قمة عمان… ظروفها ومدى المراهنة عليها
محمد شريف الجيوسي
تنعقد القمة العربية في العاصمة الأرنية عمّان، أواخر شهر آذار الحالي، في ظروف مختلفة عن سابقاتها منذ سنة 2011 وما قبلها.. حيث هيمنت دول الخليج على قراراتها خلال السنوات الست الأخيرة، بخاصة تجاه سورية وليبيا واليمن، فشهدت المنطقة العربية حالة من الفوضى والتفكك وسقوط التضامن العربي.
لكن جملة ظروف إقليمية ودولية ستجعل أو هكذا يفترض قمة عمّان العربية مختلفة تماماً، حيث فشلت مشاريع الرجعية العربية والعثمانية المتحالفة مع أميركا وصنائعها في المجمل، رغم حجم التضحيات الهائلة في البشر والمقدرات، وما تركت من شروخ… وقد تجلى الفشل على الأرض عسكرياً وفي السياسة، وفي ظهور وتكريس تحالفات جديدة، وفي اكتساب خبرات متنوّعة في السياسة والاقتصاد والحرب وفي إدارة الأزمات.
كما تجلى فشل التحالف الرجعي الأميركي، في تعرّي مشروعهم من أدوات وممارسات إرهابية، وأيديولوجيا متخلفة تكفيرية إرهابية مذهبية طائفية عنصرية جهالية ظلامية.. ودموية، ما أفقد هذه الجماعات والمشروع بطانات حاضنة خدعت به ابتداء.
وتراجع الدور الأميركي والغربي عالمياً، جراء فشل هذا المشروع، وتراجعت أميركا اقتصادياً وظهرت أزمات اقتصادية في أوروبا، في حين نمت اقتصاديات دول خارج هذا التحالف كروسيا الاتحادية والصين الشعبية وإيران الإسلامية والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها.
فيما وقعت دول الرجعية العربية في أزمات اقتصادية، وتراجع اقتصاد تركيا العثمانية الضالعة في الحرب على سورية والعراق وليبيا.
وبدا التحالف الروسي الإيراني الصيني السوري، قوياً، فيما ظهرت بين أطراف التحالف الآخر شوائب وتناقضات، وبعض أطرافه كتركيا باتت تضع ساقاً في التحالف الأميركي وأخرى بفضل الديبلوماسية الروسية في التحالف الآخر، ويوجد المزيد كتركيا، فيما لم تف أطراف خليجية وغير خليجية بالتزاماتها تجاه دول في التحالفين الأميركي والسعودي.
وتعيش «إسرائيل» حالة رعب من المقاومة اللبنانية لِمَا باتت تمتلك من عناصر قوة مدركة، رغم انشغالها في حماية خاصرتها السورية، وقد عرّت الخدمات اللوجستية والطبية التي تقدّمها تل أبيب للعصابات الإرهابية في المناطق المتاخمة للجولان السوري المحتلّ، هذه العصابات وغاياتها غير الوطنية، الأمر الذي عرّى التحالف وأفقده ايّ تعاطف شعبي عربي محتمل.
وخلال سنوات الأزمة ورغم حصار استمرّ نحو 12 سنة لإيران، فقد اضطرت دول 5 + 1 الى عقد اتفاق معها، كان بعامة لصالحها، وقد شكل الاتفاق صدمة لأطراف خليجية وخلق نوعاً من التوتر المحدود بينها وواشنطن، وانقلب سلاح النفط الذي سعت وأميركا لاستخدامه ضدّ روسيا وإيران وفنزويلا الى سلاح موجع لها بالذات.
ولم تتمكّن أوروبا من استخدام أوكرانيا كسلاح فاعل ضدّ روسيا، فاستعادت الأخيرة شبه جزيرة القرم، كما لم توفق أوروبا بمقايضة أوكرانيا بسورية، وتعمّق الوجود الروسي في سورية على نحو فاعل لم يكن وارداً في حسابات الغرب.
وسقطت محاولات إضفاء الطابع المذهبي الطائفي على الأزمة السورية بدخول تركيا السنية في تحالف مع روسيا وإيران، ومشاركة قواتها في الشمال السوري وقبول تصنيف جماعات تابعة لها كمعارضة غير إرهابية، وإشراكها وجماعات تابعة لها في محادثات أستانة.
وأخيراً طالب العراق باستعادة سورية لمقعدها في جامعة الدول العربية، كما تحدثت مصادر عن جهود أردنية مصرية في هذا الاتجاه، ويتوقع أن تتضمّ الجزائر لهذا الاتجاه، كدولة ذات ثقل مهمّ وفاعل.
وهكذا فقد بات الوضع الإقليمي والدولي مختلفاً عنه في سنوات الأزمة السبع، كما هو مختلف عنه في سنوات ما قبلها،
ومن هنا يفترض أن تختلف القمة العربية المقبلة عن سائر القمم السابقة عليها، وأن تؤسّس ربما لبداية جديدة.. وإنْ كانت ستعقد في غياب سورية والرئيس الجزائري بوتفليقة، وفي غياب تمثيل حقيقي لليمن وبوجود دول مفككة كالصومال وليبيا، ما قد يجعل الكفة مائلة للخليج ودول صغيرة كجزر القمر وجيبوتي ولبنان و فلسطين ، وفقيرة كموريتانيا وصديقة للخليج كالمغرب والأردن، وهكذا تكون المراهنة على مصر والعراق وتونس وربما السودان.
وتبقى المراهنة على القمة كمراهنة الغريق على النجاة، فمؤسسة القمة وجامعة الدول العربية لم تقدّم الكثير، ولا هي حتى خدمت أنظمتها فكثيراً ما تآمرت عليها، كما حدث عندما احتلّ التحالف الأميركي البريطاني العراق، سنة 2003، حيث تخلّت عن الدولة العراقية وساندت موضوعياً سلطة الاحتلال، ومنحت الناتو فرصة التدخل في ليبيا، وساندت الحرب الكونية على سورية وجمّدت عضويتها في الجامعة، ولم تقدّم شيئاً ذا بال للدول الأعضاء الفقيرة فيها ولم تتحوّل الى قوة فاعلة على الصعيد الدولي سواء عسكرياً او اقتصادياً أو ثقافياً أو تكنولوجيا أو غير ذلك.
وفي القمة المقبلة ليس مطلوباً أن تتحوّل القمة أو الجامعة، إلى قوة خارقة على أيّ صعيد مما سبق، ولكن المطلوب منها وقف النزيف العربي ودرء المخاطر التي تواجه الأمة ومحاربة الجماعات الإرهابية بوقف دعمها وتمويلها وتسليحها وتدريبها ووقف تجنيد وتمرير الإرهابيين ووقف تغطيتهم إعلامياً وسياسياً وديبلوماسياً في كلّ من سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس والجزائر وكلّ بلد عربي.
كما مطلوب من القمة إعادة الحق إلى نصابه، باستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية، وعدم تمرير الانزياحات غير الدقيقة في غير بلد عربي لجماعة دون أخرى، بناء لأجندات غير موضوعية هي أقرب للجماعات الإرهابية منها الأنظمة السياسية، وإنما العمل الجادّ لتمكين دول كالصومال من التحوّل من دولة فاشلة إلى دولة حقيقية على كلّ أراضيها الوطنية، وتسخير المال العربي في خدمة الشعب العربي في كلّ أقطاره لا في بث الفتن وتقويض عرى الأمة وتمزيقها، وشنّ الحروب ولا في ابتياع المشاريع الفاشلة في الغرب، وإنما الاستثمار في العالم العربي الكبير، وإيداع المال العربي في المصارف المركزية العربية.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk