أميركا تقلّع شوكها بيدها
جمال الكندي
فجأة ومن دون مقدمات نسمع هذه العبارة تتردّد على مسامعنا هذه الأيام من قبل الغرب ودول المنطقة «داعش» تنظيم يهدّد أمن العالم العربي والغربي وعلى السلم الأهلي في المنطقة وأن ممارساته اللاإنسانية ترجع العالم الى زمن غياب القانون وحكم الغاب. ولكن الغريب هو التوقيت لماذا الآن «داعش» اصبح خطراً واجتمعت الأمم المتحدة وتبنّت قراراً ملزمأً تحت الفصل السابع ضدّه وضدّ من يموّله، «داعش» موجود في سورية منذ أكثر من سنتين وفي العراق منذ سقوط نظام صدام حسين، لماذا الآن انقلبت الدنيا على «داعش»؟ وهو في الأصل صناعة غربية وتمويل خليجي خالص، وهذا أمر معروف، فأغلب المقاتلين من منطقة الخليج وسورية والعراق، وهو كانت تحت سمع ونظر المخابرات الغربية، فما الذي حصل لكي يوحّد أعداء خط المقاومة في المنظفة ضدّ مكوّنهم وفزاعتهم «داعش».
الجواب بسيط ولا يحتاج منا إلا قليل من الذاكرة، والتي سوف تسعفنا لفهم لغز «داعش»، فهو فزاعة وورقة ضغط بأيدي قوى معروفة في المنطقة، تستغله ضدّ خصومها كلما دعت الحاجة وبرضى المحرّك الأميركي. الكلّ يذكر ما فعلته اميركا في القرن الماضي بتحالفها مع الشيطان حسب زعمها لكسر شوكة الاتحاد السوفياتي السابق، وذلك بخلق تنظيم اسمه «القاعدة» يقارع الروس في مناطق نفوذهم، فكانت استراتيجية اميركا هي النوم مع الشيطان القاعدة من اجل الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية في المنطقة، لذلك كانت «القاعدة» مرحباً بها وتوصف بأنها حركة جهادية وتموّل من الغرب والعرب والغاية إضعاف الاتحاد السوفياتي في مناطق نفوذه، وحينما تحقق المُراد أنقلب لقب «المجاهدين» الى إرهابيين بنظر اميركا، وكان لا بدّ من محاربتهم لأنهم الإرهاب بعينه، وطبعاً تبعهم في ذلك أذيال اميركا في المنطقة.
النموذج الثاني وهم قراصنة الصومال كنا نسمع عنهم وكانوا أداة رعب للملاحة البحرية، وحينما انتهى دورهم لم نجدهم في الخريطة، تبخّروا بعد ان تمّت الاستفادة منهم سياسياً واقتصادياً من قبل من أوجدهم.
وهذا «داعش» اليوم يشغل الدنيا بجرائمه، وهو في الأصل كان موجوداً ويلعب دوراً مرسوماً له من قبل صانعيه، في الساحة العراقية والسورية، وجرائمه كانت حاضرة ولكن لا أحد من دعاة الديمقراطية يهتم لما يفعل ما دام يمشي بحسب البوصلة الأميركية في المنطقة.
ففي العراق لم يظهر بهذه القوة إلا بعد قرب حصول المالكي على ولاية برلمانية ثالثة، وهذا بحدّ ذاته يثير تساؤلات عن سرّ التوقيت، لماذا في هذا الوقت بالذات؟ وفي سورية «داعش» موجود بدعم من دول الجوار السوري قبل الانقلاب الأخير عليه لحساب تنظيمات مسلّحة اخرى توصف بـ«المعتدلة»، فدورها في سورية دور تخريبي وهدم للسلم الأهلي. فما الذي تغيّر في المشهد السياسي العام لكي يحارب «داعش» اليوم؟
الذي تغيّر هو الخوف على المصالح الأمريكية في المنطقة، فـ»داعش» تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمت له، ففي العراق سُمح لـ«داعش» ان يدخل جميع الأماكن ويفعل ما تشاء إلا مكان واحد كان مقدساً لدى الأميركان، وهو أربيل كردستان العراق قدس الأقداس بالنسبة لهم، فعلى مدار شهرين من إجرام «داعش» في العراق لم تفعل القوى الغربية وعلى راسها اميركا أيّ شي سوى الكلام والوعود، وعندما اقترب «داعش» ودخل غرفة النوم الخاصة بأميركا في البيت العراقي والتي فيها أسرارها ومصالحها التجارية، أرعد وزمجر المارد الأميركي ضدّ «داعش» وقامت على الفور الطائرات الأميركية بقصف «داعش»، وبدأت وسائل الإعلام التي كانت تصف عناصر «داعش» بحماة الحرية الثائرين ضدّ الظلم والفساد، ليتغيّر ذلك وفق الأمر الأميركي وينقلب المزاج العام ويصبح «داعش» أخطر من تنظيم القاعدة، ولا بدّ من إيجاد حلف لمحاربته والقضاء عليه.
انّ التحالف ضدّ «داعش» في سورية والعراق له أهداف معلنة وأخرى خفية، والغرب ليس جاداً في محاربة «داعش»، لأنّ الدعم المالي والبشري لـ»داعش» معروف المصدر، ولا يوجد قرار حاسم لوقفه ومحاسبة هذا المصدر. ولكن سوف يقلّ هذا الدعم بسبب تخوّف الغرب من هذا الكيان الإرهابي الذي لم يستطع مَن صَنعهُ السيطرة عليه، وخاصة بعد عملية ذبح الصحافيين الأميركيين، والتي كانت ضربة قاسية لأميركا، وأعتقد أنّ «داعش» ما زال فزاعة بيد أميركا، وهي وانْ اعلنت عن تحالف دولي وهو ليس دولياً بل هو حلف اميركي جديد في المنطقة لمحاربة كيان هم صنعوه، ففي العراق يُراد من هذا الحلف احتواء «داعش»، وليس القضاء عليه، فـ»داعش» ما زال ورقة سياسية بيد الأميركان للضغط ضدّ حلفاء إيران في العراق والمنطقة، فكلما كان التنازل منهم، كانت الضربات قوية على «داعش» والعكس صحيح.
وفي سورية هو استنزاف للجرح السوري، فأميركا لا تريد ان تقضي على «داعش» ولا تريد مساعدة الجيش السوري، هذا ما اوضحه اوباما في بيان استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة ضدّ «داعش»، حيث ان أولويات العمل في سورية هي تقوية ما أسماه «المعارضة المسلحة المعتدلة»، والتي قال عنها اوباما نفسه انها لا تقدر على فعل شيء في سورية إزاء قوة الجيش السوري من جهة، وطغيان الحركات الإرهابية التكفيرية من «جبهة النصرة» وغيرها على ما يُسمّى تشكيلات المعارضة، فنجد هنا انّ السياسة الأميركية تجاه سورية في ضياع وغير معروفة المعالم، وهذا ببساطة بسبب العناد والصلف الأميركي وعدم الاعتراف بقوة النظام والجيش السوري، وانّ الأعوام الأربعة لم تؤثر في المشهد السوري، وان القيادة والشعب والجيش زادت لحمتهم اكثر من السابق، وهذا ما يحاول الروس إفهامه للأميركان.
هذا التحالف ضدّ «داعش» في العراق سينجح بسواعد الجيش العراقي وبالتفاف الشعب العراقي بكافة طوائفه حول الجيش العراقي وحكومته الجديدة. اما في سورية فلا بدّ ان يكون هنالك تنسيق مع القيادة السورية وهذا الآن مرفوض من قبل القوى التي أنشأت «داعش» وغيرها، فالمُراد من الأزمة السورية هو إسقاط النظام، و»داعش» وغيره من الحركات المسلحة أدوات لهذا الغرض.
الغرب في ورطة، فهو من كبّر هذا المارد الداعشي الذي خرج من كاتالوج التعليمات التي رسمت له في سورية والعراق، لذا كان لا بدّ من إيجاد تحالف يقلّم أظافر هذا التنظيم. هذا الحلف الجديد لن يكتب له النجاح بسبب استبعاد دول بعينها منه، فيما هي المعنية بمحاربة «داعش» اكثر من غيرها، وفي المقابل هناك في الحلف دول موّلت ودرّبت هذا الإرهاب.
إن الجيش السوري قادر على دحر «داعش» وغيرها بشرط وقف الإمداد البشري والمالي لها ولا يقدر الغرب القضاء على «داعش» في العراق وهو يتنفس في سورية فهذه هي المعادلة الصعبة لدى امريكا والمعضلة التي أوجدتها سياسة امريكا في المنطقة ، فسورية لن ترضى بتدخل العسكري الا بعد التوافق مها وهذا امر معلن لدى الحكومة السورية والقادم من الإيام سوف يظهر لنا مدى تعاون الغرب مع سورية لقضاء على «داعش» ، وما هي الأثمان السياسية المطلوبة وهل سوف يقبل بها النظام السوري ، ونلاحظ ان بعد القرار الأخير لمجلس الأمن زادت الضربات الجوية السورية لمقرات «داعش» في الرقة ودير الزور لان هنالك قرار اممي بمحاربة «داعش» وهذا ما كانت تنتظره سورية غطاء شرعي من قبل مجلس الأمن، وهو قرار مرحب به من القيادة السورية ولو كان متأخراً كثيراً. فأمريكا والغرب اليوم بهذا القرار تقلع شوكها بيدها بعد ما جرحها وألمها والقادم من الأيام سيظهر مدى قوة وفاعلية هذا التحالف بغياب قوى مؤثر فيه ، مثل سورية وإيران وروسيا.