صباحات

مشهد القتل الأعمى في دمشق يقول إنّ العقول الكبرى التي تحرّك روبوتات الموت المسماة «انتحاريون» قد فهمت أنه لم يبقَ لهم أن يراهنوا على إسقاط شيء في الجغرافيا، فانتقلوا إلى الإنسان أملاً بإسقاطه من الداخل وإصابته في إرادته على الوقوف ومواصلة الحياة. رغم الألم والحزن والدم دمشق ستبقى مدينة في التاريخ يُروى عنها أنها لا تموت ولا تسقط ولا تعرف نصف الوقوف وتدمن الحياة وقوفاً. وعندما ينام بعضها يكون بعض آخر منها واقفاً يحرس نوم الآخرين أو تكون الأرض قد تعبت فدارت نصف دورة على بطنها.

فقدتُ أخاً ورفيق درب هو الزميل محمد الأحمد المدير التنفيذي لشبكة «توب نيوز» ورئيس تحرير شبكة أخبار الموبايل في سورية، الذي ارتقى في غياب مفاجئ وصادم بسكتة دماغية وهو في ذروة عطائه وشبابه. القلب حزين ولا حول ولا قوة إلا بالله. إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمه الله وجنّبكم مصاب فقدان حبيب أو عزيز .

يرحل محمد المتدفّق حيوية وعلماً وثقافة وجدّية ومثابرة وروحَ عطاء ووطنية صادقة، وقد ترافقنا سنوات طوال كان خلالها خير رفيق ومعاون وموضع ثقة وروح إبداع ونشاط والتزام وصبر وإخلاص. وأفتقد بغيابه وهو على بعد يومين من زفافه بعضاً منّي بألم وحسرة .

أتقدّم بِاسمي وبِاسم الشبكة من أهله وأقاربه ومحبّيه بأحرّ التعازي ومن الزملاء في شبكتنا وكل الذين مرّوا معنا في نهرها الجاري وعرفوا محمد عن قرب وحبّ بمشاعر المودة والمحبة لنترحم عليه معاً، ومن محبّينا ومحبّي «توب نيوز» وسورية وقضيتها بخالص العزاء بفقدان واحد من محاربي الخنادق الصعبة في مجال الفكر والإعلام، وهو واحد من الواقفين خلف الستارة بلا أضواء يقدّمون بكل جد كل جديد. رحمك الله يا محمد، والنصر حليف القضية التي آمنت بها وعملت لأجلها… سورية الحرّة الموحّدة المقاوِمة والمستقلة.

الكلمة السحرية التي لا تفقد إشعاعها بالفرح: صباح الخير أحبائي.

التفوّق في القدرة على القتل مقابل التفوّق في القدرة على الصبر وصناعة النصر. في سورية اليوم معادلة حرب تموز 2006 ذاتها.

قناة «الغدير» الفضائية في العراق تفتتح أسلوباً جميلاً في نقل الفكر السياسي إلى مشاهديها. فقد اختارت سبعة من الكتّاب والإعلاميين والمفكّرين ليقدّم كلّ منهم فقرة أسبوعية خصّصت لها يوماً ثابتاً. منهم الفريق وفيق السامرائي من العراق في فقرة «على خطّ النار»، والزميلة كوثر البشراوي من تونس في فقرة اسمها «لحظة صدق»، والدكتور سعيد الشهابي من البحرين في فقرة «صرخة الحرّية» ومع الدكتور كمال الهلباوي من مصر في فقرة اسمها «محاولة للفهم»، وشرّفتني بفقرة تحمل اسم الباب الثابت الذي أكتب تحته يومياً في «البناء» «نقاط على الحروف»، لتُقدّم كلّ أحد الساعة الثامنة مساء وتلقي ضوءاً على فكرة سياسية أو استراتيجية إقليمية أو دولية أو موضوعة في الفكر السياسي. تحية إلى الغدير وإلى فكرتها المبدعة وعلى أمل التوفيق .

ذكرى «ثورتان» صارت كلّ منهما مجرد ذكرى بعد انفضاحهما وانفضاح أمر القيمين عليهما، تحتفلان معاً بأكذوبة الثورة تباعاً في 14 آذار لبنان وفي 15 آذار سورية. بئس الثورة والثوّار وشتان ما بين الشعار وحملة الأسفار. في لبنان حرية وسيادة واستقلال وفي سورية حرية وسلمية وديمقراطية… ذكرى فضيحة .

هل هذه هي الصورة التي تسبب الإحراج للبطريرك الراعي من مشاركة حزب الله في سورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى