤولية حضارية تمليها أصول قواعد العمل الإعلامي وأهدافه. بما هو واجب مهنيّ لخدمة المجتمع على اختلاف أفراده، في إيصال المغزى الإنساني تجاه بعض أبنائنا بعيداً عن فكرة الإقصاء والتهميش، ووجوب الخروج «بالمعوق» من دائرة التجاهل إلى حيّز الدمج والاستيعاب والتفاعل.
أداء متميّز على نسق «صولد وأعلى»، وضع طوني خليفة في منزلة «النجم الإعلامي» من طراز وطينة «أوبرا وينفري»، بانحيازه إلى القيم والمبادئ المهنية. فأعاد أعمال البرامج التلفزيونية إلى جادة الصواب، والحصافة، والرشد، واستحق الشكر لأنه جدّد ثقتنا بالشاشة الرمادية بعد اهتزاز وتكدّر أصابا الصورة والألوان، وأوشكت أن تصيبنا بـ«الرهاب» التلفزيوني.