أميركا… وعدم تحويل الأموال المجمّدة للسلطة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
الناطق الرسمي باسم الخارجية الأميركية مارك تونر قال بأنّ بلاده تعتزم تحويل الأموال التي جرى تجميدها في الأشهر الماضية إلى السلطة الفلسطينية، ولكن تلك الأموال لن تحوّل مباشرة إلى السلطة الفلسطينية، بل إلى مؤسسات إنسانية من أجل التعليم والبنى التحتية وإعمار قطاع غزة…
هذا القرار يحمل في طياته أكثر من مغزى ورسالة بأنه لا ثقة في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها من حيث الشفافية والنزاهة وأوجه الصرف، والأهمّ من ذلك هناك اعتقاد عند الإدارة الأميركية بأنّ جزءاً من تلك الأموال يصرف على عائلات الأسرى والشهداء، ولذلك هي بهذه الطريقة تريد أن تمنع وصول أموال أميركية لما يسمّى بـ»دعم الإرهاب الفلسطيني» أيّ المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً أنّ «إسرائيل» أثارت وطرحت هذا الموضوع أكثر من مرة مع الأميركان والاتحاد الأوروبي، وحرّضت فيه على السلطة، بأنها تقوم بدفع أموال لمن ينفذون عمليات فدائية ضدّ الإسرائيليين، وكذلك هناك أسباب أخرى هي تريد تقوية مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية على حساب السلطة فبعد لقاء ترامب نتنياهو والحديث عن تخلي الإدارة الأميركية عن حلّ الدولتين، وتحقيق مشروع نتنياهو للحلّ بالسلام الاقتصادي أيّ «تأبيد» و«شرعنة» الاحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بتمويل من الصناديق العربية والدولية، وهذا يتلاقى مع مشروع ليبرمان بالعودة إلى روابط القرى العميلة و«المخترة»، من خلال التعامل مع الجمهور الفلسطيني مباشرة وإهمال وإضعاف السلطة، في انتظار البحث عن بديل لها في إطار ما يسمّى بمؤتمر التعاون الإقليمي بمشاركة أميركا و«إسرائيل» وما يسمّى بحلف «الناتو» العربي الذي تسعى أميركا لتشكيله.
وكذلك فإنّ تحويل الأموال الأميركية بهذه الطريقة مباشرة، من شأنه على الأقلّ عودة ما لا يقلّ عن 50 من قيمتها للأميركان، لجهة أنّ الوظائف العليا والمستشارين تكون من نصيب موظفين أميركان، وما يصرف لهم من رواتب خيالية، وما يحتاجونه من سيارات للتنقل وسكن ونقاهة وغيرها.
هذا النهج الأميركي الخطير في عدم تحويل الأموال المجمّدة للسلطة الفلسطينية مباشرة، مرتبط بالمشاريع السياسية التي يجري طبخها للقضية الفلسطينية، المشاريع المستهدفة تهميش وتصفية القضية الفلسطينية، لجهة عدم اعتبار القضية الفلسطينية أساس وجوهر الصراعات في المنطقة، ولجهة القفز عن حلّ الدولتين، والعودة الى الخيارات والحلول البائسة التي تديم الصراع وتعمل على إدارته، وليس إيجاد حلول له، مثل ما جرى في أوسلو، حلول موقتة بآفاق مفتوحة، بما «يكرّس ويشرعن الاحتلال»، ففكرة حلّ الدولتين، لا تؤمن بها الكثير من النخب السياسية والأمنية ومراكز البحث الإسرائيلية، ومن يؤمن بها يعتقد بأنّ الظروف الآن غير مؤاتية للوصول اليها، او انها إمكانية غير واقعية.
نعم المال ليس معزولاً عن السياسة، وهذا المال الأميركي، لا يصرف إلا من أجل تحقيق هدف سياسي، وأميركا ما يعنيها في كلّ المنطقة أولاً وعاشراً اأمن «إسرائيل» وبقائها قوية في المنطقة، فمهما تبدّلت وتغيّرت عناوين السياسة الأميركية، فهي ستبقي على تحالفها الاستراتيجي مع اسرائيل.
والآن كل التجييش أميركياً وإسرائيلياً ومما يسمّى بـ»المحور السني» العربي، بأنّ إيران هي العدو الرئيسي لهذا الحلف، وهي الخطر على أمن المنطقة، والأمن القومي، ومن يدعم القوى والحركات «الإرهابية» قوى المقاومة في المنطقة، ولذلك في غمرة وسياق البحث عن المشاريع والحلول المؤقتة في إطار التعاون الإقليمي، لا بدّ من ضغط كبير يمارَس على السلطة الفلسطينية لحملها والضغط عليها للموافقة على الحلول المؤقتة، مثل فيدرالية أردنية فلسطينية، او إطار تعاون اقتصادي فلسطيني- اسرائيلي أردني، والتحويل المباشر للأموال الأميركية ولاحقاً الأوروبية والعربية للمؤسسات الإنسانية بعيداً عن ميزانية السلطة، هو واحد من أسباب الضغط القوية، فالسلطة ستكون أمام خيار الموافقة، او الحلّ والبديل عنها.
هذا التصرف والنهج والخيار الأميركي الجديد، يجب ان يشعل الضوء أمام المنظمة والسلطة والقوى والأحزاب الفلسطينية، فالسلطة عليها أن تدرك تماماً بأنّ اقتصاد «الشحادة» و التسوّل، والعيش على مشاريع التمويل والتشغيل الخارجية، كمال مخترق له أهدافه السياسية والإقتصادية، ولا يمكّن من الصمود والمقاومة، فهذا المال خلق طبقة منتفعة من داخل السلطة وخارجها، تمّ ربطها بمؤسسات النهب الدولية من الصندوق والبنك الدوليين، ايّ ارتبطت مصلحياً من خلال القروض المأخوذة على رواتبها لعملها في المؤسسات الحكومية والخاصة، والتي في حال أخذها موقف لجانب مقاومة شعبها أو رفض المشاريع المطروحة لتصفية القضية والمشروع الوطني، يعني أنها ستخسر بيوتها وأملاكها وأراضيها وسياراتها التي اشترتها بتلك القروض.
ومن هنا فإنّ المطلوب والملحّ على ضوء القرار الأميركي الجديد، وما يجري طبخه من مشاريع سياسية تستهدف تهميش وتصفية القضية الفلسطينية، فلا مناص من رسم استراتيجية فلسطينية موحدة تقوم على الصمود والمقاومة، ورؤية وطنية شمولية تنهي الإنقسام وتستعيد الوحدة الوطنية على أسس متينة وراسخة وبرنامج سياسي موحد، وتعمل على إعادة صياغة دور ومهام ووظيفة السلطة الفلسطينية، لكي تكون أداة في خدمة المنظمة والمشروع الوطني، وبما يجري مراجعة شاملة للإتفاقيات مع المحتلّ وخاصة لجهة وقف التنسيق الأمني والاتفاقيات الاقتصادية والسياسية، فالمشروع الأميركي الجديد بوقف تحويل الأموال المجمّدة مباشرة لخزينة السلطة، يلتقي مع مشروع نتنياهو الاقتصادي بمقايضة المشروع الوطني الفلسطيني برشى ومشاريع اقتصادية، «تؤبد وتشرعن» الاحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة شعبنا الاقتصادية تحت الاحتلال، وهذا يلتقي أيضاً مع مشروع المتطرف ليبرمان لخلق روابط قرى عميلة، كبديل عن السلطة القائمة…
Quds.45 gmail.com