فخامة الرئيس المقاوم
أسامة العرب
إنّ للاستقلال ولاسترجاع السيادة الوطنية ثمناً باهظاً يجب أن يُدفع من الأرواح والدماء والدموع التي هي الرصيد الفعلي ومنظومة القيم الرمزية للأمة، والتي يجب أن تعتزّ وتفخر بها وتعمل جاهدة على استثمارها في بناء دولة يحظى فيها المواطن بالعزة والكرامة، ويُشيَّد فيها نظامٌ ديمقراطي حكيم راشد، لا يُحتكم فيه إلا لقيم الوطن ومصالحه العليا.
ومن هذا المنطلق، فإنّ المواقف الوطنية التي صدرت مؤخراً عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمواجهة التهديدات «الإسرائيلية»، وبمواجهة رسالة المندوب «الإسرائيلي» داني دانون الموجّهة للأمم المتحدة المحرّضة على لبنان، أتت في مجال التأكيد على حق لبنان ببسط سيادته على كامل أراضيه لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، ولمطالبة «إسرائيل» بتنفيذ القرار 1701 بعد مرور أكثر من 11 عاماً على صدوره، وبالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلّها، ووقف انتهاكاتها للخط الأزرق وللسيادة اللبنانية جواً وبحراً، خصوصاً بعدما نفّذ لبنان التزاماته تجاه الأمم المتحدة وقوتها العاملة في الجنوب اللبناني. أيّ أنّ رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور تصرّف وفق مسؤولياته والصلاحيات المخصصة له، لكونه يحدّد السياسة الخارجية للبلاد، إضافة الى ذلك فقد أراد بجوابه المباشر إعلام المجتمع الدولي أنّ «إسرائيل» ما تزال تشكّل خطراً على لبنان، لا العكس.
وهذا الموقف ليس بجديد على فخامة الرئيس المقاوم، فلطالما آمن عماد الوطن بأنّ المقاومة هي حقّ مقدّس لتحرير الأرض والشعوب من الاستعمار، وبأنّ شروط النجاح في ربح معركة المستقبل تكمن بالحفاظ على المكتسبات التي أنجزتها الأجيال المتعاقبة، ذلك أنّ الدفاع عن الوطن بوجه المحتلّ ليس بواجب وطني وقومي وشرعي فقط، وإنما هو حقّ طبيعي مرتبط بحق الشعوب بتقرير مصيرها والذي تكفله شريعة الله وقوانين الأرض، وفي مقدمها شرعة إعلان الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان.
ومن حسنات هذه المواقف، أنّها استجابت لاستغاثات هيئة أهالي العرقوب ومزارع شبعا لوجوب وضع حدّ للإهمال والتجاهل الرسمي لقضية احتلال العدو الصهيوني لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، باعتبار أنّ النظام الرسمي اللبناني قبل اتفاق الطائف سكت عن إقدام العدو الصهيوني على احتلال تلك الأراضي اللبنانية، ثم طوت معظم العهود والحكومات المتعاقبة بعد الطائف صفحة هذه القضية، باستثناء عهد التحرير. ولهذا، يجب أن يتمّ وضع هذه المسألة الوطنية على رأس أولويات العهد الجديد واهتماماته، تثبيتاً لهويتها اللبنانية وهوية أبنائها أولاً، وتأكيداً على حق لبنان في تحرير أرضه المحتلة ثانياً، وتعبيراً عن التزام لبنان الرسمي بالحفاظ على كامل أراضيه وحقه في السيادة عليها ثالثاً، وللقيام بحملة دولية لتحريرها رابعاً، ولتكوين ملف بالخسائر الاقتصادية خامساً، ولرفع شكوى أمام محكمة الجنايات الدولية ضدّ العدو الصهيوني ومطالبته بالتعويض عن هذه الخسائر سادساً.
ونشير هنا إلى أنّ ملكية مزارع شبعا تعود للعائلات اللبنانية التالية: الخطيب، غادر، سرحان، صعب، مركيز، عبد الله، نصار، تفاحة، دعكور، كنعان، عبد الهادي، الزغبي، ناصر، الحناوي، حمد، البقاعي، حسن، إبراهيم، نبعة، رحيل، فارس، فرحات، موسى، قاسم، علي، دلة، منصور، قحواني، ظاهر، حمدان، غياض، غياضة، السعدي، عطوي، الجرار، هاشم، ماضي، زينب، حمد، نصرالله، زهرة، عواد، النابلسي، شاهين، الخوري، أبو رضا، الشعار، ريمة، الترك، رحال، مخايل، سارة، الشريحة، عبد الرحمن، ناصيف، دلال، شريفة، بنوت، زغاط، أبو حويلي، خوندي، عرابي، خالد، غانم، فراشة وعبدو. كما تشترك كلّ من: الأوقاف الإسلامية والمسيحية الروم الأرثوذكس في ملكية هذه المزارع. أما بالنسبة لشمال قرية الغجر اللبنانية، فإذا ما كان عدد سكانها بالمئات في العام 1967، فإنهم أخذوا في الازدياد تدريجياً، ليصل عددهم اليوم بحسب بعض التقديرات إلى نحو ألف نسمة.
ومن المعروف، بأنه بعد الانسحاب «الإسرائيلي» من الجنوب في 25 أيار 2000 بقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر محتلةً من قبل العدو الذي رفض اعتبارها من ضمن القرار 425، زاعماً أنها احتلّت في العام 1967 وغير مشمولة بالقرار الأممي، ولكن موقف لبنان بقي واضحاً إزاء هذه المسألة ومؤكداً على أن تلك الأراضي مشمولة بالقرار 425، وأنّ «إسرائيل» يجب أن تنسحب فوراً منها. كما ضغط لبنان بالسابق على الأمم المتحدة من أجل استصدار قرار دولي لاستعادة أراضيه المحتلة، ولكن الضغوط «الإسرائيلية» – الأميركية كانت أقوى، حيث زعمت الأمم المتحدة بعد ترسيم الخط الأزرق عقب الاندحار «الإسرائيلي» من جنوب لبنان أن تلك الأراضي ليست لبنانية، وقد نَقل هذا الموقف إلى كل من لبنان وسوريا الموفد الشخصي للأمين العام تيري رود لارسن، ولكن لبنان أبى أن يتخلّى عن أراضيه وأصرَّ على موقفه وأبقى على كل تحفّظاته. فضلاً عن ذلك، فقد قامت الدولة اللبنانية مؤخراً بتقديم وثائق جديدة عدّة للأمم المتحدة تثبت فيها لبنانية أراضيها المحتلة، منها خريطة توضيحية للحدود اللبنانية – السورية تشمل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، ومنها خريطة تحمل توقيع القاضيين العقاريين المختصين بالمسح العقاري في منطقة مزارع شبعا، اللبناني رفيق الغزاوي والسوري عدنان الخطيب اللذين أصدرا قراراً مشتركاً في 27 شباط 1946 أكدا فيه ان الحدود الفاصلة بين قريتي المغر وشبعا أصبحت نهائية. ولكن من المؤسف، أنّ كافة جهود لبنان مع الأمم المتحدة لم تستطع أن تثمر. ولهذا واصلت المقاومة عملياتها كالمعتاد لتحرير أراضيها، وقامت وما تزال تقوم بسلسلة من العمليات الناجحة التي جعلت العدو الصهيوني يتذكر ماضيه في جنوب لبنان ويعيش في مأزق جديد.
ومن هنا، نخلص للقول بأن مواقف فخامة الرئيس وإن تعرضت لبعض الانتقادات، إلا أن تلك الانتقادات جاءت فارغة من مضمونها، لا سيما وأن مواقف الرئيس رمت للتأكيد على لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر ولرفع جزء من الضيم والإجحاف عن أهالي تلك المناطق الحدودية المحتلة صهيونياً، في حين أن هذه المسألة كان من المفترض أن تكون محلّ إجماع وطني، والتفاف حول وطنية الرئيس وشجاعته.
ولكن بغض النظر عن آراء رجال الساسة، فإننا متأكدون بأن شعبنا الأبيّ بشرائحه كافة وخاصة شبابه يتميز بروح وطنية راسخة تكنّ الاحترام والتقدير لتضحيات الشهداء الأمجاد. ويبقى أن نتذكر الجرائم والمجازر الدموية التي سجلها الاحتلال «الإسرائيلي» بحق أمتنا، حتى نرسّخ إيماننا بوجوب التضامن مع المقاومة، ومن أبرزها مجزرة حانين ويارين وعيترون وبنت جبيل والأوزاعي وراشيا وكونين والخيام والعباسية وصبرا وشاتيلا وسحمر وبئر العبد وإقليم التفاح وجباع ودير الزهراني والنبطية الفوقا وقانا، والتي يندى لها جبين الإنسانية وتُدمى لها القلوب.
وأخيراً، فإن الشعب اللبناني كلّه يُثمّن مواقف الرئيس العماد ميشال عون الشجاعة والمؤيّدة لأهمية معادلة الشعب والجيش والمقاومة، لأن العدو لن يرضخ لتطبيق القرارين 1701 و425 الصادرين عن مجلس الأمن إلا باستمرار حركات المقاومة المعزّزة بتضامن الشعب وإسناد الجيش، ونضمّ صوتنا لصوت هيئة أهالي العرقوب ومزارع شبعا ملتمسين من فخامة الرئيس استحداث وزارة دولة لشؤون الأراضي اللبنانية المحتلة صهيونياً. عاقدين الأمل بأن يتحرر كل شبر من أراضي لبنان الغالي في هذا العهد الجديد، عهد الشرفاء والمقاومين.