هل كان الحوار سورياً سورياً في جنيف؟
جمال محسن العفلق
ذهب الوفد الحكومي الى مباحثات جنيف، والمفترض أن يكون اللقاء فيها سورياً سورياً من دون قيود او شروط مسبقة، وانتظر جزء من الشعب السوري أن يكون هذا المؤتمر هو نقطة تحول حقيقية لنقل الصراع المسلح الى طاولة التفاوض السلمي، خصوصاً بعد نجاح لقاء استانة الذي أوقف او أدخل الكثير من الجبهات الساخنة في هدنة تضمن لجميع الاطراف الحق في ترتيب اوراقها ولم يشمل بالطبع الجماعات الإرهابية والتي ثبت انها هي المسيطرة على ساحة الطرف الآخر، بل والمتحكمة في تصريحاته وحركاته وسكناته، تلك الجماعات المموّلة من دول تدّعي أنها داعمة لمؤتمر جنيف.
وخلال المؤتمر ومن خلال تصريحات المنصات ، حسب التسمية الجديدة للمعارضات المتنوعة والمتعددة والتي ابتلى بها الشعب السوري، نجد أن الحوار لم يكن سورياً سورياً، كما يجب أن يكون ولم يرتقِ للحد الأدنى من طموح الشعب السوري، وطبعاً كانت منصة الرياض المتقدمة دائماً في التعبير عن الانقياد والتبعية للخارج، فما طرحته تلك المنصة من خلال الإعلام ومن خلال نشراتها اليومية، لا يدع مجالاً للشك بأنّ مشغلي تلك المنصة لا يعنيهم السلام في سورية بشيء واستمرار الحرب والقتل بالنسبة لهم هو أمر مطلوب فوضع الشروط وإعلان مطالب أكل الدهر عليها وشرب هما عملية تعقيد وتدمير لكلّ مبادرة سلام. ولم يكن الأمر مقتصراً على منصة الرياض، فممثل الأمم المتحدة دي ميستورا كان واضحاً في انحيازه للجماعات الإرهابية ولم يرتق إلى مستوى دوره كوسيط أمميّ.
فمن خلال هذه المعطيات البسيطة نجد أن المؤتمر لم يكن حواراً سورياً سورياً بقدر ما كان محاولة حوار سوري إقليمي ودولي، كان للدول المشغّلة للمعارضات اليد العليا على الوفود السورية وأقصد هنا المعارضة، فالوفد الحكومي كان واضحاً في أوراقه كلها وما إضافة الوفد الحكومي على ورقة دي ميستورا وتلك الإضافة التي رفضتها المعارضات السورية أو جزء منها تتحدّث عن محاربة الإرهاب. وهذا ما أثار حفيظة منصة الرياض فكلمة محاربة الإرهاب سوف تشمل أعضاء من وفدها بل أكثر أعضاء وفد الرياض وغيرهم مما يُسمّى ائتلاف الدوحة الخائن.
هذا التعقيد الإقليمي والدولي هو أمر مقصود، فالكيان الصهيوني يعمل على تنفيذ مشروع تقسيم سورية ويدعم الجماعات الإرهابية، والدول الداعمة للإرهاب تدعم ما يُسمّى ائتلاف الدوحة ومنصة الرياض المنبثقة عنه لإطالة الحرب على الشعب السوري، ولن يكون هناك أفضل من جيوب الخيانه التي انتشرت في الشمال والجنوب، لتنفيذ هذا الأمر تلك الجيوب والقطعان التي تستمدّ وجودها من دعم أميركي وفرنسي وعربي بالإضافة للدور الصهيوني.
الحوار السوري السوري ليس قريباً كما كنا نتوقع، رغم الإيجابية في بعض التصريحات، ويعود السبب في بُعد هذا الحوار هو وجود الاطراف التي تغذي فكرة الطائفية وتدّعي انها حريصة على الوطن، ولكن من بوابة الطائفية والتقسيم وما يحدث اليوم في الشمال برعاية أميركية وتركية هو دليل على سعي تلك الأطراف على استنزاف سورية وشعبها، وبعد ست سنوات من الحرب ما زال الجيش السوري يعطّل مشروع التقسيم ويحقق الانتصارات في مواقع افترض اعداء سورية أنها أصبحت لهم. فخبر تحرير مدينة تدمر لم يكن بالخبر الذي انتظرته منصة الرياض والمعارضات التي في فلكها، ومعارك الباب وتمدّد الجيش باتجاه النقاط الحدودية ليس بالأمر الجيد بالنسبة لصبيان أردوغان.
واليوم ومع اقتراب الذكرى السادسة للعدوان الدولي والإقليمي على سورية نجد أنّ الطريق الوحيد لإحلال السلام والأمن لسورية وشعبها لا يمرّ إلا من طريق واحد هو اجتثاث الإرهاب وضرب معاقله كلها، فلا يمكن بعد هذه التضحيات كلّها أن نترك لمنصات الإرهاب ايّ مساحة من الحرية ليستخدموها في ضرب الشعب السوري، فنحن لسنا مجموعة مكوّنات انما نحن شعب واحد، شركاء في الوطن، وشركاء في الدم والتضحيات، ومؤتمر جنيف الأخير وما سبقه من مؤتمرات هدفها إعطاء الشرعية لمن ليس له شرعية او وجود على الأرض. قد يعتبر البعض هذا تطرفاً او إلغاء للآخر، وقد تعتبر دول انّ مثل هذا الرأي هدفه الإقصاء، ولكن الواقع يقول مَن يقبل في بلده ان تتحكم به مجموعات وقطعان إرهابية لا هدف ولا عقيدة لديها إنما هي أدوات تنفذ التخريب والتدمير متى أتتها الأوامر.
لقد مللنا المؤتمرات الدولية ولا نؤمن إلا بمؤتمر واحد، وهو المؤتمر الذي يطالب به الشعب السوري ليل نهار. مؤتمر وطني في دمشق العاصمة، مؤتمر تجلس فيه الأطراف المعارضة كلها بصفتها أطرافاً وطنية تريد وقف حمام الدم والبدء بالإعمار. مؤتمر يتحدث عن اللاجئين السوريين في مخيمات الذلّ. مؤتمر يعيد الأسر السورية كلّها الى بيوتها ويلملم جراح الحرب. فالمؤتمرات الدولية كلها ليست اكثر من مؤامرات لقتل هذا الشعب. نعم سنبقى نشدّد على موقف الحكومة الرسمي، ما دام هذا الموقف عنوانه محاربة الارهاب واجتثاثه. ومن حق السوريين اليوم اللجوء الى القضاء السوري والدولي لرفع الدعاوى والمطالبة بالقصاص من الذين دعموا وموّلوا الإرهاب تحت اسم معارضة سورية. ومن حق الشعب السوري المطالبة بالقصاص من تجار الدم والسلاح ومروّجي المخدرات الذين عبروا الحدود وبدعم من الدول الإقليمية. قالوا عن سورية سابقاً إنها من حلف الشرّ فصدقهم المراهقون السياسيون وساروا خلف هذا الشعار من دون فهم او ادراك ان الدفاع عن سيادة الوطن حق مشروع تضمّنته الكتب السماوية والقوانين الإنسانية كلها. فكم هو مخجل ان نسمع تصريحاً لمعارض او إعلامي يردّد هذا الكلام وكأنّ من أطلق هذا الاسم علينا هو الخير المطلق، ونسي من سار خلف هذا الشعار انّ اميركا هي رأس الشر في هذا العالم.
لم يكن الحوار سورياً سورياً في جنيف، ولكنه سيكون عندما يعود مَن يفهم قيمة الوطن الى دمشق.