العقوبات على سورية تصيب علاج سرطان الأطفال

يكافح الأطباء في مستشفى الأطفال بالعاصمة السورية دمشق لتأمين الأدوية اللازمة لإنقاذ حياة مرضاهم الصغار المصابين بالسرطان بعد تناقصها بشكل حادّ لأسباب لا تتعلق فقط بالاضطرابات العامة التي تعيشها البلاد جراء الحرب الأهلية.

فقد قال مسؤولون سوريون ومن منظمة الصحة العالمية إن العقوبات الغربية تقيّد بشكل حاد واردات الدواء رغم إعفاء الإمدادات الطبية إلى حد بعيد من الإجراءات العقابية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ويقترب القطاع الصحي السوري من الانهيار بعد ست سنوات من الحرب بعد أن كان واحداً من أفضل الأنظمة في الشرق الأوسط. وبات أقل من نصف المستشفيات في البلاد يعمل بشكل كامل، كما انخفض بشدة عدد الأطباء.

والنتيجة هي تراجع متوسط العمر المتوقع، حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار مئات الآلاف الذين قتلوا مباشرة في الصراع، وارتفاع هائل في أعداد الوفيات بين الحوامل وعند الولادة.

وعلاوة على ذلك أدى تراجع إنفاق الحكومة السورية التي تخوض حرباً مكلفة للغاية والهبوط الحاد في قيمة العملة الليرة والتأثيرات غير المباشرة للعقوبات إلى تفاقم مأساة المرضى الذين يحتاجون إلى الأدوية المصنعة في الخارج.

وبالنسبة لعائلات الأطفال المرضى فإن الوضع أليم.

وفي مستشفى الأطفال بدمشق، اكتظت غرفة الانتظار خارج جناح علاج مرضى السرطان بأفراد عائلات جلب الكثيرون معهم ملابس وفرشاً وأغطية تحسباً، لأن يضطروا للانتظار إلى جانب أولادهم لفترات طويلة بعيداً عن منازلهم خارج العاصمة.

ويقيم نعيم دير موسى 55 عاماً في دمشق منذ عام لضمان حصول ابنته وعد البالغة من العمر عشر سنوات على علاجها بشكل منتظم، تاركا خلفه زوجته وأطفاله الستة الآخرين في مدينة دير الزور، بشرق البلاد.

تكلفة باهظة

قبيل الحرب على سورية، كان يتم إنتاج 90 في المئة من الأدوية التي تحتاجها، لكن أدوية السرطان كانت بين تلك النسبة القليلة التي تعتمد على الاستيراد في تأمينها.

وقالت إليزابيث هوف ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية إن استيراد الأدوية من الخارج تضرّر جراء خفض الحكومة للإنفاق على قطاع الصحة بشكل كبير منذ بدء الحرب عام 2011، بالإضافة إلى فقدان الليرة حوالي تسعين في المئة من قيمتها الأمر الذي جعل بعض الأدوية باهظة التكلفة.

غير أن نقص السيولة ليس السبب الوحيد وراء النقص الحاد في تلبية الطلب المتزايد على أدوية السرطان.

وقالت هوف «أثرت تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية بشدة على شراء أنواع معينة من الأدوية، بينها أدوية علاج السرطان.»

وأشارت إلى أن العقوبات تمنع الكثير من شركات الأدوية العالمية من التعامل مع السلطات السورية، كما تعرقل البنوك الأجنبية في مجال التعامل مع المدفوعات الخاصة باستيراد الأدوية.

وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات الموجهة ضد الحكومة وعدد من المجموعات المسلحة التي تنشط في سورية.

ومنعت واشنطن تصدير أو بيع بضائع وخدمات إلى سورية من الأراضي الأميركية أو من مواطنين أميركيين. في حين فرض الاتحاد الأوروبي حظر سفر أفراد وجمّد أصولاً وممتلكات وفرض حظراً للأسلحة. كما استهدفت العقوبات أيضاً العلاقات المالية مع المؤسسات السورية وشراء النفط والغاز من البلاد أو الاستثمار في قطاع الطاقة السوري.

واعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن العقوبات أحد أسباب تحوّل كثير من السوريين إلى لاجئين بالخارج، وخصوصاً إلى أوروبا.

وفي قاعة الانتظار جلست نوال التي تأتي من منطقة القلمون شمال دمشق إلى المدينة كل أسبوعين برفقة ابنتها سما 14 عاماً لتتلقى علاجها الكيماوي من سرطان الدم.

وقالت «لا يوجد عندنا لا مشفى ولا جمعيات ولا يوجد العلاج أصلاً إلا في مشفى الأسد.»

وتحاول جمعية خيرية واحدة تدعى «بسمة» المساعدة في تمويل أدوية السرطان للأولاد المصابين به.

وقالت ريما سالم المديرة التنفيذية للجمعية «وجدت بسمة في الأساس لتغطي نسبة بحدود 30 في المئة، كانت وحدة علاج السرطان لا تقدر على تأمينها مجاناً. لكن اليوم النسبة باتت كبيرة جداً وفي الإجمال باتت بين 70 و80 في المئة.»

وتسعى بسمة إلى تأمين الأدوية بكل الطرق الممكنة. وأضافت ريما «لا نقصر بحق أولادنا بأي شيء. المهم يكون الدواء الصحّ وفي الوقت الصحّ.»

لكن ما يثير قلق ريما هو «الوضع المزري» بسبب الضغط الكبير جداً على مستشفى الأطفال.

وختمت كلامها بالقول «أثناء انتظار الطفل جرعته يمكن أن يموت قبل أن يأخذها». رويترز

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى