أميركا تطوّق تركيا و«داعش» تطوّقها

روزانا رمّال

كثرت المخاوف والتأويلات من أن تكون الولايات المتحدة تستغلّ عنوان محاربة الإرهاب من اجل دخول سورية بذريعة مقبولة ومنطقية دولياً، فتطايرت التصريحات والتحديات بين الرئيس الاميركي باراك اوباما وبين مسؤولين سوريين، وكان أقواها مع مستشارة الرئيس الأسد الدكتورة بثينة شعبان التي حذرت أوباما عبر قناة «سي إن إن» من اختراق المجال الجوي السوري لضرب «داعش»، وقالت: «إنّ دمشق قد تسقط الطائرات الأميركية، لأنها أتت من دون إذن واعتدت على سيادة سورية». وردّ أوباما على شعبان حينها قائلاً: «إذا فكر الأسد وأمر بإطلاق النار على الطائرات الأميركية التي تدخل المجال الجوي السوري، فسندمّر الدفاعات الجوية السورية عن آخرها، وسيكون هذا أسهل لقواتنا من ضرب مواقع داعش».

شعبان التي نفت في مجالسها الخاصة ما ورد على لسانها من تأويلات وتفسيرات، أدّت إلى أن يبني أوباما كلامه على أساسها، تؤكد أنها لم تقل «سنسقط طائرات»، بل «قد نسقط… لأنه لا يوجد تنسيق، فالدفاعات الجوية منصوبة والطيران قد يكون إسرائيلياً، لذلك اذا اخبرتمونا نعطل دفاعاتنا بالتوقيت والمسار الذي تبلغناه» وعلى ما يبدو هذا هو الذي جرى…

لا يبدو أنّ الأمر يقتصر على العلم والخبر، فها هي قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة تقصف الرقة بالتوازي مع بيان من الخارجية السورية الذي يؤكد علم سورية المسبق بهذه الضربات برسالة أميركية من جهة، ويؤكد من جهة أخرى ان سورية كانت وما زالت تحارب تنظيم «داعش» في الرقة ودير الزور وغيرها من المناطق، ولن تتوقف عن محاربة هذا التنظيم، بالتعاون مع الدول المتضرّرة منه بشكل مباشر وعلى رأسها العراق…

كلام الخارجية السورية يشير الى اتفاق مع الإدارة الأميركية على المبدأ، وترحيبها بفكرة ضرب معاقل المسلحين، وبالتالي كلّ هذا يشير الى أنّ سورية لا تريد افتعال أزمة.

تشير المعلومات إلى أنّ الأميركيّين أرسلوا إلى الدولة السورية خريطة استهداف مواقع الإرهابيين والتوقيت والأهداف، أي أنّ التحرك الأميركي ليس مفتوح السقف، فحق العمل في المجال الجوي السوري مستحيل.

كانت رغبة بعض الفرقاء الإقليميين أو مصلحتهم الكبرى تتجسّد بحدوث أزمة وتصادم بين أميركا وسورية، كرغبة الأتراك والسعوديين، وإذ بسورية تنجح بفرض احترام سيادتها وباحتواء الأزمة.

بعد الحفاظ على هيبة الدولة السورية يبقى بيت القصيد والرهان على نجاعة هذه الضربات وقدرتها على حسم الأمور، فهل تهدف الولايات المتحدة الى القضاء على «داعش»؟ ام ان الغارات لمجرّد الغارات؟

اذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها جديّين في ذلك، فإنّ السؤال الأبرز هنا يكون: انّ الذي يريد الحرب على «داعش» عليه ان يتساءل عن سبب غياب تركيا عن المشاركة بالضربات الجوية؟ ومعروف أنّ قرار تركيا السياسي هو بيد أميركا في أقلّ من هذا الأمر بكثير، فكيف الحال مع قرار بهذا الحجم؟

اذا كان الحلف الدولي جاداً بمقاتلة «داعش»، وترتيب وضع المعارضة السورية، واسترجاع الرقة وسواها، كان من المفترض ان يتوحّد هذا الحلف، ويعطي الدعم العسكري السياسي لتركيا حيث تتواجد «داعش» فتضرب تركيا ثم تنسحب وتسلّم المناطق إلى «المعارضة» اذا كانوا هم يعتبرونها موجودة…

لا ضربات جدية بدون تركيا، ولا قتال حقيقياً بدون التعاون التركي، واليوم يبدو جلياً انّ الولايات المتحدة تحيّد تركيا عن أيّ دور فعّال، مفضلة بدء الضربات بدخول دول أقلّ شأناً وقدرة وقوة وخياراً ومتابعة جغرافيا وعسكريا للوضع من الأتراك… كالسعودية والإمارات والأردن…

كلّ يوم تتأكد نوايا أميركا بأنها لا تريد إنهاء «داعش»، وأنها تلعب على أوتار تختارها هي فتعزل دولاً وتقدم الى الواجهة دولاً أخرى وأدواراً حسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها.

أميركا تطوّق «داعش»… لكن دون القضاء عليه، وتستبعد تركيا أو تطوّقها كخيار، وبالتالي من يضمن الا يطوّق إرهاب «داعش» هذه المرة الخيارات الأميركية المتبقية فتفلت الأمور من يد واشنطن «داخلياً وخارجياً» بعد استنفاذ الخيارات قبل استغلال الفرص بالتواصل مع إيران حول كافة ملفات المنطقة بوضوح؟

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى