«زهرة فوّاحة في المهجر» خير من حديقة بلا عطر

ولأنها القصة المفخّخة. كان لا بدّ من الالتفاف بحساسية فائقة حول دلالاتها وترميزاتها للاستيلاء على مفاتيح أكوادها ومضمراتها، ليصار إلى فتح هذه الدلالات من دون إجهاد عند متلقيها.

بدء ذي بدء، تمنيت أن يكون المخاطب في هذه الحكاية هو شخصٌ يستطيع تلقي نكزاتها التي تأتت مثل لذع تيار كهربائي منبه، لا طفلاً قد يتأثر إلى حدّ الوجع.

لكن ما يرفع من أسهم الحكاية أن سردها جاء على لسان بطلتها الطفلة «دانة» عبر حواريات بينها وبين المحيط الذي تعيشه، من خلال اجتراعها للرسم وهو حالة تواصل تعبيرية وانعكاس لخلجات نفسها، والكلام الأسترجاعي «مونولوغ» التي هدست به خلال ترافد الأحداث تباعاً.

كان من الوجع ان ندخل إلى ذهن «دانة» الرقيقة كلمة اقتلاع . في وقت هي أحوج لكلمة تضاد لهذه الكلمة والتي مرت بمعية السرد العظيم، حين دلفت «دانة» إلى حديقة مهملة لتجد فيها من الأعشاب والحشائش والزهور، التي لفت نظرها إحداها بين الأعشاب لتتدخل وتقرر اقتلاع الزهرة وأخذها إلى المنزل بدافع حمايتها لأنها مميزة باللون والعطر. وهذا ما حصل فعلاً بعدما وضعتها في زهرية أنيقة تطالها الشمس، لتُفاجأ مرة أخرى بنحلةٍ تحاول اختراق الزجاج لتصل إلى الزهرة. وهو ما نبّه «دانة» إلى أن تتسأل، هل ارتكبت خطأً عندما اقتعلت الزهرة وأتيت بها لأجل حمايتها؟

أعتقد أنها تفتقد للزهور الأخرى وكذلك أصدقاءها النحلات والعصافير. انه أمر مزعج ، وهو أشبه بما حصل لنا عندما قرر جدها ترك البلد ونقل العائلة إلى المغترب بسبب الحرب، نعم كان ذلك اقتلاعاً لنا أيضاً، اشتاق لمدرستي وأصدقائي والجيران ومنزلنا. تماماً هذا ما فعلته اليوم عندما اقتلعتها وغربتها للزهرة..

بعد هذا المونولوغ الطويل، أعادت «دانة» الوردة إلى الحديقة لتبدأ في رعايتها هناك والأصدقاء لتتحول الحديقة إلى مكان جميل للاسترخاء.

جميلة حكايات الكبار عندما يقصها الصغار كما حدث في «زهرة فوّاحة في المهجر» لكاتبتها ماري الخوري فاضل، ومؤثرة لأن الراوي ـ أي «دانة» ـ يتحدث بعفويته المطلقة من دون تملّق.

فنياً، وردت عدة كلمات في السياقات هي فوق المدى المجدي لفهم الطفل مثل: استرخاء، صارت ملاذاً، الكبار المتنازعون الخ. كما مرّ في السرد أيضاً قول: وكَمَنْ وَقَعَ عَلى كَنْزٍ دَفينٍ، نَظَرَتْ «دانَة » وَراءَها لِتَرى إنْ كانَ أَحَدُهُم رَآها تَتَأَمَّلُ هَذِهِ الزَّهْرَة. هذا يومئ لفعل غير حميد، ثم أن النقلات أتت سريعة باتجاه القفلة، ما أدى إلى إقحام مفردات قد لا تلتقي بحدث وحيد مثل: وبِسُرْعَةٍ، اقْتَلَعَتِ الزَّهْرَةَ بِتَأَنٍّ مِنْ جُذورِها.

السرعة والتأنّي حدثان لا ينسجمان معاً، وعلى أيّ حال بما أن الحكاية حاملها أمين فهي جديرة بالقراءة والتوقف عند إشاراتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى