القاعدة أكثر قوةً في اليمن 1

ترجمة ليلى زيدان عبد الخالق

Crisis Group

لا شكّ في أنّ الفرع اليمني لتنظيم القاعدة يبدو اليوم أقوى من أيّ وقتٍ مضى. وبينما تتصاعد الحرب الأهلية في البلد وتتطوّر لتصبح إقليمية، ومع اقتراب الانتخابات المحلية، تزدهر البيئة الحاضنة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة في ظلّ انهيار واسع للدولة، تزايد الطائفية، تغيّر في التحالفات، فراغ أمنيّ واقتصادي مريع نتيجةً للحرب. ويتطلّب التخلّص من هذا الوضع القائم، إنهاء الأسباب التي تبقيه في حال اشتعال. ما يعني ضمان التوصّل إلى تسوية سياسية تشمل كافة الدوائر المختلفة في البلاد، شرط أن يتضمّن ذلك الإسلاميين السنّة. لا شكّ أنّ هذا سيستغرق وقتًا طويلاً، إذ يُفترض اتخاذ الخطوات المناسبة حاليًا لاحتواء نموّ القاعدة في جزيرة العرب: تحسين الحكم في المناطق المعرّضة للخطر، تفصيل الجماعات الإسلامية السنيّة واستخدام الأدوات العسكرية بحكمة، والتنسيق مع السلطات المحلية. قد تتعرّض هذه الجهود للخطر اذا كانت الدول المهتمة بقتال تنظيم القاعدة في اليمن، كالولايات المتحدة على سبيل المثال، تتخذ الإجراءات العسكرية التي تتجاهل السياق المحلي والمؤدية الى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، كما حصل في 29 كانون الثاني 2017، عندما أغارت إدارة ترامب على فروع القاعدة في البيضا، أو عندما فشلت في كبح جماح الشركاء المتسامحين أو حتى المشجعين لأنشطة تنظيمي القاعدة وداعش في جزيرة العرب.

كان تنظيم القاعدة لا يزال فرعًا صغيرًا، عند اندلاع الانتفاضة في اليمن الشعبية ضدّ حكم الرئيس علي عبدالله صالح، ويقع ضمن قائمة الأهداف الغربية. وكان حضوره المحلّي آنذاك يقتصر على بضع العشرات من الأعضاء المقيّدين بالعلاقات المعقّدة والمتناحرة أحيانًا مع السلطات الحاكمة، والقبائل على حدّ سواء. شكلت القاعدة في جزيرة العرب الهاجس الأمني الأساسي للغرب وتحديدًا للولايات المتحدة، التي كانت تشتري سكوت بعض النخب المحلية على الدوام بهدف تحقيق تلك الأخيرة لبعض المكاسب المالية أو السياسية. أما الجانب الذي كان يهدّد استقرار الدولة ويزيد من اقتتال النظام، فكانت الفصائل الجنوبية أو ميليشيا الحوثيين المتشدّدين في المناطق الشمالية.

تشكل القاعدة في جزيرة العرب والى حدّ كبير نتوءًا جديدًا لتنظيم القاعدة، وقد برز كأكبر التنظيمات المحاربة إبان فشل العملية الانتقالية السياسية والحرب الأهلية التي أعقبت ذلك. تمكنت القاعدة من تحقيق التكيّف مع التضاريس السياسية السريعة التغيير، والتي تحوّلت الى حركة تمرّد قادرة على السيطرة على الأراضي وسلطة الدولة الصعبة. ويعود نجاحها الرئيسي الى براغماتيتها التي أثبتت: أنّ العمل ضمن المعايير المحلية، إقامة التحالفات مع الحلفاء السنّة، الاندماج في الميليشيات وفي الاقتصاد السياسي لعمليات التهريب والتجارة الممتدّة الى فصائل القتال المختلفة، بما فيها تحالف الحوثي/ صالح، مكنتها في بعض الأحيان من السيطرة على الأراضي جنوب البلاد، ويبدو أنّ هذا التكتيك أصبح جزءاً لا يتجزأ من نسيج تحالف الحوثي / صالح المسيطر في المناطق الشمالية، والذي تقاتل بشراسة الحكومة المؤقتة المدعومة من السعودية برئاسة عبد ربه منصور هادي.

أما داعش، وبالرغم من كلّ تكتيكاته الوحشية، فقد كان أقلّ نجاحًا في كسب المجنّدين والسيطرة على الأراضي، لكن الحرب فتحت الباب واسعًا أمام القيام بعمليات في أماكن شهدت أعمال عنف طائفية، كمثل مدينة عدن الجنوبية. هناك، تحوّلت أنظار هذه المجموعة لتتركز على حكومة هادي، وأفراد الأمن المحلي من خلال الاغتيالات والتفجيرات، التي مكّنت – وبشكل غير مباشر تحالف الحوثيّ / صالح من الاستفادة من إضعاف الأعداء المشتركين، ما يؤكد على انعدام الأمن في عدن، عاصمة الحكومة المؤقتة.

عمليًا، تدّعي جميع الأطراف المحلية الأجنبية المتحاربة في اليمن العداوة لتنظيمي القاعدة وداعش، علمًا أنّ هذه الأطراف ساهمت جميعها في نموّها وانتشارها. الحوثيون، أيّ الزيديون الشيعة، هم الأعداء الرئيسيون لهذين التنظيمين في العقيدة والاستراتيجية في جزيرة العرب، وقد عززوا خصومتهمم من خلال الضغط العسكري في شباط عام 2015 في المناطق ذات الغالبية السنيّة الشافعية، ما سمح للقاعدة إثبات وجودها كجزءٍ لا يتجزأ من تحالف الجبهة السنيّة ضدّ تمدّد الحوثي / صالح. لا يبدو أنّ خلط تحالف الحوثي / صالح بين الحزب الإسلامي السنيّ وبين والتجمّع اليمني للإصلاح، والانفصاليين الجنوبيين مع القاعدة وداعش، سيساعد في جعل الأمور أفضل، وكذا للداعمين في الخليج، بل سيزيد الأمور سوءًا وتعقيدًا، وبصورة فجّة في الكثير من الأحيان، على حدّ وصف الحوثيين حلفاء إيران والمشكّلين لجزءٍ رئيسيّ من «الأجندة الشيعية» في المنطقة.

سمح منطق «عدوّ عدوّي صديقي»، الى جانب وجود إرثٍ طويل من السياسيين المستغلّين وجود الجهاديين في صراعهم على السلطة ضدّ خصومهم، سمح كلّ ذلك للقاعدة بإقامة تحالفات ضمنية مع مجموعة من قوات مكافحة الحوثيين / صالح. وقد تركّز اهتمام الائتلاف الذي تقوده السعودية الى هزيمة كتلة الحوثيين / صالح، التي تعمل ضدّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والتي تمكنت من السيطرة على العديد من الأراضي دون معوّقات تذكر، وذلك في سياق الكسب غير المباشر لبعض الأسلحة من قوات التحالف وتمويل التيارات الجديدة عن طريق غزو البنوك والسيطرة على الموانئ. طردت دولة الإمارات العربية المتحدة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من معقل المكلّى – عاصمة إقليم حضرموت – في نيسان 2016، غير أنّ مثل هذه النجاحات تعتبر نجاحات هشّة، ويمكن أن يظهر ضعفها بسهولة في ظلّ حكم أكثر فعالية وشمولاً.

إنّ تطوّر تنطيم القاعدة في جزيرة العرب الى قوة فاعلة، تمتلك طموحًا وقدرةً على حكم الأراضي، والتي تظهر البراغماتية وتراعي الشواغل المحلية، لا تنفي الخطر الدولي الذي تمثله الجماعة. بلعب هذا التنظيم للعبةً استراتيجيةً طويلة، مستفيدًا من الفوائد المباشرة للحرب في اليمن، التي تزداد عنفًا يومًا بعد يوم، والتي من المرجح أن تدوم أكثر خصوصًا بعد الارتفاع العالمي السريع للمصادر المالية والعسكرية. وباحتساب مكاسبها وتحدياتها على المدى الطويل، وما ستتطلّبه من استجابات ملحّة لكن مدروسة، بالتركيز على الوصول بالحرب الأهلية الى نهايات سلمية عن طريق التفاوض.

توصيات:

على عكس مطالب القاعدة / داعش: ولجميع المتحاربين اليمنيين والإقليميين:

إنهاء الحرب من خلال الموافقة على وقف إطلاق النار، تعقبه مفاوضات تتجه نحو التسوية السياسية والتي تتضمّن ما يلي:

شراء مجموعة كاملة من الجهات اليمنية المعنية، بمن فيهم الإسلاميين السنّة الحزب الإسلامي والمجموعات السلفية، الساعية الى المشاركة في السياسة والجماعات مع القاعدة الإقليمية، كمثل الحراك القائم في الجنوب الاعتراف بالحاجة الى الحكم الذاتي الإقليمي، ولا سيما في الجنوب، وخلق آلية لتحديد هيكل الدولة في المستقبل و الترتيبات الأمنية المؤقتة في مختلف المناطق التي مزقتها الحروب تحت مظلّة الدولة.

تجنّب اللغة الطائفية وإنهاء الحملات الإعلامية وخطب المساجد التي تدمغ التنوّع في المجالات الطائفية.

الحكومات المانحة المساعِدة لليمنيين في مكافحة القاعدة / داعش:

المشاركة في عمليات تقييم منتظمة من الشركاء المحليين والإقليميين الذين قد يشجعون في بعض الأحيان أنشطة القاعدة / داعش في جزيرة العرب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، والضغط عليهم لتغيير المسار، مهدّدين بتعليق التعاون في مكافحة الإرهاب إذا لم يفعلوا هم ذلك.

تطوير عمل مكافحة الإرهاب للحدّ من حوافز الحكومة اليمنية الحالية والمستقبلية للاستفادة ماليًا من وجود القاعدة / داعش في جزيرة العرب.

تعزيز الإجراءات الأمنية في الموانئ والمعابر الحدودية مع زيادة التركيز على الأمن البحري لطرق إمداد القاعدة / داعش في جزيرة العرب على طول السواحل المعرّضة للخطر.

تشجيع ودعم المسار الثاني وجهود المجتمع المدني المحلي لرأب الانقسامات بين الطوائف، والبناء على تاريخ اليمن الحافل بالتسامح.

توفير الفرص لفتح خطوط الاتصالات مع قادة تنظيم القاعدة المستقلّين في جزيرة العرب من النخب القبَلية أو السياسية، والتي يُفضّل استخدامها للمساعدة في عدم تصعيد العنف.

الى جميع الدول والجماعات التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات الجهادية العنفية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حكومة هادي، والميليشيات المرتبطة بالحكومة وبدولة الإمارات العربية المتحدة:

إعطاء الأولوية الأمنية الأساسية، العدالة ولا سيما تلك السريعة والشفافة القائمة على تسوية النزاعات وتقديم الخدمات.

فصل الجماعات الإسلامية السنيّة على اختلافها بدلاً من الخلط بينها:

بما في ذلك التجمّع اليمني للإصلاح في مبادرات الحكومة والأمن المحليين

التواصل والتفاوض مع مؤيدي جماعة أنصار الشريعة ذراع التمرّد المحلي للقاعدة في جزيرة العرب ، والتي قد لا تلتزم بالإيديولوجية العالمية للقاعدة في الجزيرة، بل قد تعمل على الانفصال عن التنظيم هناك من خلال العمل على معالجة مظالمهم المشروعة محليًا.

استخدام الأدوات العسكرية والبوليسية بحكمة وبما يتوافق مع القوانين والأعراف المحلية:

تجنّب التورّط في الحملات العسكرية الثقيلة الوطأة في المدن، عند التمكّن من القيام بذلك، والعمل على التفاوض مع القادة المحليين للمجموعات الجهادية العنيفة في المناطق الحضرية، كما حصل في المكلاّ و،

استخدام القوة العسكرية ضدّ تنظيمي القاعدة / داعش، عند اللزوم، إنما بعيدًا من خلق هياكل لميليشيات غير منقادةٍ للمساءلة القانونية خارج مظلّة الدولة جاعلةً الميليشيات المحلية، بما فيها اللجان الشعبية وقوات الأمن، وقوات النخبة في حضرموت، خاضعةً تمامًا لسيطرة سلطة الحكومة بموجب النظام القانوني الذي يضمن الشفافية وحماية حقوق الإنسان.

لكتلة الحوثي / صالح:

الفصل بدلاً من الخلط بين الجماعات السنيّة المختلفة، والعمل مع أولئك المستعدّين للانخراط في محادثات سلام والعمل ضمن إطار العملية السياسية.

امتناع الجيش من التقدّم في المناطق التي يغلب عليها الطابع السنّي / الشافعي، إذ لن يؤدي ذلك سوى الى زيادة تأجيج التوترات الطائفية المتزايدة وتوفير الإمدادات الدعائية لتنظيمي القاعدة / داعش.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى