بين قانون الانتخاب و«الحفاظ» على الحريري ماذا تفضّل المملكة؟
روزانا رمّال
تبقى مسألة التخفّي وراء الشكليات في الحياة السياسية اللبنانية بين مجاملات وترفّع عن قول الحقائق التي تعتبر سهماً مصوباً نحو العملية الديمقراطية من السياسيين أنفسهم أبعد من أن تمثل الصيغة التي تحكم البلاد منذ ما بعد اتفاق الطائف، خصوصاً لجهة ما يتعلق بتحديد مواقع وهويات الرئاسات الثلاث الاولى التي باتت تناط بكل ما له علاقة بالتوازنات الكبرى التي يعتبر لبنان أحد أبرز عناصرها في المنطقة.
أبعد من الشروط التي توضع على مسألة انتقاء شكل هوية قانون الانتخاب المزمع إنتاجه هي مسألة إعادة الحسابات القادرة على الإبقاء على معادلة التوافق ذاتها التي تحفظ للرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة. وهو الأمر الذي يتطلب بهذا الإطار تنازلات يدرك الحريري مدى حرجه في التمسك بمواقف وأطر تضع علامات استفهام عند الأفرقاء وتقلّص حظوظه في رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات، لكن الأبعد من خيارات الحريري وحساباته التي تؤكد مصادره عدم إخضاعها لمبدأ المقايضات هي حسابات المملكة العربية السعودية حليفة الحريري.
تقدّم الوزير السعودي تامر السبهان نحو لبنان بزيارتين تحملان مؤشرات العناية السعودية الفائقة بالملف اللبناني واللافت أن تواجده في لبنان كان قبل ساعات من انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وكشفت المعلومات حينها أن زيارته كانت تتوخى إقناع المستقبليين الذين وجدوا بخيارات الحريري انتقالاً من ضفة الى ضفة لا تتناسب مع التموضع الإقليمي للمستقبل، فكانت زيارة التطمين من السبهان التي تحمل ضمنياً الايعاز السعودي الكبير بالقبول والتقدّم نحو المرحلة الجديدة «بأمان». فمقبل الأيام يحمل أكثر من تطوّر سياسي سيأخذ المملكة نحو خطوات باتت اليوم واقعاً ملموساً بعدما زار وزير خارجيتها عادل الجبير العراق بعد قطيعة أكثر من 14 عاماً.
تدرك المملكة العربية السعودية التي أظهرت اهتماماً واضحاً بعهد العماد ميشال عون بداية أن حكومة الرئيس سعد الحريري التي ابصرت النور وفقاً لمقايضة واضحة المعالم مع حزب الله حليف إيران والمستقبل حليف السعودية، أن الحريري جاء ليتسلّم حكومة تشرف على الانتخابات النيابية، أي أن عودته من البوابة الكبرى تحمل ضمنياً مهمة تعزيز شعبيّته وتمكينها بوجه الأطراف السنية التي كشفت عن ظهير شعبي لا بأس فيه، أبرزها حيثية يمثلها الوزير السابق أشرف ريفي تعاطى معها الحريري ببعض الاستسهال حتى لحظة المفاجأة الكبرى بالانتخابات البلدية في طرابلس، حيث تمكّن ريفي من تخطي تحالف البيوتات السياسية الكبرى من آل كرامي وميقاتي اللذين تحالفا مع الحريري.
كل هذا يعني أن مهمة تعزيز الشعبية الحريرية وإنتاج قانون انتخابي هو ممر للحفاظ على وجود الحريري في لبنان كأساس لتموضع سعودي وسط عهد مفعم بمؤشرات قد تسمح بسيطرة حزب الله وحلفائه على زمام الأمور. أرسلت المملكة إشارات سابقة ضمنية كشفت فيها بالتوازي مع بداية الأزمة السورية وتأثيراتها على الدورة السياسية اللبنانية ان الحريري لم يعد أكبر اهتماماتها، فهي ساهمت بتعريته امام أخصامه وإعلان إفلاسه وإغلاق بعض شركاته وتهديد أخرى كما ساهمت بتشريد موظفي آل الحريري عبر قطع موارد الدعم، وهي كلّها إشارات سلبية حول عدم توفر نيات بأن الرياض تنوي الحفاظ على سعد الحريري وريثاً سياسياً لأبيه، خصوصاً بعد تسلّم الملك سلمان السلطة، وهي الفترة التي تراجعت فيها آمال وأحوال الحريري نسبة للمكانة الوازنة التي كان يحيطه بها الملك الراحل عبدالله.
أدركت الرياض فجأة أن الحريري بات «رمز» حضورها في لبنان ومؤشراً على ثقلها بمكان ما وأن غيابه يعني إضعاف أوراقها، وهي الأوراق السنية الكبرى في لبنان. وعلى هذا الأساس تؤسس لعودة الحريري للحفاظ على هذه القاعدة السنية انتخابياً وإذا كان هذا سبباً إضافياً للمملكة العربية السعودية للتمسّك بالحريري، فإن السبب الأهم بنظر الحريري هو البقاء رئيساً للحكومة، وإذا كان لهذا ثمن فبالتأكيد وحده الحريري المعني فيه محلياً.
لكن هذا الثمن هو أحد البديهيات التي ستكشف عنها الأيام المقبلة التي ستحمل مساحة درس وتخطيط وتفصيل لقانون انتخاب تبدو النسخة المختلطة منه الأوفر حظاً حتى اللحظة، ويبدو فيها الحريري واحداً من الأطراف التي باتت ليّنة باتجاهه، لكنها كشفت عن نقطة أساسية تمحورت بقبول دوائر المستقبل بالسير بقانون انتخاب وفق النسبية الكاملة، بعدما تبيّن للحريري أنه قادر على كسب مقاعد إضافية من مناطق كعرسال وشبعا جنوب لبنان، ما يُضاف إلى سلاسة يُبديها الحريري هي نفسها تلك السلاسة التي أبداها في تشكيل الحكومة اللبنانية فبدا المشهد «طوباوياً» لناحية التوافقات الطاغية.
الثمن المفترض والسلاسة المعمول بها هما أحد أكثر الملفات القادرة على كشف النيات السعودية باتجاه مرحلة ما بعد الانتخابات، أي باتجاه تبنّي عائلة الحريري للسنوات المقبلة، فإذا حصل وجرت ممانعة او عرقلة إنتاج قانون توافقي يحفظ التوازنات فإن هذا سيكون اكبر المؤشرات على الأخطار على مستقبل الحريري السياسي. على هذا الاساس ستجد المملكة العربية السعودية نفسها مجبرة على التعاون بشكل غير مباشر مع حزب الله لاختيار قانون انتخاب يحفظ ممثليها في لبنان ويرضي بقية الاطراف من اجل التأكد من عودة الحريري رئيسا للحكومة. وهنا رجحت مصادر مطلعة لـ»البناء» ان مهمة الوزير السعودي تامر السبهان بزيارته الاخيرة لبيروت التي استبقي فيها لأيام تناولت الملف الانتخابي و«شدشدة» الهمم المستقبلية مجدداً نحو مرونة في قانون الانتخاب على غرار تلك التي جرت عشية انتخاب عون.