إلى أمّي
ميسم حمزة
تمرّ السنوات يا أمّي وأنا أكبر، تتغيّر ملاحي، تتغيّر أحلامي، ونظرتي إلى الحياة، تذبل ورود في حياتي وتنمو أخرى، يتغير العالم من حولي، يغادر أصحاب، ويأتي غيرهم، أغيّر مكان إقامتي، أحلم… أعمل… أبكي… أفرح. يرحل كلّ شيء وتبقين أنت الأجمل والأصدق والأنقى في كل الأزمان وفي كلّ سنوات العمر.
لست أنتظر هذا اليوم لأسافر في ذكرياتي إليك، فأنت نبض القلب، ورفيقة الروح، والأمل بالغد، وسرّ السعادة التي تسكن قلبي. فإن حاولت أن أتذكّر صفحات العمر، أجد كلّ صفحة فيه مرتبطة بك، وأجد عطاءك وتضحياتك وصبرك وقلباً لم يعرف يوماً سوى العطاء، فحتى في غضبك رسالة، وخوف عليّ.
كبرتُ وأنت تفرضين عليّ قوانين صارمة لتجعلي منّي ما أنا عليه اليوم، فكنت الإطار الوحيد الذي رأيت العالم من خلاله، والوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها، ووقفت إلى جانبي. مرت السنوات ولم أعد تلك الطفلة الصغيرة التي تنظر إلى الحياة بعين الطفولة، فأنا اليوم أرى في ما وصلت إليه حتى الآن جميلاً لك يطوّقني. فأمامك لا أذكر انتصاراتي ولا تفوّقي ولا إبداعي لأنها من بعض عطاءاتكِ لي، فبسبب تضحياتك أشعرُ بمكانتي بين المحيطين بي وفي مجتمعي، فأنت كنت المدرسة وأنا كنت التلميذة التي تعلمت.
مولاتي، يا أوّل حبّ في حياتي، وأقدس حبّ، يا أمّي، ملاكي الحارس، الذي سهر على تربيتي، جعلت قلبي ينبض، وحياتي تستمر، علّمتني كيف تعشق الأوطان وكيف تُصان كرامة الإنسان. علّمتني الوفاء، وزرعتِ فيّ وطناً مقاوماً لن تنال منه كل الرياح الهوجاء. حملت عنّي وجع الزمان، وحميتني من غدر البشر، سلّحتني بالقدرة على الصمود في وجه كلّ المطبّات. خالية من الزيف أنت، وأصدق البشر، ضحكتك ربيع حياتي، تعبت… سهرت… علّمت… ربّيت… فلا كلمات في قاموس العمر تعبّر عنك، وكلّ الكلمات تقف عندك بخجل، لأنك أصل كلّ الحروف، ومحرّكة كلّ المشاعر.
نعم يا أمّي، كنت وما زلتِ الجبل الشامخ الذي أتسلّقه كلّ يوم لأبني عليه قصور أحلامي. فأنت صديقتي ورفيقة دربي وسرّ سعادتي وأملي في الحياة، والتضحية كانت عنوانك في الحياة، والعطاء كان قانونك والمحبّة التي غمرتنا بها هي سرّك.
في عيدك كلّ العشق والمحبة والامتتنان إليكِ يا سيّدة العطاء التي ميّزك الله عن سائر المخلوقات بجعل الجنّة تحت قدميكِ، فاختصرتِ الكون بما فيك.