الجمال الكونيّ اللامتناهي في تجربة الشاعرة مادونا عسكر

عبد الرحمن الخليفة

الحبّ:

لحظة هيام إلهيّ

اعتصار قلب السماء

في تيه الخفقان

دمعة ظمأ

تهوي في برّية الحلم

تفجّر رذاذ البسمات!

إنّ الحالة التي تحوّل اللغة إلى شعور، صورة مجرّدة له، لكائن أو معنى تمثل أقصى مدى للرؤية المدركة. كذلك القيمة الوجدانية التي تساهم في تعريف الإنسان خلال معطى وجوديّ مهمّ في سياق تجاوز المعرفة إلى المعايشة الواعية لحيّز زمنيّ فحواه صوغ جمالية تستنطق العقل والشعور الإنسانيين. هو أمر يحتاج إلى العمق، الصدق والخلفية المعرفية، إضافة إلى الرؤية من زاوية منصفة، متجرّدة ومنفتحة على التعبير عن تلك المشاعر التي من الصعب أن تمضي كتيّار واحد في الوعي. وبهذا، تكون تجربة الشاعرة والكاتبة اللبنانية مادونا عسكر قد وصلت إلى النضج الكامل عبر رسوخ الإيمان بالمعاني التي تستنطقها وتجسّدها مرتبطة بقيمة كلّية تمثل غاية الوجود الإنساني.

هذه الأنا المتّشحة بك

لو تلاشى نبضها

في سلام الأزرق الشاسع!

عدد من الصور المرتبطة بتجلّي الإنسان على فضاء الحقيقة، متحرّراً من كل نقائصه وشحّه الذي تؤطّره حاجاته الذاتية، وتشوّش نظرته لهذا الوجود الممتد خارج إطارها بما يفوق أيّ معالجة تعبيرية، في حدود ما تصل إليه معاني اللغة التي تعجز عن كتابة مدى جماليّ تسبح خلاله روح أدركت غايتها، وعلاقتها بمكوّنات مفتوحة على مدى اتّساع معنى الخير والسلام، الذي يمثّل نبضاً غايته التناغم والانسجام يتيحان للإنسان التعرّف إلى معطياته الجوهرية بذاته، وعبر محيطه خلال المحبّة الخالصة، والتقدير للقيمة الإنسانية التي يحملها. ثم تأمل الجمال الكامن في زوايا الكون الفسيح، إشراقه بما يمثّل لحظة صفاء كونيّ تحمل وعياً عميقاً بالوجود البشري في أعلى وأمثل حالاته اطلاقاً، بدعوتها الرحيمة للآخر على الفضاء النوراني ذاته بما يحمله من مناجاة فلسفية بين المعنى وصانعه الذي يقدّم نفسه متلقّياً لإلهام توفّرت له خلفية معرفية استطاعت احتواءه، وقدرة تحليلية مكّنت من تفسيره والتعبير عنه.

منذ تسامي السحاب

سكنت كلمتك

تناهى مداد الروح

إلى إصغائي

في هياكل العشق!

من أهم ما يميّز الكاتبة والشاعرة مادونا عسكر، تلك المفردات الموسيقية المنتقاة بشكل يمثّل جسراً بين التركيبة اللفظية والوعي الوجداني أو الشعوري والصورة العقلية الكلّية، لدرجة تجعلها تبلغ مداها بشكل مميّز وغير مسبوق على الأقل خلال ما التمسته من قراءاتي السابقة. وهي خاصّية تجعل من هذا الشعر مرجعاً إنسانياً في ما يخصّ ارتباط النفس البشرية وعلاقاتها في الحالة الكونية التي هي جزء منها، ويجب إدراكها في سياقها، ما يجعل التقييم والإشارة إلى مدلولات هذا العمل الكبير الذي قدّمته وتقدّمه يحتاج إلى وقفات عدّة ومن زوايا مختلفة باتّساع المدى الذي وصلت إليه، وهذا ما نرجوه من كلّ المهتمين بأمر الشعر المعاصر إلى تأملها بالنسق ذاته الذي شكّلها وفي السياق الذي تنحو نحوه. فهذا هو المدى الذي يساعد في استكشاف جماليات معاني هذه التجربة الشاملة، الممتدة عبر رؤى متداخلة وعميقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى