ضربت «إسرائيل» الخدّ السوري الأيمن فقطع السوريون يدها بالسيف الأبتر
اياد موصللي
هنالك مثل نستعمله في بلادنا: لا تشتر العبد إلا والعصا معه…
والإسرائيليون الذين ذاقوا كلّ أنواع الذلّ، ومارسوا أدوار العبودية على مرّ المراحل التاريخية كانت الحرية التي حصلوا عليها أكبر من قياسهم، هذه الحرية التي سلبوها من الآخرين وأرادوا استبدالها معهم بالعبودية التي كانوا فيها.. وفشلوا لأنّ الفلسطينيون وسكان بلادنا أحرار في الدم والممارسة رفضوا العبودية وفضلوا الحرية ولو في البراري والخيام على العيش في ظلّ أولاد اللئام…
ما ارتكبته «إسرائيل» يوم قامت بعدوانها الجوي على سورية.. كانت تظنّ انّ السوريين سيمارسون قاعدة من ضربك على خدك الايمن فأدر له الأيسر.. الأيسر الذي يفهمه الاسرائيليون هو إحناء الرأس والعفو والمغفرة، أما الأيسر الذي يفهمه السوريون وتفسيره باللغة العربية السيف.. فأسماء السيف العديدة ومنها «الأيسر»..
لذلك عندما تعدّت «إسرائيل» أداروا لها الأيسر العربي فكان السيف أصدق انباء من الكذب.. وحدثت المفاجأة وعلا الصراخ.. وصدق المثل ضربني وبكي سبقني واشتكى..
ظنّ الصهاينة انّ ما يرسمونه ويحضّرونه مع العملاء والحلفاء يسير حسب ما يرسمونه ويخططون له..
لذلك كانت ردة الصواريخ السورية موجعة مؤلمة مفاجئة..
ففي الفكر الاسرائيلي تقليد إيماني مفاده ما هو المصير الذي ينتظرنا إنْ لم نتدارك الموقف ونتخذ العدّة لصدّه وردّه.
اليهود يتبعون كما أشرنا عقيدة لا علاقة لها بما أنزله الله على النبي موسى هم سنّوا لأنفسهم نهجاً عرّفه التلمود وحدّده ووضعوا لحياتهم وسياساتهم بروتوكولات سنّها وصاغها حكماؤهم يسيرون عليها ويعملون بموجب تعاليمها هذه التعاليم لا تسمح لنا بالعيش والحياة إلا بما ترسمه هي وتحدّده لنا وما حصل في فلسطين حتى الآن جعل إيمانهم بتحقيق أمانيهم يزداد، وما أذكره هنا ليس اجتهاداً مني ولا تحليلاً، إنه الواقع… وكما يقول العرف الرائج عندنا «من فمك أدينك يا إسرائيل». يذكر رئيس وزراء بريطانيا وشريك بلفور في وعده لويد جورج في مذكراته المجلد 2 صفحة 455 ما يلي:
«إسرائيل حققت معظم مشروعها. أقامت الدولة اليهودية نالت اعتراف العالم بها مع منحها مظلة حماية مطلقة وحرية تحرّك لا حدود لها تعتدي فلا تُسأل، تُخالف القوانين الدولية فتجد دعماً وتشجيعاً، تقتل تدمّر تستعمل أسلحة محرّمة دولياً، تضمّ أراضي دول تسلب حقوقاً إنسانية والقائمة لا تنتهي».
وتمضي «إسرائيل» في طريقها معتمدة قواعد فكرية وروحيّة منهجاً لها في مسيرتها تبني ذاتها وتدمّر ما حولها من أممٍ وشعوب تدميراً مدروساً يتلاءم ومصالحها بحيث يؤدّي إلى سيطرتها وفق منظورها على كامل أساليب الحياة عند الآخرين أينما وجدوا ووضعت لتحقيق ذلك قواعد أهمّها، امتلاك المال، السيطرة على الإعلام، والسيطرة على التعليم.
لذلك كانت حريصة على تطبيق دستورها ومنهجها بدقة ووفق الخطط الموضوعة والأحلاف المقامة على هذا الأساس والقاعدة.. وليبقى ما رسمته مصاناً دقيقاً أنشأت الأحلاف ورسمت الخصوم والأصدقاء ومن هؤلاء الأصدقاء عرب الجزيرة عموماً والوهابيون خصوصاً.. فعلاقة الصهاينة بالجزيرة العربية مزمنة وبأشراف مكة متينة ولعلّ أول من أباح لليهود السكن في فلسطين هو الشريف حسين..
وفي هذا السياق فقد التقى وايزمن بالأمير فيصل في العقبة في الرابع من تموز 1918 بحضور الكولونيل جويس، وهو ضابط بريطاني رافق وايزمن، ونتيجة هذا اللقاء رأى الأمير إمكان تنفيذ البرنامج الصهيوني إذا كان كما حدّده وايزمن لا يؤدّي الى توطين اليهود في فلسطين، وكذلك فعل والده الشريف حسين الذي استجاب لفكرة إقامة اليهود في فلسطين مع اعتراضه على تكوين دولة يهودية فيها. وكتب الشريف الى ابنه فيصل في العقبة والى أتباعه يخبرهم بأنه تلقى تأكيداً بريطانياً بأنّ وجود اليهود في فلسطين لن يتعارض مع استقلال العرب.
اما سعوديو اليوم فلم يعودوا يرون في التنسيق العسكري القائم بينهم وبين «إسرائيل» ما يعيبهم، ولا يجدون فيه اية غضاضة، لذلك بادروا فوراً الى ردّ سريع على ما قام به الجيش السوري بالردّ على الغارة الاسرائيلية بشكل حازم حاسم فحركت دود الخلّ في الداخل السوري واختارت منطقة جوبر لأنها تقع في حدود مدينة دمشق وتريد ان تقول نحن هنا ولكن ما كلّ ما يتمنى العميل يدركه فتحركت القوة التي استكانت طويلاً في الماضي لتبلغ كلّ من يلزم أننا لا نخاف الحرب ولا نخاف الفشل فلدينا قوة فاعلة معبّرة قادرة على تغيير مسار الذلّ والعمالة وتحقيق الانتصار..
واستطاعت القوات السورية ومن معها من قوى المقاومة إفشال كلّ هذه المحاولات وعزل المهاجمين وتطويقهم تمهيداً للقضاء التامّ عليهم.
ويذكرني هذا الموقف البطولي بمقال كتبته صحيفة «التايمز» في شباط 1973 وفيه قالت: «كانت الصورة التي قدّمتها الصحافة العالمية للمقاتل العربي عقب حرب 67 هي صورة مليئة بالسلبيات وتعطي الانطباع باستحالة المواجهة العسكرية الناجحة من جانب العرب لقوة «إسرائيل» العسكرية، إلا انّ حرب تشرين الأول/ أكتوبر أثبتت انّ للمقاتل العربي وجوده وقدراته».
كما قالت صحيفة «واشنطن بوست» انّ المصريين والسوريين أبدوا كفاءة عالية وتنظيماً وشجاعة، لقد حقق العرب نصراً ضخماً تحطمت معه أوهام الإسرائيليين بأنّ العرب لا يصلحون للحرب» صفحة 187 .
انّ إرادة الحياة قد فرضت نفسها وأعلنت عن وجودها وترجمت هذه الإرادة في المواقف البطولية للجيش السوري والمقاومة المساندة له، وأثبتت أننا أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لنا في الحياة…