الزيارت العسكرية الأميركية للبنان… سؤال عن الهدف؟
يوسف الصايغ
على وقع الضجّة التي يثيرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتخبّط في مواقفه وسياساته على الصعيدين الداخلي والدولي، وفي ظلّ عدم وضوح الرؤية الأميركيّة حيال التعاطي مع الملفات الملتهبة وفي مقدّمها الأزمة السورية، بدا لافتاً الحراك الأميركي اتجاه لبنان، والذي استهلّ قبل أسبوع بالزيارة الاستطلاعية لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس روبرت كوركر إلى منطقة عرسال، مع ما تحمله هذه الزيارة من تساؤلات حول مغزاها، وهي التي تأتي متزامنة مع المفاوضات من أجل تشكيل تحالف دولي مزعوم للقضاء على التنظيمات الإرهابية وفي مقدّمها تنظيما «داعش» و«النصرة».
زيارة كوركر جاءت تمهيديّة للزيارة التي بدأها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتيل على رأس وفد يضمّ من الجنرالات في مهمّة غير واضحة المعالم، لكنّ الملاحظة التي تُسجّل أنّ زيارات المسؤولين العسكريين الأميركيّين إلى لبنان تتزامن والتصعيد الأميركي المستجدّ مع إيران من جهة، وبما يُحكى عن المناطق الآمنة في سورية من جهةٍ ثانية، حيث قام فوتيل قبل أيام بزيارة المناطق الواقعة تحت سيطرة «قوّات سورية الديمقراطية» والتقى مع عدد من القادة العسكريّين للقوّات المذكورة، كما سبقت زيارة فوتيل زيارة سريّة للسيناتور الأميركي الجمهوري جون ماكين، إلى الشمال السوري وأُدرجت الزيارة في خانة بحث العمليّات القتالية ضدّ تنظيم «داعش»، والعمليات المتعلّقة بتحرير مدينة الرقة.
وعليه، يبدو واضحاً أنّ الزيارات الأميركيّة إلى لبنان مرتبطة بشكلٍ أساسي بالسيناريوات العسكرية الأميركية في سورية، وما يُحكى عن إرسال قوّات خاصة للمشاركة بعملية «تحرير الرقة» لتظهير دور أميركي ما في محاربة الإرهاب، وبمسألة المناطق الآمنة التي تعمل واشنطن وأنقرة على تشكيلها داخل الأراضي السورية، لكنّ موقف روسيا كان واضحاً من خلال ربط إقامة تلك المناطق بموافقة الحكومة السورية. وعليه، باتَ جليّاً أنّ الزيارات العسكرية الأميركيّة مرتبطة بالتصعيد مع إيران، والتي ستكون عنوان سياسة ترامب وجعل لبنان جزءاً منها، من خلال الإيحاء بأنّ لدى واشنطن موطئ قدم في لبنان، وبأنّها تريد تعزيز قدرات الجيش اللبناني كي يصبح قادراً على مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهي بذلك تريد أن تعطي الذريعة للفرقاء اللبنانيّين المناوئين للمقاومة وسلاحها، للعزف مجدّداً على وتر المطالبة بسحب سلاح المقاومة بداعي انتفاء الحاجة إليه، بما يشكّل أيضاً ردّاً غير مباشر على كلام الرئيس عون، الذي أشار في سياق تأكيده على ضرورة وجود المقاومة إلى أنّ «الجيش ليست لديه حاليّاً الإمكانيات الكافية لمواجهة أيّ عدوان إسرائيلي».
كما أنّ التجارب السابقة تكشف بشكلٍ قاطع، أنّ ما تقدّمه واشنطن لا يتعدّى الدعم اللوجستي الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في أيّ مواجهة، والهبات العسكرية الأميركية أقرب ما تكون إلى الخردة من الأسلحة، التي تريد التخلّص منها بعدما استخدمها الجيش الأميركي في حروب العراق وأفغانستان، وبالتالي لا يمكن التعويل على أيّ دعم عسكري أميركي فعليّ للجيش، والجميع يتذكّر دائماً الذريعة الحاضرة عند كلّ حديث أو مطالبة بدعم عسكري للجيش اللبناني بأنّ عدم التسليح للجيش بسبب المخاوف المزعومة من وصول السلاح النوعيّ للمقاومة.
بناءً عليه، يبدو واضحاً أنّ الزيارات الأميركية تأتي في سياق عودة التصعيد مع إيران ومن خلفها محور المقاومة. ومن هنا، فإنّ الهدف الحقيقي من الخطوة الأميركيّة يصبّ في خانة العمل من أجل الاستعداد للمواجهة، وفي هذا الإطار أيضاً يتمّ الربط بين الزيارات الأميركية وزيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان إلى بيروت، والتي تبيّن أنّها تندرج أيضاً في خانة استنهاض حلفاء الرياض وواشنطن، من أجل المرحلة التصعيديّة التي يرى البعض أنّها آتية وستتظهّر بشكلٍ أكبر في المرحلة المقبلة.