مقولتا الضعف والحياد … ويتبعهما الناؤون

معن حمية

المشتغلون في السياسة اللبنانية، أحزاباً وقوى، شخصيات ومرجعيات، يُقرّون ويعترفون بوجود أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية إلخ…، ويعرفون ضمناً أنّ عمر هذه الأزمات من عمر النظام الطائفي الذي تأسّس منذ ثلاثة أرباع القرن. وأنه على مرّ عقود من الزمن أثقلت الأزمات كاهل اللبنانيين، فوضعت مَن وضعت في فقر مدقع، وهجّرت مَن هجّرت إلى أصقاع الأرض كلها. لكن برغم كلّ ذلك، لم نرَ من هؤلاء استخداماً لخطاب التيئيس…

وحين أطلق أنطون سعاده برنامجاً إنقاذياً إصلاحياً للبنان، استخدم النظام الطائفي عناصر قوته كلها مرتكباً جريمة العصر باغتيال سعاده، بذريعة الدفاع عن الكيان!

منذ تأسيسه، برع النظام الطائفي في استخدام عناصر قوته، وحصر هذا الاستخدام لإعادة إنتاج ذاته، واستثناءً حين ارتكب جريمة اغتيال سعاده، في حالة قمع واضطهاد وتنكيل داخلي.

وعليه، فإنّ سياسة «النأي بالنفس» حيال المخاطر الكبرى، هي من موروث النظام الطائفي اللبناني. لذلك يبطل العجب حين نسمع بعض الذين يشتغلون في السياسة، يدافعون عن موروث «النأي بالنفس»، لأنهم على علاقة عضوية مع هذا النظام الطائفي وهم جزء من بنيته وتركيبته.

في ما مضى لم يكن أصحاب مقولة «قوة لبنان في ضعفه» يطلقون مقولتهم من فراغ، فهم يعرفون جيداً أنّ النظام الطائفي ـ وهم جزء منه ـ تأسّس بإرادة أجنبية، وأنّ وظائف هذا النظام، تقتصر على تنظيم النزاعات والمحاصصات الطائفية والمذهبية، ليست وظائف دولة تدافع عن لبنان، بدليل أنّ العدو «الإسرائيلي» نفذ عملية إنزال في مطار بيروت الدولي عام 1968، ودمّر الطائرات اللبنانية كلها من دون أيّ مواجهة.

ما هو مؤكد أنّ مقولة «قوة لبنان في ضعفه» استهدفت تيئيس اللبنانيين من مجرد التفكير بمقاومة جدّية ضدّ «إسرائيل». وقد كابد لبنان نتيجة هذه الثقافة البائدة، اعتداءات صهيونية متواصلة واجتياحين متتاليين واحتلال العاصمة بيروت، وعشرات المجازر بحق اللبنانيين، وصولاً إلى الإتيان برئيس للجمهورية على ظهر الدبابة «الإسرائيلية»، وتوقيع اتفاق 17 أيار الخياني.

لو أنّ اللبنانيين استسلموا لمقولات التيئيس، لما نشأت مقاومة هزمت الاحتلال، ولكان لبنان لا يزال إلى اليوم، محكوماً بمفاعيل الاجتياح «الإسرائيلي».

هنا يصبح السؤال مشروعاً، لماذا العزف على وتر مقولة «النأي»، ما دامت محاولات التيئيس قد فشلت، وصار في لبنان مقاومة قوية ومقتدرة؟

ثمة أمر واحد خطير، من وراء ذلك، وهو تجديد أوراق اعتماد النظام الطائفي لدى مؤسّسيه، على قاعدة «القوة في الضعف» و«الحياد» و«النأي بالنفس» بمواجهة ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.

لذا، المطلوب قانون انتخابي جديد ينتج نظاماً جديداً ودولة مدنية ديمقراطية قوية قادرة وعادلة. وهذه مسؤولية تاريخية المتنصّلون منها ينأون بأنفسهم عن مستقبل لبنان واللبنانيين.

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى