جنيف: صفعة الافتتاح لجماعة الرياض ولا تفاوض مباشر إلا مع وفد موحّد خريطة طريق لتفاهم لبناني فلسطيني بين عباس وعون وبري والحريري
كتب المحرّر السياسي
تحدّث الرئيس الروسي لضباط بحريّة الجيوش الروسية عن سورية مطوّلاً، فقال إن معلومات الاستخبارات تتحدّث عن أربعة آلاف مسلح من روسيا وخمسة آلاف من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق يقاتلون في سورية ضمن تشكيلات تنظيمي القاعدة وداعش، وفي ظل عدم وجود تأشيرة مرور بين موسكو ودول الاتحاد السوفياتي السابق يصير أمن موسكو مهدداً من تسعة آلاف مسلح، يتخذون من سورية قاعدة لهم. وهذا يعني أن على روسيا حفظ أمنها من دمشق، مضيفاً نحن سنحمي بلدنا وسنقاتل هناك وقد آلينا حسناً حتى الآن، وسنؤيد كل مسعى لحلّ سياسي، لكن بانتظار ذلك سنبقى واقفين مع الحكومة الشرعية السورية، ومع سورية المدنية العلمانية القائمة على التعدّد والتشارك بين المكوّنات.
على إيقاع كلام بوتين انطلقت جولة جنيف الرابعة بكلام للمبعوث الروسي إلى المحادثات ألكسي بورودافكين يقول فيه إن حديث وفد الرياض عن تنحّي الرئيس السوري ضمن العملية السياسية كلام سخيف.
في جنيف تلقّت جماعة الرياض صفعة أولى باضطرارها القبول بكسر احتكارها لتمثيل المعارضة وقبول مشاركتها منصة المعارضة مع ممثلين لمنصّتي موسكو والقاهرة، بينما ترتبك جماعة الرياض في كيفية مقاربة استحقاقات التفاوض اللاحقة التي تبدأ اليوم والتي صاغتها تحت عنوان الانتقال السياسي وخوض مفاوضات مباشرة ليأتيها الجواب، يبحث التفاوض المباشر عندما يكون هناك وفد مفاوض موحّد يمثل المعارضة، وجدول الأعمال يبدأ من بنود أستانة الخاصة بانفصال المعارضة عن الإرهاب وحسم موقفها الرسمي والعملي من جبهة النصرة.
عقدة تشكيل وفد موحّد لا تبدو سهلة الحل بالنسبة لجماعة الرياض، فهي تعني إسقاط حصرية مرجعية تركيا والسعودية لحساب شراكة موسكو والقاهرة، والدخول في مسارات خارج السيطرة في المفاوضات. وبالمقابل غياب التفاوض المباشر يفقد جماعة الرياض فرص الاستعراض الإعلامي والخطاب الاستفزازي والتباكي على المدنيين، والتشهير بالدولة السورية وجيشها ورئيسها كعناوين أعد لتناولها الوفد المفاوض الذاهب من الرياض خطباً رنانة سيحفظها معه حتى نهاية المؤتمر.
لبنانياً، رغم مواصلة المناقشات الباردة والعقيمة حول قانون الانتخابات النيابية والحارة والتي حققت بعض التقدم حول الموازنة العامة، شكلت اللقاءات التي جمعت رئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ولاحقاً بحضور رئيس الجمهورية مع رئيسَي مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري حدثاً سياسياً هاماً، وصفته مصادر واسعة الاطلاع بفرصة رسم خريطة طريق مشتركة لمواجهة التحديات السايسية التي تنتظر القضية الفلسطينية والتي يوليها لبنان اهتماماً خاصاً وينوي رئيس الجمهورية منحها حيزاً رئيسياً في كلمته امام القمة العربية في عمان بعد أقل من شهرين، والتعاون العملاني في تفكيك الألغام الأمنية التي تهدد باستعمال المخيمات الفلسطينية من قبل الجماعات الإرهابية كقواعد ارتكاز. وقالت المصادر إن التفاهم الأمني السياسي على الوضع الفلسطيني في لبنان كان تاماً، وستظهر نتائجه قريباً في أكثر من مجال، بما في ذلك إعادة ترتيب البيت الفلسطيني في لبنان بما يُعزّز وحدة الفصائل ويزيد فرص تحقيق الأمن في المخيمات والتعاون مع السلطات اللبنانية.
عباس من بعبدا: اللاجئون ضيوف
في أول زيارة لرئيس دولة الى لبنان في العهد الجديد، وصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمس، الى بيروت في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين والفصائل الفلسطينية.
واستهلّ عباس زيارته بلقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا، وحضرت القضية الفلسطينية بعناوينها المتعدّدة في اللقاء. وأكد عون في مؤتمر صحافي مشترك مع عباس، «أهمية دور الرئيس عباس في المحافظة على استقرار المخيمات، فلا تتحوّل بؤراً لمن يبغي استغلال مآسي الشعب الفلسطيني». ورأى عون أن الحاجة باتت «أكثر من ملحّة لإيجاد حلول سياسية للأزمات وسفك الدماء المتواصل في بعض الدول العربية». وقال «اتفقنا على تنسيق المواقف والتعاون بما يخدم مصالح بلدينا وقضايا العدالة والسلام التي دفعنا الغالي من أجل تحقيقها».
وشدّد عباس على أن «اللاجئين الفلسطينيين على الارض اللبنانية ما هم إلا ضيوف، ومن جانبنا نعمل بكل ما نستطيع لمساعدتهم حتى عودتهم المؤكدة الى فلسطين»، وقال: «إننا نقف ضد الإرهاب ودعونا منذ البداية الى الحوار البناء وصون وحدة الاراضي العربية».
وعقد مساء أمس، لقاء رباعي ضم الى جانب عون وعباس رئيسَي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري تمّ خلاله استكمال المباحثات التي أجراها الرئيسان عون وعباس قبيل مأدبة عشاء
وتزامناً مع وصول عباس توتر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة بعد إطلاق نار بين عناصر من حركة فتح وعناصر متطرفة في الشارع الفوقاني في المخيم أدى الى سقوط جريح.
وأوضحت مصادر مطلعة في المخيم لـ«البناء» أن «الحادث الأمني فردي بين شخص ينتمي لفتح والآخر معروف بتأييده لتنظيم داعش، ولا علاقة له بزيارة عباس»، وأوضحت أن «القضية الفلسطينية هي الاساس لزيارة رئيس السلطة الفلسطينية الى لبنان حيث سيطرح على المسؤولين اللبنانيين القضية كملف كامل متكامل وليس فقط من الناحية الأمنية، بل تجب معالجة الجانب الاجتماعي والاقتصادي والإنساني في ظل حرمان اللاجئين من الحقوق المدنية».
ولفتت الى أن «عباس هو أكثر من يتوجّب عليه زيارة لبنان لوجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين افتقدوا مرجعية فلسطينية رسمية تتحدث في أوضاعهم وتدافع عن حقوقهم»، وأشارت الى أن «الفقر والحرمان ووجود آلاف الشباب العاطلين عن العمل في المخيّمات، تؤدي الى انخراطهم في التنظيمات المتطرفة، لكن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لن يضيّع البوصلة في مقاومة الاحتلال ورفض الحالة المتطرفة».
وتوقعت المصادر أن تنعكس زيارة عباس إيجاباً لجهة تعزيز الوضع الأمني في المخيمات وزيادة التنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والجهات الأمنية الفلسطينية في مخيم عين الحلوة الذي سيبقى قطعة من فلسطين حتى عودة أهله المهجّرين الى وطنهم ولن ينجرّ الى الفتنة ولن يسمح للإرهاب أن يتسلل اليه».
واستبعدت المصادر زيارة عباس الى مخيم عين الحلوة، لكنه سيلتقي الفصائل الفلسطينية وسيبحث معهم أوضاع اللاجئين والوضع الأمني في المخيمات.
وقالت مصادر في حركة فتح لـ«البناء» إن عباس طرح في لقائه مع عون موضوع الحقوق المدنية للاجئين في المخيمات في ظل الوضع الدولي الراهن، كم تطرّقوا إلى الوضع الأمني في المخيمات»، ولفتت المصادر الى أن «تعليق عضوية ممثل فتح في اللجنة الأمنية العميد منير المقدح جاء بناء لطلب قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب بهدف إعادة تشكيل اللجنة بشكل فعلي وليس شكلياً وتحديد دورها من جديد على الصعيد الأمني في المخيم».
ولفتت الى أهمية زيارة عباس الى لبنان وطمأنت الى أن وضع المخيم مستقر، رغم بعض الخطر الذي يحدق به، لكن فور تشكيل اللجنة الامنية الجديدة ستكون هناك خطط أمنية جديدة لضبط الوضع أكثر.
وأقام رئيس الجمهورية مساءً مأدبة عشاء في بعبدا على شرف عباس ضمت الى عون وعباس، رئيسَي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء سعد الحريري، وعدداً من الوزراء وشخصيات أمنية.
وقبل بدء العشاء، عقد لقاء ضم عون وعباس في حضور بري والحريري، تم خلاله استكمال المباحثات التي أجراها الرئيس الفلسطيني بعد الظهر في قصر بعبدا مع الرئيس عون.
عقبات أمام إقرار الموازنة
على صعيد آخر، لا تزال الموازنة محور نقاش في مجلس الوزراء في جلسة عقدها أمس برئاسة الحريري في السراي الحكومي، مع وجود عقبات عدة تعرقل وتؤخر إقرار مشروع الموازنة في الحكومة، الاول ضمّ سلسلة الرتب والرواتب أو فصلها، حيث «تصرّ بعض القوى الحكومية على فصلها يتقدمهم وزراء المستقبل على أساس أن مشروع قانون السلسلة موجود في اللجان المشتركة في المجلس النيابي مع الإجرءات الضريبية والخطوات الاصلاحية منذ العام 2014، وبالتالي يستطيع المجلس إقرارها وتقر الحكومة الموازنة بلا السلسلة، لكن وزراء حركة أمل وحزب الله ورئيس الجمهورية يرفضون فصلها ويُصرّون على إقرارها مع الموازنة ويخشون في حال فصلها أن لا تقر في المجلس النيابي، ويطرحون إقرار الموازنة وضمنها السلسلة في الحكومة ولاحقاً يتم اقرار الخطوات الاصلاحية في المجلس النيابي»، وثانية العقبات «تتعلّق بالسياسة الضريبية لا سيما تلك المفروضة على قطاعَي المصارف والعقارات».
وفور انتهاء الجلسة التي استمرت حوالي ثلاث ساعات، أكد وزير المال علي حسن خليل أننا «أحرزنا اليوم تقدماً كبيراً جداً، وقد أنجزت مبدئياً كل المواد القانونية المتعلقة بالموازنة، وبدأنا بنقاش الإجراءات الضريبية والتعديلات وقد حدد دولة الرئيس موعداً لثلاث جلسات تعقد الأسبوع المقبل بدءاً من يوم الاثنين. وبحسب تقديرنا، من الممكن أن ننجز إقرار الموازنة خلال هذه الجلسات».
وعما اذا تطرق البحث الى مبلغ 1200 مليار ليرة، قال: «بدأنا النقاش بهذا الموضوع، وبالنسبة إلى موضوع الأملاك البحرية هناك اتجاه لاستبدال المادة المتعلقة بفرض غرامات على الاملاك البحرية بمادة قانونية لتسوية المخالفات على هذه الأملاك ناقشته اللجان النابية ولجنتا الادارة والعدل والاشغال العامة».
ورجحت مصادر مطلعة لـ«البناء» إقرار الموازنة في نهاية المطاف لأسباب سياسية واقتصادية ودواعي العجز في المالية العامة.
ويؤكد خبراء اقتصاديون لـ«البناء» أن «الإجرءات الضريبية الملحوظة في مشروع الموازنة في 27 بنداً، تبلغ قيمتها 2435 مليار ليرة تنقسم ما بين ضرائب على القطاع المصرفي وقسم من القطاع العقاري وقسم يطال الاستهلاك، وبالتالي سيلقى مشروع الموازنة في ظل هذه الضرائب لا سيما على الأرباح المصرفية على الفوائد، معارضة شديدة من قبل المصارف التي ستقدر خسائرها جراء ذلك بين 250 الى 300 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن معارضة القطاع العقاري الذي سيتكبّد خسائر ايضاً نتيجة ضريبة الـ 15 في المئة على الارباح».
ويشير الخبراء الى أن «رفع الضريبة على القيمة المضافة من الـ10 في المئة الى 11 في المئة، سيؤدي الى انعكاسات اقتصادية سلبية لجهة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بين 5 و10 في المئة كما حصل عام 2011-2012، وبالتالي على الحكومة البحث عن موارد أخرى».
ودعا الخبراء الى ضرورة إقرار السلسلة ضمن مشروع الموازنة لحماية حقوق الموظفين في القطاع العام، ومن جهة أخرى لتحريك العجلة الاقتصادية وإقرارها لا يؤثر سلباً على خزينة الدولة بعد أن بات قيمتها 1200 مليار فقط، وأوضحت أن «تقسيط السلسلة سيفقدها قيمتها الشرائية مع الوقت».
وأقرّ مجلس الوزراء جدول أعماله المؤلف من 29 بنداً.
… والمصارف تعترض
وحضرت الموازنة في لقاء رئيس الجمهورية مع رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه واعضاء مجلس الإدارة الذين اعترضوا على مشروع الموازنة وعرضوا الواقع المصرفي في البلاد وملاحظات الجمعية على بعض بنود مشروع موازنة العام 2017 لا سيما ما يتصل منها بالقوانين الضريبية، حيث طالبوا بإعادة النظر فيها.
كما حطّ وفد من تجار بيروت في السراي والتقى الحريري الذي طمأنهم بأن «لا شيء نهائي في موضوع زيادة الضرائب حتى الساعة، والمسألة تدرس بدقة من مختلف جوانبها على طاولة مجلس الوزراء، وعلينا أن نقرر ما إذا كنا نريد ان يكون لبنان جنة ضريبية أم لا»، مشدداً على ان «الوضع الاقتصادي لا يحتمل فرض ضرائب كبيرة والاتجاه لإعطاء حوافز للقطاع الخاص ليتمكّن من النهوض والتطور»، وشدد على «ضرورة الا تكون سلسلة الرتب والرواتب مشكلة، بل تشكل حلاً، وهي تُدرس على طاولة مجلس الوزراء بكل هدوء وانفتاح وإيجابية».
لا اتفاق على القانون
على صعيد آخر لا جديد على صعيد قانون الانتخاب في ظل تراجع منسوب التفاؤل بولادة قانون جديد، بعد تأكيد كتلة «المستقبل» أمس، «التزامها بصيغة القانون المختلط الموقع والمتفق عليه مع الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وعدد من النواب المستقلين».
وقالت مصادر نيابية في المستقبل لـ«البناء» إن «لا تفاهم ولا اتفاق على أي صيغة حتى الساعة»، وأشارت الى أن «أمام القوى السياسية متسع من الوقت حتى 21 آذار للاتفاق على قانون انتخاب، لكن لا صيغ جديدة يجري البحث فيها سوى صيغة معدلة لاقتراح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لجهة اعتبار المسلمين مذهباً واحداً بعد ما تم اعتبارهم أربعة مذاهب والمسيحيين مذهباً واحداً، لكن حتى الآن لا اتفاق عليه، وأوضحت المصادر أن معظم القوى السياسية ترفض التمديد للمجلس الحالي، لكنها لا تسمح في الوقت نفسه بالوصول الى الفراغ».
وفي حين يحاول التيار الوطني الحر خلال اللقاءات التي تحصل إقناع حزب القوات بالنسبية والخروج من المختلط من دون نتيجة تذكر، علمت «البناء»، أن «الرئيس عون في حال عدم التوافق على قانون سيتجه خلال أيام لتوجيه رسالة الى المجلس النيابي يطلب فيها التصويت على مشاريع واقتراحات القوانين الموجودة في أدراج المجلس النيابي».