مباحثات مع الرئيس الأسد عبر الإعلام!

ناريمان منصور

نتابع بين حين وآخر لقاء إعلامياً مع الرئيس بشار الأسد تُجريه مؤسسة إعلاميّة غربيّة أو وفد إعلاميّ أوروبيّ أو أميركيّ، ما يترك مجالاً للتساؤل عن هدف هذه الحوارات وما هو محرّكها وماذا تقدّم لموضوع الحلّ في مسار الأزمة السوريّة؟

آخرها كان يوم الاثنين الماضي 13 آذار، حيث حاور الرئيسَ الأسد وفدٌ إعلاميّ أوروبيّ طرح جملة من الأسئلة المحوريّة تُفهم على أنّها، بمجملها، ردّ على التصريحات الغربيّة المتنوّعة التي تكاثرت متّهمةً «النظام» السوري بممارسات «وحشيّة» كبارقة أمل لأعداء سورية، واستكمالاً لتنفيذ الخطّة الإعلاميّة السياسيّة في الحرب على سورية.

إنّ ما يعكسه ذلك الحوار، يؤكّد إدراك العقل السوري المتمثّل بالرئيس الأسد لحقيقة «طغيان» استعماريّ غربيّ تمّت مواجهته بالشجاعة المطلوبة لتفنيد ادّعاءات وسياسات أجنبيّة تكذب على شعوبها، وتمثّل على السوريّين دور الصادق الأمين الذي تهمّه مصلحة الشعب السوريّ. فعندما يقول الرئيس الأسد، إنّ «إسرائيل تدعم الإرهابيّين بشكلٍ مباشر، سواء كان ذلك لوجستياً أو من خلال الغارات الجويّة المباشرة على جيشنا في المناطق الحدوديّة»، فهو يربط مفاصل الحرب على سورية ببعضها البعض ذاهباً بنا إلى حقيقة العدوان الذي تتعرّض له البلاد بالتعاون مع الوكلاء «السوريّين».

أيضاً، وبما لا يدعو للشكّ، برزت رسالة غاية في الأهميّة أوصلها الأسد للعالم، تقول بحقيقة إيمانه بالديمقراطيّة، وعدم اكتراثه لكلّ ما تقول به الجهات الغربيّة حول مصيره في سدّة الحكم.

«إنّ الشعب السوريّ هو من ينبغي أن يختار رئيسه وهو الذي يحاسب على أيّ صراع ومشكلة، وليست الأمم المتحدة. ليس للأمم المتحدة أيّ دور».

أمّا بما يتعلّق بموضوع الواجب، فلقد وجّه الأسد بجوابه على سؤال الشعور بالذنب أو الندم حول طريقته التي تعامل بها صفعةً لجميع الأطراف، هي بمثابة درس يجب أن يتعلّموه، وأن نتعلّمه في الوطنيّة والقيام بالواجب القوميّ.. نعم، كنّا سنشعر بالذنب لو لم ندافع عن بلادنا.

وما يجب أن يُفهم ضمنيّاً، فهو أنّ هذه الحوارات تشي بما يؤكّد بقاء الأسد في سدّة الحكم، فمن البديهي عندما يوجّه سؤال عن «أيّ نوع من البلدان ستكون سورية بعد الأزمة؟ هل لكم أن تطلعونا على أفكاركم بهذا الصدد مثل أجندتكم الإصلاحيّة بعد الأزمة، على سبيل المثال، ما إذا كان هذا البلد سيصبح أكثر فيدراليّة، أو ما إذا كانت لديكم أجندة إصلاحيّة في القضايا الاجتماعيّة مثل حماية حقوق الإنسان وإخضاع الجيش أو الأجهزة الأمنيّة لقدر أكبر من المساءلة.. هذا النوع من الأشياء التي يطالبكم بها الجميع في العالم»، من البديهي إذن أن تكون هذه إشارة كبيرة إلى أنّ مستقبل سورية مرتبط، شاؤوا أم أبوا، ببرنامج عمل تضع أوّلياته الدولة السوريّة متمثّلة بحكومتها، ونفهم من خلال إجابة الرئيس الأسد معالم هذا البرنامج المتمثّلة بدراسة مشكلة البلد، مدّ جسور حوار للوصول إلى صيغة تفاهم عبر نقاش وطنيّ حول النظام السياسيّ واستتباعاً المؤسسات، للوصول إلى استفتاء شعبي يقرّر ماذا يريد السوريّون. بالطبع هكذا أمر يحتاج فريق عمل ينخرط في دراسة الأوضاع الاجتماعيّة والبشريّة، تنوّع الأديان والطوائف والإثنيات، متطلّبات المرحلة المقبلة بقيادة الأسد كما تثبته الحوارات ودستور يتّفق عليه السوريّون.

لكنّ الأولويّة الآن هي للقضاء على الإرهاب، وهذا لا يمكن من دون تعزيز ثقافة المواطنة والعدالة المجتمعيّة التي ترفض بشكلٍ قاطع ثقافة «إمّا أقتلك أو تقتلني» التي استُحدثت في المجتمع السوريّ لتعكس بؤر رخوة حقاً في بُنية، أو في نسيج المجتمع السوري. هذا يتطلّب مراجعة جذريّة ومعمّقة للذات الإنسانيّة في سورية، ويتطلّب أن يمتلك الإنسان إرادة التغيير في داخله ربطاً مع تعزيز البُنية النفسيّة الداخليّة غير القابلة للوقوع في انتكاسات أو إرهاصات قد تتعرّض لها، وهذا بديهي، أمام تحوّلات الحياة وتطوّراتها.

التعليم جزء من هذا، لكنّه ليس المرتكز الأساسيّ، يقول الرئيس الأسد: «عندما تتحدّث عن الثقافة فإنها تشمل التعليم والإعلام والسياسة، لأنّ السياسة تؤثّر في الثقافة». هذا يشير إلى إرادة تنحو إلى إدارة الأمور التعليميّة والإعلاميّة والسياسيّة، وحيث نحن في هذه المرحلة أمام محرّك تعليميّ تثقيفيّ تسييسيّ هو الإعلام بكلّ مفاصله، مسموعاً ومرئيّاً ومقروءاً يتمّ ضخّه للشغل على صناعة عقول أو شخصيات ذات صفات معيّنة، هي في الواقع صناعة الإنسان الذي يشاء له أن يكون العقل الذي يدير الإعلام، نجد من المحوريّ بمكان صناعة الإعلام الذي يصنع ويبني، لا الإعلام الذي يسوس قبل أن يسيّس إنساننا السوريّ.

إنّ الرئيس الأسد يقدّم لنا من خلال إجاباته إرادة تجسيد سورية الغد وفق رؤيته كرئيس وكمواطن، إرادة لا بدّ لها من أن تواجه الفساد الكبير الذي كان موجوداً وتعزّز وجوده أكثر بفعل الحرب التي استثمرتها أيادٍ وجدت منها سبيلاً لتوطيد أذرعها في خنق مقوّمات الحياة الكريمة للمواطنين البسطاء الذين ضحّوا بأبنائهم جملةً وفرادى من أجل سورية ووحدتها، أبناء الجيش السوريّ والقوى الرديفة.

بناءً عليه، نحن نأمل أن تتحقّق هذه الإرادة لدى الرئيس الأسد وفق برامج عمل واضحة المعالم تعمل حثيثاً وعملياً على الأرض وفي كلّ مفاصل الدولة السوريّة ومؤسساتها لتصحيح كلّ المسارات، بدءاً بالسياسية وصولاً إلى رغيف الخبز. بهذا يتعزّز أملنا وتقوى إرادتنا على صنع سورية التي نريدها نحن السوريّون، وتصل فعلياً رسالة المباحثات غير المباشرة عبر وسائل الإعلام التي يقوم بها سياسيّو الغرب، كأنّهم خجلون من إجراء مباحثات مباشرة. ولعلّ أطراف «المعارضة» الواهمون يرشقون على وجوههم ماء الثلج فينهضون من خدرهم ويكتشفون حجم الخديعة التي يتعرّضون لها، والتي تمثّلت برحيل الأسد، فهي ليست فقط خديعة بل وفاشلة أيضاً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى