سورية إلى الحسم

ناصر قنديل

– تحمّلت الدولة السورية الكثير من ضغوط شعبها وتململه من قسوة السير بعملية سياسية ستنتهي بمشاركة قتلة مأجورين في حكومة تدير البلد وتضع دستوراً جديداً وتشارك في الانتخابات، وتحصل على عدد من المقاعد بقوة المال والإعلام والدعم الخارجي ما يخوّلها المشاركة في حكومة وحدة وطنية ومصالحة بعد الانتخابات، وذلك حرصاً من الدولة السورية على الالتزام بمصداقية نظرتها للحرب على سورية كحرب يجب حصرها بالتشكيلات الإرهابية من جهة، ومن جهة مقابلة كحرب خارجية استعملت واجهات سورية، وعندما تنضج ظروف وقفها بيأس هذا الخارج من تحقيق أهدافه، لا يمكن التطلع لوقف الحرب بغير منح هذا الخارج، وهو في غالبه دول عظمى تتقدّمها أميركا، ما يحفظ ماء الوجه ويسهّل التراجع عبر الاختباء وراء القول أُغلقت السفارات السورية وفُرضت العقوبات على سورية لدعم معارضة محلية، وطالما تمّت المصالحة مع هذه المعارضة وتشكلت حكومة سورية موحّدة فسنتعاطى معها وبعد الانتخابات نرتضي ما يقرّره السوريون.

– كان حاضراً في التعامل الإيجابي للدولة السورية مع المبادرات السياسية أن في طليعة مَن يقودها روسيا الدولة الحليفة التي وقفت مع سورية بكل قوة وبلا تردّد وتحملت ضغوطاً شديدة ولم تتغيّر، ما يستحق من سورية مبادلة روسيا ما تمثله العملية السياسية من أهمية في صناعة دورها على المستوى العالمي. ولذلك كانت الدولة السورية في مرات كثيرة تستجيب لمساعٍ روسية لإعلان هدنة أو لبدء حوار وهي لا ترى منها جدوى، وتثق بأن الحلفاء الروس سيصلون عبر التجربة للاستنتاج ذاته. وهذا ما حدث قبل عام مع مساعي الهدنة، وما حدث بطريقة أخرى في منح الفرصة للفصائل المسلحة التي قاتلت في حلب مع جبهة النصرة ليتم تبييضها تحت الجناح التركي وتؤخذ إلى أستانة وتقوم بقطع صلتها بالنصرة والتموضع تحت مظلة الحل السياسي، والدولة السورية تنظر لهذه الفصائل كجزء من العجين ذاته الذي خبزت منه النصرة وداعش، لكنها تلبي الدعوات وتستجيب للنداءات وتترك المجال للوقائع تقول الكلمة الفصل.

– لم تنخدع سورية بالتموضع التركي وبقيت تنظر إليه بمنطق الأفعال والقانون كاحتلال أجنبي، لكنها منحت المساعي الروسية فرصتها لتعديل الأداء التركي، بما ينسجم مع مقتضيات الاعتراف بالشرعية السورية واحترام معايير القانون الدولي في العلاقات السيادية بين الدول. وكذلك فعلت سورية مع إرسال الرسائل الإيجابية نحو ما أعلنته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزمه وضع الأولوية للحرب على الإرهاب، وبناء تحالفاته وخصوماته على هذا الأساس، منتقداً ما قامت به الإدارة السابقة من إعلان الحرب على سورية وفاضحاً دورها في إطلاق تنظيم داعش وجلب مقاتلي تنظيم القاعدة إلى سورية. لكن الدولة السورية سمعت أقوالاً ولم تر أفعالاً، بل تستشعر غرقاً للإدارة الأميركية الجديدة في ملفات ومتاهات ستجعل من الصعب توقع خطوات نوعية تسهم في تغيير المشهد السوري.

– التباطؤ الأميركي والعبث التركي يتقاطعان مع خبث الفصائل، ومن حلفهم رغبة السعودية ببقاء نار الحرب مشتعلة. وتتصدّر جبهة النصرة المشهد وتظهر مجدداً كقائد للفصائل، وتنتقل تركيا لموقع المشاكسة والتخريب، خلافاً للوعود والتعهّدات، فتترنّح الهدنة في أكثر من جبهة، وتصطف الفصائل وراء النصرة ومن خلفها يعود التنسيق التركي السعودي، والإسرائيلي ليس بعيداً، والأميركي في حال التشوّش والارتباك منشغل في كيف يطمئن الحليف بنيامين نتنياهو بأنه ليس وحيداً وأن واشنطن معه في كل الإجرام والعدوان، لتبدو هذه هي الأولوية الجديدة لواشنطن.

– ما يجري في شمال شرق سورية حول مدينة الباب وجوار العاصمة دمشق في القابون وجوبر وحرستا وفي درعا، وما يصدر من مواقف لمسمّيات المعارضة المنبثقة من مؤتمر الرياض حول مؤتمر الحوار في جنيف، وعن الفصائل المسلحة حول العلاقة بجبهة النصرة، يقول إن سورية على موعد مع جولة مواجهة لشهور مقبلة، ما يعني أن الحسم سيكون وصفة الدولة السورية للتعامل مع المرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى