الصراخ التركي بوجه إيران للتفاوض وليس للحرب
ناصر قنديل
– يستعيد الكثيرون مع الكلام التركي العدائي العالي السقوف ضد إيران مشهد حلف بغداد في الخمسينيات الذي ضمّ تركيا وإيران الشاه وحولهما عراق نوري السعيد وباكستان بوجه صعود جمال عبد الناصر بدعم أميركي، ويرون تركيا والسعودية و«إسرائيل» والأردن أركان حلف إقليمي جديد يذهب للتصعيد نحو إيران بغطاء أميركي، بعدما استعاد صعودها مشهد صعود عبد الناصر، ويفترض هؤلاء سيناريوات الحرب ضمن هذه التقديرات.
– السعي الأميركي الذي تقوده الـ»سي آي أي» لحلف إقليمي بوجه إيران موجود منذ أيام الرئيس باراك أوباما ولا يزال، لكن امتلاك هذا الحلف ومعه أميركا فرص التحرك كانت أفضل قبل ثلاثة أعوام، عندما جاءت الأساطيل الأميركية ولم تكن روسيا قد جاءت إلى سورية، ولم تكن السعودية قد تورّطت في اليمن، ولا كانت تركيا قد دخلت أزمتها مع واشنطن حول تسليم الداعية فتح الله غولن والقوى الكردية المسلحة شمال سورية. وقبل حلّ هذه العقد لا يملك هذا الحلف قدرة تتخطى الكلام السياسي، ويصير الرهان على التصعيد العسكري في سورية يستدعي التساؤل عن ماهية جديد هذا الحلف بعد هزيمته في حلب، رغم كل الفوارق لصالحه فيها قياساً بكل معركة مقبلة؟
– التفاوض لعقد صفقة مع إيران هدف مشترك تركي سعودي يتفادى ظاهرياً استفزاز روسيا، تقف أميركا وإسرائيل لتشجيعه إذا تضمّن إضعافاً لدعم إيران لحزب الله. والتصعيد يهدف لتشكيل محور مفاوض يتمكن من تعزيز صفوف مكوّناته وعدم الدخول لمفاوضات منفردة، تركية إيرانية وسعودية إيرانية. والعنوان هو عروض لتطبيع العلاقات تقدم تحت ضغوط اتهام إيران بمدّ نفوذها وزعزعة استقرار دول كالبحرين واليمن ودعم قوى معارضة فيها، والتمدّد في كل من سورية والعراق، لمقايضة التطبيع بتنازلات يتمنّى السعودي والتركي الحصول عليها من إيران، وهي تنازلات يسعى إليها كل من الأميركي و«الإسرائيلي».
– في زمن الضعف الأميركي عن صناعة استراتيجية واضحة بعد ارتباك الرئيس الجديد في مواجهة ممانعة المؤسسة الأميركية العسكرية والمخابراتية والدبلوماسية والإعلامية لسياساته الخارجية، قرّرت تركيا انتظار واشنطن لحين نضوج تفاوضهما على بندي، غولن والأكراد، وقامت بتغطية هذا التموضع المعاكس لمسار أستانة، بالتموضع على ضفة مشتركة مع السعودية تقبض ثمنها مالاً وسياسة، عنوانها التصعيد ضد إيران، بما يجنّب تركيا أزمة جديدة مع روسيا، تحت عنوان مقايضة إيران بالتخلي عن قوة حلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله بالانفتاح عليها، وربط التعاون في الحرب على الإرهاب بتسهيل إيران لتسويات تحفظ جماعة تركيا والسعودية في الخليج، بمشاركة شكلية للقوى المقاومة هناك، وتحقق مشاركة وازنة لجماعة تركيا والسعودية في سورية والعراق، وورقة القوة المعروضة للمقايضة هي التلويح بخطاب الفتنة المذهبية.
– سبق لإيران وحتى لروسيا وقبلهما لسورية القول بوضوح: إن وجود حزب الله في سورية ليس موضوع تفاوض، وإن التعاون ضد الإرهاب مصلحة مشتركة لدول العالم والمنطقة، ومن شروطه توفير مقوّمات نجاح الحرب وليس توزيع مغانم وأثمان على المشاركين سلفاً لضمان مشاركتهم، وكل مسعى تصعيدي لبلوغ تفاوض هذا عنوانه يعني بلوغ طريق مسدود، فهل تنفجر المواجهة حرباً شاملة تركية سعودية «إسرائيلية» بوجه إيران، أو حرباً يقودها هؤلاء مجدداً في سورية؟
– لن يحدث شيء من هذا. ليس لنقص في الرغبات بل لنقص في القدرات. وقد جرى اختبار الأكثر في ظروف أفضل، وكانت حلب وكانت الهزيمة، لكن تعطيل مسار أستانة في سورية سيعني طبعاً عودة إمساك زمام المبادرة للجيش السوري في الميدان، مع عودة اصطفاف الجماعات المسلحة وراء جبهة النصرة، فإلى شهور ينتظر فيها أردوغان ترامب، على مائدة المال السعودي، يبيعه أوهاماً، ويحسم فيها الجييش السوري المزيد، قبل أن تنضج جولات تفاوض ومسارات، كما من قبل كذلك من بعد، والخط البياني يتكفل بقول الباقي مما لم يقله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحارته عن عزمه مواصلة القتال إلى جانب سورية لحماية أمن روسيا، رضي من رضي وغضب من غضب، وأن أمن موسكو لا يزال من أمن دمشق، بعملية تسوية سياسية ومن دونها.