الأميركيون لبدائل عن «أنجرليك» والروس مع الجيش السوري في منبج السلسلة بين الإقرار الإنقاذي والتأجيل التحسيني… وقانون باسيل يترنّح
كتب المحرّر السياسي
يتصرّف الروس في أستانة كأن كل شيء يسير بصورة طبيعية. فالحضور التركي الفاعل هو المطلوب، والمشكلة التي تفتعلها الجماعات المسلّحة تفاوضياً هي صدى لموقف تركي، كما قال رئيس الوفد السوري السفير بشار الجعفري، وبدلاً من إضاعة الوقت مع هواة يحملون كلام سيّدهم فليكن الحوار مع صاحب القرار. وهذا ما يجري في أستانة، حيث محاولة روسية لبلوغ خارطة طريق تجيب عن ثلاثة أسئلة: كيف تجمع القوى لخوض الحرب على النصرة، وليس على داعش فقط؟ وكيف تجلب الجماعات المسلحة الموجودة تحت العباءة التركية وعباءة النصرة معاً إلى العملية السياسية؟ وكيف لا يتحوّل السعي لجذب هذه الجماعات إلى تقديم جوائز لجبهة النصرة، كما حدث في اتفاق الهدنة أكثر من مرة؟
الأتراك المنهمكون في تحضيرات الاستفتاء على الدستور والمعارك التي يفتحونها شرقاً وغرباً، وآخرها على الجبهة الأوروبية، يهمهم عدم خسارة آخر الزوايا الدولية التي يركنون إليها وهي روسيا، ولذلك يسعون لتدوير الزوايا وعدم الخروج بخلاف، بينما يضغط الإيرانيون لمواقف واضحة لا مكان فيها للرمادي، خصوصاً في ضوء التفجيرات التي نفّذتها وتبنّتها رسمياً جبهة النصرة وتولّت الجماعات المسلحة تبريرها بدلاً من إدانتها، خصوصاً أن هذه الجماعات تقاتل إلى جانب النصرة وتعتبر مناطق سيطرتها مناطق للمعارضة في كل معركة تفجّرها النصرة، كما هو حال معركة درعا الأخيرة جنوب سورية.
جنباً إلى جنب مع ما يجري في أستانة، ينصرف الروس وحليفاهم السوري والإيراني، ومثلهم يفعل الأتراك، لمراقبة ما يشتغل عليه الأميركيون في شمال سورية وشرقها، حيث عمليات تجهيز وتوسعة لمطارات وقواعد تحاكي ما يفعلونه في منطقة الأنبار غرب العراق من توسيع مطارات قديمة وإعادة ترميم لها، وسط تسريبات لمصادر عسكرية أميركية عن السير نحو بدائل عن قاعدة أنجرليك جنوب شرق تركيا كقاعدة لتدعيم الحرب على داعش، بينما يقابل الروس والجيش السوري التحضيرات الأميركية بحضور موازٍ في منبج التي عزّز الروس وجودهم في جوارها مع الجيش السوري بخبراء ووحدات نخبة، وأبدى الأميركيون تفهّم الحضور الروسي ببيان رسمي قال إن موسكو تضعهم بصورة تحرّكات قواتها.
لبنانياً، يحضر اليوم استحقاق الجلسة التشريعية الخاصة بسلسلة الرتب والرواتب وسط مطالبات واحتجاجات نقابية تدعو لعدم إقرارها، فيما لم تحسم القوى المعترضة على بعض بنود السلسلة وتتبنّ المطالب التي ترفعها القطاعات بتعديلها، خيارها بين التصويت لصالح السلسلة تحت شعار إنقاذها من الضياع والتمييع، أو عدم التصويت لصالحها أملاً بإدخال تحسينات ممكنة عليها تاركة لمسار الجلسة والمناقشات بلورة القرار.
سياسياً، فشل مشروع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل لقانون انتخابات جديد للمرة الثالثة بإحداث الاختراق المأمول، رغم عدم صدور رفض قطعي ضده علناً، بينما امتلأت الكواليس السياسية بالمواقف المنقولة عن القوى الفاعلة برفضه، والتريث بإعلان موقف يزيد التشنج، وأملاً بتحويل المناقشة مدخلاً للانتقال إلى صيغ أخرى تحت شعار تعديل المشروع.
المستقبل: اقتراح باسيل غامض
لا يزال اقتراح رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الانتخابي محور المواقف السياسية، وفي حين كان الحزب التقدمي الاشتراكي أول الرافضين وحزب «القوات اللبنانية» أول المرحّبين، لم يعلن تيار المستقبل موقفه الرسمي، في ظل معلومات تحدثت عن أن صيغة باسيل تمّت بالتنسيق والتشاور مع مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، أما اللافت فهو تجنب كتلة المستقبل في اجتماعها أمس الحديث عن قانون الانتخاب في بيانها، ما يشير إلى أمرين: عدم اعتراض مستقبلي عليه وقابل للنقاش، أو أن التيار يتريّث بانتظار أن يأتي إجهاضه من القوى الأخرى، لكي لا يتحمل هو مسؤولية ذلك.
لكن أوساط قيادية في المستقبل اكتفت بالقول لـ«البناء» إن «التيار يرفض إعادة إحياء منطق إدخال القانون الأرثوذكسي من بابٍ آخر، وبالتالي اقتراح باسيل غامض، لذلك لن يخرج موقف من المستقبل، لأن الأطراف الأخرى رفضته، وأي قانون كي يمر يجب أن يحظى بتوافق جميع القوى». ورفضت الأوساط ما يشاع عن أن «اقتراح رئيس التيار الوطني الحر طبخ مع نادر الحريري».
.. وعين التينة تعتصم بالصمت
وإذ تعتصم عين التينة بالصمت إزاء الطرح الباسيلي الثالث وتنكبّ على دراسته بشكلٍ مفصل لإعلان الموقف، فإن بوادر الرفض بدت واضحة من الثنائي الشيعي، وقالت مصادر كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إن «قانون باسيل قيد الدرس ولا موقف رسمي حتى الساعة، ولن تستبق الكتلة الأمور بأي موقف قبل درس الاقتراح جيداً»، لكنها لفتت الى أن «تركيبة الطرح وتقسيمات الدوائر لا تناسب الوضع اللبناني ولا تأخذ بعين الاعتبار العامل الوطني وتحمل البعد الطائفي، إذا يخلط بين النظامين الأرثوذكسي والنسبي».
أوضحت المصادر أن «المجلس النيابي وهو سيد نفسه ولديه القدرة على تعديل المهل على أمل التوصل الى قانون جديد يشكل الحلّ الوحيد للأزمة، ولا زالت الاتصالات مستمرة على هذا الصعيد، والأمل لا يزال كبيراً»، ولفتت الى أنه في «حال لم يتم إنجاز القانون قبل الانتخابات النيابية يُصار الى تمديد تقني مؤقت للمجلس الحالي لمدة 3 أشهر»، لكنها حذّرت من أن «التمديد بلا قانون سيؤدي الى أزمة لكن يمكن للمجلس تعديل المهل القانونية للانتخابات إذا توافق على ذلك».
وعلى خط موازٍ لردود الأفعال على قانون باسيل، فإن نقاشاً آخر أخذ بعداً طائفياً قد بدأت طلائعه بالظهور حول الطائفة التي ستتولّى رئاسة مجلس الشيوخ، فقد غرّد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان، قائلاً: «لا ولن نقبل على الإطلاق أن تكون فكرة المداورة في رئاسة مجلس الشيوخ على حساب الدروز، بل يأتي طرحها من باب المداورة في المؤسسات الدستورية كلها علّنا نخرج من هذا المستنقع المذهبي العنصري البغيض».
التمديد والفراغ بديلان للتوافق
وقال مصدر نيابي مطلع لـ«البناء» إن «مجرد طرح قانون أرثوذكسي طائفي قد يدفع الثنائي الشيعي وقوى أخرى لرفضه»، مرجّحاً «خيار التمديد للمجلس النيابي الحالي أو الفراغ النيابي الذي سيؤدي الى أزمة سياسية قد تنتهي باتفاق طائف جديد في حال لم يتم التوصل لقانون جديد».
وحذّر المصدر من أن «الفراغ النيابي سيجرّ البلاد الى حالة من الفوضى السياسية وقد لا يؤدي الى اهتزاز الوضع الأمني، لأن الأمن ممسوك بقرار دولي كي لا يستغلّ تنظيم داعش الوضع وينجح بإنشاء إمارة له في لبنان»، لكن المصادر تشير الى أنه و«في حال فرط اللبنانيون بأمن بلدهم وطال أمد حالة الفراغ السياسي والأمني، فقد تجرّ الى الفوضى التي قد تؤدي ايضاً الى تدخل دولي وإيعاز للاطراف للاتفاق على حلّ قد يكون انتخابات على القانون الحالي أو التمديد للمجلس النيابي وتأجيل الأزمة، لأن الضرورات الأمنية أهم من التعديلات السياسية».
عون: النسبية باب الإصلاح
ونقل زوار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عنه لـ«البناء» تفاؤله حيال إقرار قانون جديد، خصوصاً أن الاتصالات مستمرّة والنقاش مفتوح واللقاءات دائمة والاقتراحات لم تتوقف، كما أن الرئيس يريد إجراء انتخابات نيابية ولن يسمح بتأجيلها أو تمديد للمجلس الحالي، لكن أي انتخابات يجب أن تتم على قانون عادل، كما نقل الزوار عنه تصميمه على بناء وطن ومؤسسات واحترام الإرادة الشعبية ومَن يريد ذلك فالرئيس حاضر للتعاون والنسبية الكاملة باب أساسي للإصلاح، لكن مَن يريد البحث عن مصالحه وإدارة الدولة بمنطق طائفي ومحاصصة فلن يسمح بذلك»، كما نقلوا عنه تفاؤله بمكافحة الفساد الذي يشكل أولوية لديه وارتياحه لإنجاز ملف التعيينات الأمنية والعسكرية والقضائية حيث بدأت المؤسسات تتفاعل وتتطوّر لتدعيم الأمن والاستقرار في البلاد، ولفتوا الى أن «الرئيس عون يراهن على محطات أساسية في الأسبوع المقبل أبرزها زيارته الفاتيكان والقمة العربية على صعيد لمّ الشمل العربي وسيكون للرئيس عون دور بذلك».
باسيل: مَن يرفض النسبية يوصلنا للحرب الأهلية
وأكد تكتل «التغيير والإصلاح» خلال اجتماعه الاسبوعي أمس، في الرابية، أن «التكتل في انتظار كل الأجوبة على صيغة باسيل الأخيرة، وهناك أفرقاء أعطوا جوابهم الرسمي، لكننا ننتظر أجوبة الافرقاء الآخرين، لا سيما جواب حزب الله». وشدّد التكتل في بيان على أننا «سنقاوم كل فرضيات التمديد بكل الوسائل الدستورية، ابتداءً من رئيس الجمهورية والكتلة النيابية والمجلس الدستوري، وبكل الوسائل السياسية والشعبية، وسيؤيدنا الشعب اللبناني كله في هذه المعركة».
وأكد الوزير باسيل خلال العشاء السنوي للتيار «مَن يرفض النسبية يرفض الآخر وحق الاختلاف، ومن يرفض حق الاختلاف يوصل البلاد الى الحرب الأهلية والانفراط، ولذلك نحن اعتمدنا النسبية في التيار ونطالب بالنسبية في البلد»، وأضاف: «نحاول ونبادر ونسعى لإقرار قانون ينقل البلد الى مكان آخر ونتناول بالمقاعد والحقوق، ونتنازل بمطلبنا عن النسبية الكاملة للانتقال لاحقاً للنسبية الكاملة وإنشاء مجلس شيوخ ضمانة للأقليات وأن يكون هناك قانون نسبي في مجلس النواب يوصلنا الى العلمنة الشاملة».
ولفت الى أنه «لأننا تيار رئيس الجمهورية نحن تيار الجمهورية الذي يريد تحقيق سياسة خارجية مستقلة ونمنع الفكر التكفيري ونواجه «إسرائيل» ونعمل لعودة الفلسطينيين إلى أرضهم ولا نقبل إلا بعودة السوريين إلى أرضهم».
السلسلة في المجلس النيابي اليوم
وعلى صعيد آخر، يعقد المجلس النيابي اليوم جلسة تشريعية برئاسة رئيس المجلس نبيه بري، وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء والنواب، وأبرز بنود جدول أعمالها، البند المتعلّق بسلسلة الرتب والرواتب.
ورأت مصادر نيابية لـ«البناء» أن «بنود السلسلة تحمل الكثير من الإجحاف والظلم بحق فئات عمالية عدة، إذ بعض الفئات الوظيفية تلحقها زودات على الرواتب تصل الى 170 في المئة، وفئات أخرى 12 في المئة فقط وهذا تفاوت كبير، فضلاً عن الإجحاف اللاحق بالمتقاعدين من الادارات والأسلاك كلها». ولفتت الى أن «الزودة على الرواتب التي ستعطيها الحكومة لموظفين ستأخذ أكثر منها في اليد الأخرى من خلال فرض الضرائب على المواطنين».
وتوقعت المصادر أن «تمرّ بنود جدول أعمال الجلسة بسرعة، لأن معظمها يحظى باتفاق الكتل وعند الوصول للسلسلة ستشهد نقاشات واسعة قبل التصويت عليها وربما إقرارها سيأخذ جلسات أخرى»، ولفتت الى أن موقف الكتل النهائي حيال السلسلة لا يزال ضبابياً لذلك لا يمكن التكهن بإقرار السلسلة في جلسة اليوم، لكن مصادر نيابية أخرى رجّحت لـ«البناء» أن «تقرّ السلسلة في جلسة اليوم كما تمّ التوافق عليها في اللجان المشتركة دون تعديل».
.. وجبهة الرفض تتسع
وعلى وقع الجلسة التشريعية، تتسع جبهة الرفض لمشروع السلسلة الحالي، حيث ينفذ أساتذة التعليم الثانوي اعتصاماً للمطالبة باستعادة الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي وتعديل أرقام السلسلة وقيمة الدرجة التي أتت مجحفة بحقه، ومهدّدين بالتصعيد. وأعلنت لجنة الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، عطفاً على بيان رابطة متفرّغي الجامعة اللبنانية، حول أحقية ترميم سلسلة رواتب أساتذة الجامعة، أنها «لن تقف مكتوفة في حال المساس بحقوق الأستاذ الجامعي».
وبينما أُشيعت معلومات عن إلغاء الامتحانات الرسمية وأن وزارة التربية ستتجه إلى إعطاء إفادات للطلاب في حال استمر إضراب الأساتذة، نفى نقيب المعلمين في لبنان نعمة محفوض ذلك، مؤكداً أن الامتحانات الرسمية ستُجرى، لافتاً الى «أننا اختبرنا الطبقة السياسية وآخر همّها القطاع التربوي ومستوى الشهادة، ولا يمكن لأحد أن يقترب من الامتحانات الرسمية، والامتحانات ستُقام ونحن سنتحرّك تحت سقف الدستور».
من جهّتهم، ولليوم الثاني على التوالي واصل القضاة احتجاجهم على مشروع السلسلة والمواد المتعلقة بالسلطة القضائية وتوقّفوا عن عقد الجلسات وقبول المراجعات حتى في الأقلام.
وفي سياق آخر، يعقد المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام في لبنان جلسة اليوم، في مقرّه كورنيش النهر، لانتخاب هيئة مكتبه الجديدة.