في مجلس الأمن يُصنع الإرهاب تحت بند «الأمن الجماعي»

سماهر الخطيب

الأمن من وجهة نظرهم هو «أيّة تصرّفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقّه في البقاء». هذا ما ورد على لسان هنري كيسنجر، وعرّفه بوزان باري «بأنّه العمل على التحرُّر من التهديد».

وعليه، فإنّ الأمن هو استخدام الدولة لإمكاناتها المتاحة والمستمدّة من قوتها الداخلية والخارجية والاقتصادية والعسكرية، ومن مختلف المجالات المتوفّرة، لمواجهة كافّة التهديدات الداخلية والخارجية في زمن السِّلم كما في زمن الحرب.

وبما أنّ الحرب والسِّلم حالتان في أساس النظام الدولي، وبما أنّ الأمن لا يمكن فرضه عن طريق الحرب في كثير من الأحيان، كانت عمليّة التسلّح ترتبط بالأمن منذ أقدم العصور، ولا سيّما الأمن الشخصي والجماعي، ولأجل ذلك كانت المادة 51 في ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على حق الدفاع المشروع عن النفس في أيّ وقت ترى فيه الدولة ضرورة لحفظ السِّلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه.

في السِّياق، إنّ ما تواجهه سورية لا يندرج في إطار «الثورة بقصد الإصلاح»، والتي إذا ما دخلنا في موضوعها فإنّه لمجرّد سرد أحداثها التي لم تعد تخفى على الصغير منّا قبل الكبير، فإنّما يبدو جليّاً كون هذه «الثورة» مُفتعلة من قِبل قوى خارجية متحكّمة ومسيطرة على «الشرعيّة الدوليّة»، والتي تُجيز لنفسها ما لا يجوز لغيرها، وحدّث ولا حرج عن سلسلة من الانتهاكات الإنسانيّة بدءاً من هيروشيما وناغازاكي، وختاماً في العراق وغوانتنامو ومروراً بالفيتنام وليبيا وأفغانستان.

وهذا موضوع آخر تلخّصه السياسة الدولية المزدوجة المعايير، والتي تكيل بمكيالين تجاه قضايا دوليّة شرذمتها تلك الازدواجية لتُبهم مصداقيّة شرعيّتها، وتحت مسمّى «نشر مفاهيم الديمقراطيّة» تنتهك سيادة الدول.

وبالعودة إلى ما تواجهه سورية، فما هو إلّا الإرهاب بكلّ معانيه، والذي سُهّلت ويُسِّرت له كلّ السُبل بالحضانة والرعاية الدوليّة ليتفشّى ويتمدّد، وقد تناسى داعمو هذا الإرهاب أنه يشكّل التحدّي الأبرز لما يُعرف بـ«الأمن الجماعي»، كونه عابراً للحدود ويتنقّل من دون أن يفرّق بين دولة وأخرى ولا بين إنسان وآخر، فالكلّ مستهدف.

فأين الاستراتيجية العالمية الموحَّدة لمواجهة هذا التهديد؟ وماذا عن الانفصام الذي تُعاني منه السياسات الدوليّة في التصدّي لظاهرة الإرهاب؟

في هذا الشأن، نستعرض بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بدءاً من القرار 1373 المتعلّق بمكافحة الإرهاب، والذي انبثقت عنه سلسلة من القرارات، منها القرار 2170 الصادر عام 2014 بخصوص «داعش» وعدم تمويل «النصرة» و«القاعدة» الإرهابيَّتَين، والقرار 2178 الذي قال إنّ خطر الإرهاب يتمدّد وباتَ أكثر انتشاراً ودعا الدول إلى تفعيل «التعاون» في مكافحته، وتطرّق إلى استخدام التكنولوجيا في الإرهاب وانتشاره عبرها. وفي العام 2015، صدر القرار 2199 كتأكيد لما سبقه من قرارات وتشريعات تُجرّم الإرهابيّين، كما أنّه تناول موضوع التجارة غير الشرعيّة للنفط وأدان استخدام السلاح الكيماوي بكلّ أشكاله.

ولا ننسى القرار 1540 الذي تقدّمت به روسيا العام 2005، ويشير إلى الامتناع عن تقديم أيّ شكل من أشكال الدعم للجهات غير التابعة للدول، بما في ذلك الأسلحة الكيماويّة ووسائل إيصالها أو حيازتها.

بناءً على ما سبق، إنّ ما طرحه وفد الحكومة السورية إلى جنيف وما أضافه إلى بنود المحادثات ليس بالطرح الجديد حتى يُستهجن ويُرفض من قبل منصّات المعارضة وداعميها، حيث نطق المندوب السوري في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري بالحق ووضع النقاط على الحروف. فالأًجدى بتلك المنصّات، إنْ كانت حقّاً معارضة كما تدّعي وليست بوقاً ناطقاً بما يمليه عليها رُعاتها، لوافقت من دون قيد أو شرط على طرح الوفد الحكومي، ولكان لِزاماً على تلك الدول الراعية أن تلتزم بقرارات مجلس الأمن.

ولكن ما من مجيب، وحتى مجلس الأمن لم يأتِ بما يُلزم بقراراته ولم يورد أي صيغة التزام حرفيّة ضمن قراراته، إنّما أتت تلك القرارات في صياغة تُشير وتُدين وتُعيد تأكيد مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، وبعد كلّ جلسة يصدر قراراً خجولاً يؤكّد فيه ما سبق طرحه في الجلسات السابقة.

إذاً لماذا هذا الخجل؟ ومتى سيُخدش حياء هذا المجلس ويخرج من قوقعة السياسة الأميركيّة المبتذلة؟ ولِمَ التساؤل والبراغماتية الصهيونية تدور في كواليسه!

وبما أنّه يؤكد ويُعيد مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، فإنّ الحلّ يكمن لدى الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات وقرارات على مستوى الأمم، تكون على قدر التحدّيات والتهديدات القائمة بعيداً من المصالح والمقاصد الاستعمارية.

والجدير بالذكر، أنّه حتى الآن لم تتوصّل الأمم إلى تعريف واضح وموحّد للإرهاب، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على مصالح استعمارية، ليس فقط في سورية، بل في كلّ أصقاع الأرض. وهذا ما تثبته تسمية «المعارضة المسلحة المعتدلة»، وهل هناك اعتدال في القتل والإرهاب؟

إنّ الإجراءات التي تقوم بها أميركا وحلفاؤها من تغذية لموارد الإرهاب وتمويله صنعت هشاشة للقانون الدولي، ما انعكس على حياد دول بعَينها وتملصها من المُساءلة حول ما يجري في سورية، لتذرف على مجريات الأحداث دموع التماسيح، وتنسج على طاولة المؤامرات وتبتَدع الدراسات الهُرائيّة الفاقدة للمصداقيّة حول ممارسات إجراميّة تحاول جاهدة نسبها إلى الدولة السورية.

فهل ستكون الدول، كما طرح الجعفري، جدّية في محاربة الإرهاب قبل أن تتمكّن تلك الجماعات من حيازة واستخدام أسلحة الدمار الشامل؟ وعندها تكمن المشكلة الكبرى ويكون الأمن الجماعي في مهبّ الريح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى