الفن بين الجرأة والابتذال
عبير حمدان
خيط رفيع يفصل بين الجرأة والابتذال يتجاهله البعض عمداً ربما، لأننا شعب لا يدرك المفهوم الحقيقي للحرية المسؤولة ونراها من زاوية ضيقة مرتبطة بإسقاط كل التقاليد والأعراف في القعر.
يُعتبر الفن حالة تعبيرية لمن يمتلك الموهبة الحقيقية سواء في الغناء أو الرقص أو التمثيل أو أي مجال فنيّ قوامه الرقي لإعلاء شأن المجتمع ثقافياً، وأي أداء فني يشكل انعكاساً للبيئة التي تعمل على تصديره للناس، لذا على مَن يتعاطى الفن احترامه بالدرجة الأولى كي يحظى أداؤه باحترام المتلقي.
لا يمكن لأي عمل فني «هابط» أن يجد طريقه للانتشار إن لم يعمل أرباب الإعلام المشبوه على تسويقه. ولا يمكن تبرئة هؤلاء من فرضية المؤامرة الساعية لتدمير العقول بالتسطيح تارة والابتذال تارة، وتهميش كل ما هو جميل على حساب كل ما هو رخيص.
مَن يتحمّل مسؤولية الانحدار الفني والثقافي الذي نعيشه في زمن بات الأداء الغنائي مرتبط بالإيحاء الجسدي وعمليات التجميل، وباتت كلمة الأغنية مجرّدة من الأدب..
قال لي أحد الشعراء الكبار يوماً في معرض التعليق على نص منشور في مجلة ثقافية عريقة، وقد أدّى نشره إلى توقفها عن الصدور لاحقاً، «من السهل أن نكتب لغة مجرّدة من الأدب كي نثير ضجة تساهم في منحنا الشهرة التي نريد، ولكن من الصعب أن نكتب نصاً أدبياً راقياً يمنحنا المكانة التي تليق بنا وبأدبنا وتبقى نصوصنا خالدة في ذاكرة الناس».
وكما النص الأدبيّ الجيد يبقى مرجعاً لكل مَن يتعاطى الأدب ويتذوّقه، كذلك فن الغناء الأصيل يبقى منهلاً للجيل الذي يغنّي بحنجرته وليس بتلاوين أزيائه.
المطلوب أن يخرج بعض الإعلام من دائرة «الأنا» ويتوقف عن تصدير «الزعماء» الذين يظنّون لاحقاً أنهم رقم صعب في المعادلة الاجتماعية فيعملون على تسويق منتوجهم السيئ من دون حسيب أو رقيب، ثم يصبحون خبراً رئيساً في مطلع نشرة أخبار من المفترض أن تكون سياسية، وبالتالي يصبح لديهم مؤيدون متعاطفون مع «حريتهم» في التعبير عن رؤيتهم الفنية «المدمّرة».