كوميديا أو «تهريج قاتل»؟
عبير حمدان
يزداد الانقسام بين مؤيّد ومعارض لما تقدّمه وسائل الإعلام من منتوج كوميدي يعتمد الإيحاءات الجنسية حيناً، والتركيز على السياسيين حيناً بإطار هزلي من دون أي ضوابط، حيث إن الهواء متاح للجميع والتنافس قائم على قاعدة تصاعد الابتذال لجذب نسبة عالية من المشاهدة.
مَن يتحمّل مسؤولية الغمز من قناة التحريض وصبّ الزيت على نار الخلافات بحجة الترفيه؟ وهل أصبح النقد مادة كاريكاتورية لا تأخذنا إلى مكان أبعد من الشارع، حيث تسقط المحرّمات كلها وتغيب الضوابط!؟
أي فعل يقابله رد فعل، لكن العدسة التي برع مشغّلها في تدوير زوايا سياسته المتقلّبة تعمل على نقل الصورة التي تخدم مصلحته ليظهر في مظهر المغلوب على أمره، ويجعل من الحرية الشمّاعة الجاهزة على الدوام.
الحرية لا تكون بجعل القضايا المحقّة حفلة زجلية ثم الصراخ لاحقاً والاستغاثة من غضب الطرف الذي أعتبر نفسه معنيّاً بشكل مباشر.
الحرية لا تعني أن يستهتر أيّ كاتب ومخرج بما تمثله الرموز في الذاكرة البشرية ويرى أنه أكبر من فعل الاعتذار.
الحرية لا تكون بإثارة الضجيج الذي ينسحب على البرامج التلفزيونية كافة والخالية من أي مضمون مهني والقائمة على التهريج حيناً واستحضار كل ما هو مبتذل حيناً آخر.
مفهوم الكوميديا يقضي بأن تكون بنّاءة لتغيير واقع معين أو للتنفيس عن احتقان يعيشه المجتمع جراء الفساد الذي يحيط بمفاصل الحياة كافة. وإن كانت فقط للترفيه فالأجدى بها أن تقدّم مشهداً يدفعنا للضحك من دون أن يخدش سمعنا وبصرنا.
من السهل أن نبتدع حواراً مبتذلاً ومليئاً بالإيحاءات الرخيصة وأن نشتم مسؤولاً لغاية في نفس يعقوب، ثم حين يطفىء المشاهد شاشة التلفاز ينسى تلك اللحظة التافهة، لكونها لا تستحق أن تبقى عالقة في الذاكرة، ولكن من الصعب أن نقدّم مادة مرئية جيدة ومبهجة في آن ويسعى المشاهد للبحث عنها ويعمل على تردادها كي يجد لنفسه مساحة من الضحك الذي ينسيه معاناته اليومية في السعي وراء أدنى مقوّمات العيش.
يبقى الإعلام قبل أي شيء مسؤولية تتطلب الوعي والخروج من حلبة الصراع المستعر على الصدارة التي تبتدعها شركات الاستطلاع المستحدثة، كي لا تصبح المادة المصورة التي تدخل بيوتنا قاتلة سواء أكانت كوميدية أم درامية أو سياسية.