مأزق واشنطن في سورية
ناصر قنديل
– تعرف واشنطن في عمق مراكز صناعة القرار لديها، أن الرهان على بناء جسم مقاتل للمعارضة السورية خارج نطاق متفرعات التطرف التي تمثل النصرة وداعش نماذجها، هو استحالة وفانتازيا بالفعل، كما سبق ووصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
– إن بناء قوة مقاتلة وازنة، يعني أن تستقطب شريحة حقيقية ذات امتداد أفقي في المجتمع السوري، لحساب قضية تستحق المعاناة والتضحية وصولاً لبذل الأرواح رخيصة لأجلها، وهذا يعني في الواقع السوري، إدراك أن نمو القوى المتطرفة على حساب تشكيلات المعارضة الأخرى، لم يحدث من فراغ، بل جاء كنتيجة طبيعية لمنطق الحرب وخنادق الصراع.
– من أولى بديهيات الصراعات الوجودية والحاسمة، أنها لا تحتمل مكاناً لقوى ثالثة، فالطرفان الأشد جذرية في التعبير عن قضية الصراع يتوزعان الناس حول خنادقهما وتضمحل فيهما التلاوين التفصيلية تحت سقفها العريض، والقضية الوحيدة القابلة للصرف في العداء للدولة السورية حتى إسقاطها، ورفض دعوات الحوار معها لأجل طلب إصلاح أو تغيير، هي قضية التكفير الديني والتطرف المذهبي، فكيف تستوي الديمقراطية عنواناً والسعودية حليفاً، والحرية عنواناً وقطر سيداً، والعروبة مضموناً وتركيا مرجعاً، والجولان هدفاً و«إسرائيل» مشفى، والاستقلال الوطني محوراً وأميركا وفرنسا حضناً دافئاً، لذلك تبقى القضية الوحيدة القادرة على الاستقطاب على توحشها وظلاميتها، هي القضية التي يرفع لواءها الدواعش ومن مثلهم، ويتفتت سائر مكونات المعارضة للتوزع بينها وبين العائدين لحضن الدولة، على رغم الخلاف هنا أو هناك بحثاً عن أصل المشروع.
– التجربة الليبية تقول إن جيوش المرتزقة لا تخوض حروباً، وانهيار ثلاث فرق من الجيش العراقي أمام داعش يقول النتيجة نفسها أيضاً، وما يتقابل في سورية عقيدتان، عقيدة الدولة الوطنية بمشروعها القومي، وعقيدة الإمارات الدينية والحروب التطهيرية على أساس التكفير، فهل هناك مجال لخندق ثالث بينهما؟ هل ثمة مكان لخندق يقول لا للتكفير ولا للدولة الوطنية؟ إن قال نعم للدولة الوطنية لكن على أساس مغاير وسياسات أخرى، سيكون الجواب البسيط نحمي الدولة الوطنية وبعدها نختلف على المضامين، وربما نحلها بالحوار، هذا قبل أن تسأل الناس، وعن أي مضامين تتحدثون وأنتم تجلسون في الحضن السعودي لتبشروا بالديمقراطية؟ وإن كان المشروع لا للإمارة صار الجواب البسيط تعالوا إلى حيث تقاتل الإمارة فعلاً وبعدها نختلف، ولذلك كلما بدا أن المعارضة التي يتحدث عنها الأميركيون في الفانتازيا التي يريدونها واقعاً، تجمع بضع مئات من المقاتلين وتزجهم بعد تدريبهم وتسليحهم في خط قتال، لا يكاد يمضي وقت بسيط حتى يصبحون مجرد دواعش، أو يفاوضون على تسوية أوضاعهم مع دولتهم.
– الموجود في سورية ليس نية الدولة بتخيير الغير بينها وبين داعش والنصرة، بل الموجود فعلاً إما خندق الدولة أو خندق داعش والنصرة، ويعرف الأميركيون أن إضعاف داعش والنصرة سيعني ربحاً صافياً للدولة وجيشها، وأن إضعاف الدولة والجيش كما في السابق، أديا إلى تحقيق أرباح صافية لداعش والنصرة، والتجربة عمرها ثلاث سنوات، يوم كان للمعارضة كتائب وألوية، ولم تكن لا النصرة ولا داعش، ووضع الأميركيون وحلفاؤهم كل ثقلهم لإضعاف الدولة وجيشها، فمن ربح؟ المعارضة المعتدلة أم داعش والنصرة؟
– لو راهن الأميركيون على الضربات الجوية لضرب داعش والنصرة، وتمرير بضعة آلاف ممن جندوهم ودربوهم ومولوهم تحت عنوان معارضتهم «المعتدلة»، فسوف يجدون أن هذه الوحدات ستسقط أمام الجيش السوري، أو أنها ستنضم لداعش والنصرة، أو مسمى جديد كخراسان أو شيء يولد من غيب المولدين، لذلك عندما قررت أميركا الضربات المؤذية لداعش والنصرة وبدأت بالتنفيذ، كانت أولى النتائج بعيداً عن الرقة ودير الزور، بدخول الجيش السوري إلى عدرا، والاقتراب من تطهير ريف دمشق من كل مفردات المجموعات المسلحة.
– مأزق أميركا أنها تعرف ذلك، ولا تريد الاعتراف، أو أنها تعرف ضمناً أن نتيجة حربها على داعش تقريب ساعة النصر للدولة السورية، وتريد المشاركة بهذا النصر، أو أنها تعرف ما تعرف، ولا تريد خسارة حلفائها العرب، الذين يعمي أبصارهم وبصائرهم حقد أسود، فتتركهم يصدمون رأسهم بالجدار ويكتشفون النتيجة ويتفاجأون.