تقييم أعمال «جنيف 4»
حميدي العبدالله
حتى هذه اللحظة، يمكن وصف ما يجري في «جنيف 4» بأنه «جعجعة من دون طحن». لا يمكن على الإطلاق الاعتقاد بأنّ مبرّر عقد «جنيف 4» هو عقد جلسة تجتمع فيها الوفود ويلقي المبعوث الأممي خطبة، ومن ثم تبادُل المتحاورين عبر الإعلام تأكيدهم على التمسك بالمواقف ذاتها التي رافقت «جنيف 2» عام 2014 و«جنيف 3» عام 2016.
مسار «جنيف 4» حتى الآن عقيم وهذا العقم ناجم عن العوامل الآتية:
أولاً، المبعوث الدولي الحالي مطعون بمصداقيته وحياده، وهو كان أقرب إلى فريق منه إلى لعب دور الوسيط بين الفريقين، بل الخطوة العملية الوحيدة التي تبرّع باقتراحها هي مساندة «جبهة النصرة» ومحاولة إنقاذها في الأحياء الشرقية من مدينة حلب. وفي مطلق الأحوال إنّ مدة ولاية ستيفان دي ميستورا تنتهي خلال أسبوعين، والأرجح أن يتمّ استبداله، وبهذا المعنى فإنه غير مهيأ للعب دور فاعل للبحث عن حلّ سياسي للأزمة في سورية.
ثانياً، السياسة الأميركية لا تزال في وضع ضبابي ولا سيما إزاء سورية، لم تتضح خيارات إدارة ترامب، ولا سيما لجهة الموقف من الدولة السورية والتعاون مع روسيا في مكافحة الإرهاب. وبديهي ارتباك الموقف الأميركي يترك آثاره على حلفاء الولايات المتحدة، وعلى الأمم المتحدة، وبهذا المعنى فإنّ هؤلاء الحلفاء وكذلك مؤسسات الأمم المتحدة لن تقوم بأيّ عمل وبأيّ اتجاه إزاء الأزمة السورية، سواء باتجاه دعم الحلّ السياسي أو مساندة التصعيد العسكري قبل التعرّف إلى حقيقة موقف الإدارة الأميركية الجديدة.
ثالثاً، الأمين العام للأمم المتحدة لم يمض على تسلّمه مسؤولياته أكثر من شهرين، وجاء إلى منصبه في ظلّ تغيّر كبير طرأ على العلاقات الدولية، ولا سيما يبين روسيا ودول الغرب دائمة العضوية في مجلس الأمن، وسيكون من الصعب على الأمين العام الجديد تغطية مواقف مبعوثه إلى سورية على النحو الذي كان يقوم به بان كي مون.
هذه العوامل الثلاث مجتمعة تؤكد أنّ جنيف لن يقود إلى أيّ نتيجة عملية حتى وإنْ كانت التوازنات الميدانية تفرض على الجهات التي خاضت الحرب على سورية، عدم المبادرة إلى إفشال «جنيف 4» على غرار ما فعلت في «جنيف 2» و«جنيف 3» لأنها لا تستطيع تحمّل التداعيات السياسية والميدانية لمواقف من هذا القبيل، لأنّ البديل العودة إلى الميدان، ولن تكون نتائج الميدان في مصلحتها، لأنّ توازن القوى قد تغيّر بعد الإسهام الروسي في مكافحة الإرهاب، وبعد الإنجازات التي حققها الجيش السوري في جبهات عديدة، ولا سيما في حلب وريف دمشق.
سوف تستمرّ جلسات «جنيف 4» لأيام، وقد تعلق لفترة ثم تستأنف من جديد، إلى حين اتضاح صورة الموقف الدولي والإقليمي.