استخدام التنظيمات المتطرفة كعنصر من عناصر توازن القوى الداخلي

ترجمة ليلى زيدان عبد الخالق

يتناول هذا التقرير العلاقة بين العوامل الإقليمية والمحلية التي تغذّي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية داعش والمكاسب التي حققتها هاتين المنظمتين في اليمن. وهو يعتمد على الدراسة المقارنة التي أجرتها Crisis Group لقياس تطوّر المشهد الجهادي العالمي استغلال الفوضى: من خلال استكشاف تنظيمي القاعدة وداعش لليمن كحالة وسط من ضمن مجموعة فرعية. ومن نواحٍ عدّة، تقف عدّة اتجاهات إقليمية وراء النمو السريع للتنظيمين في اليمن. إنّ انهيار عملية انتقال الربيع العربي اليمني والفوضى العارمة التي أعقبت ذلك، حفزت توسّعها، وفتحت لها فرصاً سياسية جديدة، فضلاً عن التدفق الكبير للمال والأسلحة والمجنّدين. وكما في سورية، كذلك في العراق وليبيا، فقد تزايد العداء بين دول المنطقة، وتحديداً السعودية وإيران، التي غذّت التوترات الطائفية وقادتها الى منح الأولوية للمنافسين التقليديين على حساب إيلاء الأهمية للعنف الجهادي، حيث استفاد هذا الأخير في الكثير من الأحيان من وكلائه الإقليميين والمحليين.

ومع ذلك، فإنّ التحدي الحالي الذي يفرض نفسه في اليمن والذي تجسّده كلّ من القاعدة وداعش في جزيرة العرب من خلال التاريخ الفريد للبلاد وللديناميكيات السياسية المحلية التي تدعمها وتقيّدها في الوقت عينه. إنّ سجلّ النظام المشترك من الاستقطاب والتعاون مع الجماعات الجهادية، يعني أنّ القاعدة في جزيرة العرب، تتشابك – على وجه الخصوص مع الجهات السياسية الفاعلة المندمجة في الاقتصاد. ومن شأن هذا أن يخلق عواقب وخيمة ومشكلات جمّة في قمع هذه المجموعة، بحيث تتضافر الحوافز في استخدامه لدفع المصالح السياسية والاقتصادية الخاصة. وأيضاً، يُعتبر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب منظمة يمنية، تتمتع بالمطالب المحلية المشروعة تحقيق العدالة، الخدمات، فرص العمل ويمكن بذل الجهود لإضعاف قيادتها واستمالتها والتركيز على معالجة المظالم المحلية عبر الحدود الوطنية. إنّ عملية وضع الخيارات السياسية الفعالة لمواجهة القاعدة او داعش في جزيرة العرب، لا يمكن أن تُبنى بأيّ شكل من الأشكال على نهج اقتطاع قطعة الكعك، إنما تتطلّب الانتباه الى العوامل الإقليمية والخصوصيات المحلية، منعاً لتفاقم المشكلة، وليس التغلّب عليها.

معمل الأنشطة

سيطرت اليمن لفترة طويلة من الزمن على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام باعتبارها معملاً لأنشطة تنظيم القاعدة وداعش، وارتباط دلالات هذا الواقع بالإيمان الجهادي الأخروي. ومن الواضح للعيان أنّ الكاريكاتور المشترك في الشرق الأوسط بين الإثنين هو «الغرب المتوحش»، حيث القبائل المدجّجة بالسلاح، والجبال الوعرة، والحكم الضعيف والتديّن الشديد، والأرض الخصبة التي يوفرها سكان الريف للجماعات الخارجة عن القانون. يمكن لهذه الصورة النمطية المبسّطة أن تؤدّي الى افتراضات غير صحيحة عن داعش، حيث توفر المناطق القبلية – بالضرورة – ملاذاً آمناً، وتشكل الجهات الحكومية الفاعلة خصماً كبيراً للقاعدة وحلفائها، وخصوصاً في المناطق الحضرية، لتأتي النتائج العكسية مغمورةً بالطابع السياسيّ.

يميل التحليل الغربي الى استكشاف علاقة القاعدة مع القبائل المحلية، وفي أحيان أخرى الى دراسة هذه المجموعة باعتبارها أداةً للنخبة السياسية في اليمن، التي تلجأ الى اعتماد الحيلة لتحقيق المكاسب المالية والعسكرية. وعلى النقيض من ذلك، يبدو أنّ اليمنيين يتعرّضون للديناميات السياسية المحلية بوصفها شرطاً أساسياً لتحقيق التفاهم ومواجهة القاعدة والجماعات الجهادية المماثلة.

إنّ تاريخ القاعدة والحركات المرتبطة بها في اليمن، يتعلّق الى حدّ بعيد بالسياسة الداخلية والاتجاهات المتحوّلة في الجهاد العالمي على حدّ سواء. وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي، توحّد المقاتلون من الجهاد الأفغاني ضدّ السوفيات، والذين عُرفوا بـ«الأفغان العرب»، وشكلوا الموجة الأولى من العنف الجهادي العالمي بعد نهاية الحرب الباردة، تماماً كما يحدث الآن في شمال اليمن الجمهورية العربية اليمنية ، حيث انضمّوا الى الجنوب الاشتراكي الجمهورية الديمقراطية الشعبية اليمنية ، ليشكلوا جمهورية اليمن. وبينما تتحوّل معظم الدول العربية ضدّ الإسلاميين، تواصل صنعاء السير بمحاذاتهم. فقد مثّل حزب التجمع الوطني للإصلاح الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وعاش التطورات السياسية والأمنية العسيرة التي خبِرتها البلاد في الفترة الأخيرة. كما وقف أنصار الحزب مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح عندما خاض حرباً من أجل وحدة اليمن، ثم انضمّوا للمطالبين برحيله في ساحات الربيع اليمني، وتضامنوا مع «إخوانهم» المصريين عندما انقلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أول رئيس منتخب عقب ثورة 25 كانون الثاني 2011، ثم أيّدوا عاصفة الحزم التي جمعتهم مع قوات السيسي والسعودية التي ساندته. كما انضمّ المزيد من المقاتلين الأفغان القدامى مثل طارق الفضلي الى الجنوبيين لتشكيل حركة الجهاد الإسلامي IJM. وكان زعيم هذه الحركة جمال النهدي قد حاول قتل مجموعة من مشاة البحرية في عدن في 29 كانون الأول عام 1993، ما يعتبر أول هجوم ذات الصلة بالقاعدة، ويستهدف الولايات المتحدة خلال ذلك الوقت.

وكان الجهاديون خلال ذلك الوقت، يقاتلون ضدّ الحزب الاشتراكي اليمني، بالتعاون مع نظام صالح، حتى أنّ العرب الأفغان زعموا، أنهم قتلوا كوادر الحزب الاشتراكي اليمني بمساعدة الأجهزة الأمنية المرتبطة بالشمال، وذلك قبل الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994، وكان صالح وكبار قادته العسكريين علي محسن الأحمر تزوّجت أخته من الفضلي الذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس اليمني المتحالف مع القوات السعودية في مواجهة حلف الحوثي/ صالح ، قد استخدم الأفغان العرب كبديل لهؤلاء. وبعد النصر الشمالي السريع والحاسم، مُنح بعض أعضاء IJM مناصب في الخدمات الأمنية للمؤتمر الشعبي العام.

الجهاد العالمي العنيف

وفي منتصف التسعينات، اجتاحت موجةٌ جديدة من الجهاد العالمي العنيف، مركزةً هجماتها على ما وصفته بـ «العدوّ البعيد». وفي اليمن، بدأت فروع القاعدة القيام بالأمر عينه. أما بقايا IJM وغيرهم فقد رفضوا المشاركة في الاستقطاب الذي أجرته الدولة، بل تجمّعت تحت رعاية المخضرم الأفغاني اليمني زين العابدين أبو بكر المحضار بهدف إنشاء جيش عدن أبين الإسلامي AAIA ، المجموعة الجهادية الأولى التي تمتلك جدولاً عبر الحدود الوطنية، وتعهّدت بدعم أسامة بن لادن، واشتركت في إرسال الرسائل الجهادية الدولية.

وعلى الرغم من تضاؤل تأثير جيش عدن الإسلامي AAIA في أواخر التسعينات، غير أنّ الهجمات الجهادية ضدّ المصالح الغربية ازدادت في الآونة الأخيرة. وفي تشرين الأول عام 2000، اصطدم قارب مليء بالمتفجرات بالباخرة USS كول، وهي سفينة حربية أميركية رست قبالة ميناء عدن، ما أسفر عن مقتل سبعة عشر جندياً. ادّعى AAIA المسؤولية عما حدث، لكن العقل المدبّر الذي كان يقف خلف هذا الهجوم هو عبد الرحيم الناشري، عضو القاعدة السعودي الذي كان رئيس عمليات بن لادن في الخليج. دفع هذا الهجوم باليمن الى دائرة الضوء مجددّا كما في الحالات الحرجة لمعركة الولايات المتحدة ضدّ القاعدة. وكانت السلطات اليمنية وبضغط من الولايات المتحدة، قد اعتقلت عشرات المشتبه بهم، إنما ليس الناشري. وبعد هجوم 9/11 في الولايات المتحدة، وتجنّباً للعزلة السياسية، اضطرّ صالح الى العمل بحزم ضدّ تنظيم القاعدة هناك، ملحقاً بها خسائر فادحة بحلول نهاية العام 2003.

وفي السنة ذاتها، ألهم الغزو الأميركي للعراق جيلاً جديداً من المقاتلين، وهي الموجة الثالثة للجهاد العالمي، والتي طوّرت الفرع اليمني للجهاد وأحيت القاعدة في الجزيرة العربية هناك. وفي شباط عام 2006، تمكّن 23 عنصراً من تنظيم القاعدة من الهرب من سجن صنعاء السياسي. وكان من بينهم ناصر الوحيشي وقاسم الرَّيْمي، ليصبح كلاهما في ما بعد من الأعضاء المؤسسين للقاعدة في جزيرة العرب. وهو حدثٌ ركز اهتمام الولايات المتحدة على البلاد كدولة مواجهة ضدّ تنظيم القاعدة. وفي العام 2007، وبزيادة التمويل من وزارة الدفاع الأميركية لليمن بقيمة 26 مليون دولار بعد أن بلغت 4.3 مليون دولار في العام الذي سبقه. ومع ذلك، وبين عامي 2007 و 2009، تشوّشت العلاقة بين صنعاء وواشنطن، على التوالي، بسبب الصراع مع الحوثيين والحرب في العراق، ما سمح لجيلٍ جديد من القاعدة بالانبثاق برعاية الوحيشي الذي أعاد بناء التنظيم من الصفر. وفي كانون الثاني عام 2009، تمكنت القاعدة في جزيرة العرب من دمج فرعي القاعدة وداعش في اليمن. وقام هذا الفرع بشنّ هجمات كبيرة ضدّ المصالح الغربية والأمن اليمني والمخابرات اليمنية، وخصوصاً في الجنوب.

أما في العام 2011، فكان يُنظر الى القاعدة في جزيرة العرب بوصفها فرعاً خطيراً وفتاكاً من فروع داعش، غير أنّ نفوذه في اليمن لا يزال مقيّداً. سار صالح ثابت الخطى: متمكناً من تحقيق التوازن بين حملة الطائرات الأميركية بدون طيار ضدّ قيادة القاعدة، وبين استياء المواطنين المحليين تجاه ما يُعتبر انتهاكاً فاضحاً للسيادة الوطنية وللخسائر المدنية نتيجة هذه الضربات. شكلت القاعدة في جزيرة العرب عنصراً صغيراً نسبياً من توازن القوى الداخلي، وأصبحت تستخدم من قبل الدولة لكسب الدعم المالي والعسكري من الولايات المتحدة، في حين أنّ الأولوية القصوى بالنسبة للغرب وأكثر بكثير من القاعدة في جزيرة العرب كان نمو القوة اليمنية الحوثية وهي حركة الصحوة في الشمال مبنية على الزيدية، وتشكل نسخة من الإسلام الشيعي ، ذات النزعة الانفصالية في الجنوب والنظام المتزايد الهشاشة في صنعاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى