كتب التاريخ حياة الإرهاب من المهد الى اللّحد وكتب تاريخ سورية من المهد الى المجد
اياد موصللي
ما يجري اليوم من محاولات العصابات الإرهابية في منطقة جوبر ومحيطها ذكرني بقصة تاريخية كثيراً ما استشهدت فيها في المواقف المشابهة..
عندما فكر تيمورلنك باحتلال دمشق في فترة الموجة المغولية العدوانية والمشابهة لهذه الموجة التي تتعرّض لها سورية والمتطابقة بكلّ فصولها وارتكاباتها ضدّ البشر والحجر، عندما فكر باحتلال دمشق أرسل عيونه وجواسيسه لاستقراء الوضع.. وبعد فترة عاد رسله اليه وقالوا له: لا تقدِم فهذه البلاد عصية منيعة، فسألهم ماذا رأيتم فقالوا له:
«رأينا رجلاً يضرب ابنه بقسوة ولما سألناه عن السبب الذي دفعه لضرب ابنه قال اعطيته سهماً وطلبت منه ان يضرب طيراً على شجرة وان يصيبه في عينه ففعل ولكنه لم يصبه في عينه بل أصابه في رأسه.. ضربته ليكون دقيقاً في أداء عمله حتى اذا واجه عدواً يعرف كيف يقضي عليه.. انّ شعباً هذه قاعدة العمل عنده وهكذا يربّي أبناءه صعب التغلب عليه والنيل منه…»
انّ الذي جرى في سورية منذ أكثر من ستة أعوام كان عنواناً جديداً لمرحلة جديدة نكتب بها تاريخنا الجديد وعنوانها الحياة وقفة عزّ، وها هو الجيش السوري ومعه أبناء الشعب السوري يقفون هذه الوقفة كلّ في ميدانه مبرهنين انّ في هذا الشعب قوة غيّرت كلّ العناوين الماضية التي شوّهت حقيقتنا وفتحت صفحات البطولة والفداء..
منذ أكثر من أسبوع وتحديداً منذ الصفعة التي تلقتها «إسرائيل» جواً وعصاباتها براً، وما تركت من اثر سلبي في كيانها جعلها تحاول بشتى الوسائل مسح هذه البصقة من على جبينها محاولة إثبات وهم لن يتحقق حتى ولو تكرّرت المحاولة. ففي سورية شعب مؤمن بانتمائه وبقيادته وبجيشه وبمقاومة تقف الى جانب هذا الجيش في مطاردة الإرهاب..
ووصف ممثل الرئيس الروسي الى الشرق الاوسط وكيل وزير الخارجية ما يجري بالانتهاكات من قبل الذين يرغبون في الجهود الرامية الى ايجاد حلّ سلمي ويحلمون بأنه يمكن إيجاد حلّ عسكري خارج عملية المباحثات السياسية وخارج الشرعية الدولية..
فالمحاولات المتكرّرة التي قامت وتقوم بها الجماعات الإرهابية عبر تسللها الى شمال بلدة جوبر في الغوطة الشرقية والى المنطقة المعروفة بمنطقة المعامل هذه المحاولات أجهضها الجيش ووجه ضربات مؤلمة وقاضية ضدّ هؤلاء وقضى على المحاولة والقائمين بها.. وصحّ فيهم القول «تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي».
هذا الذي يجري هو محاولة ردّ اعتبار بعد الانتصارات العديدة التي حققها رجال الجيش والمقاومة نتيجة هذه المحاولات جميعها أفشلها الجيش السوري ولم تستطع قوى الإرهاب تغيير الواقع القائم او المساس بالسيطرة العسكرية للجيش السوري.
فالمحاولات المتكرّرة لإيجاد ثغرة في منطقة جوبر القابون جميعها فشلت ولكن من يسمع أو يقرأ الأخبار في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء يكتشف مدى الصدمة والصفعة التي وجهتها سورية جيشاً وشعباً للعدوان وأدواته وأبواقه ورعاته وحماته..
واللافت انّ ما يجري في سورية ليس بعيداً عن ارتفاع الصوت الاسرائيلي ومحاولات الضغط على لبنان من أجل التمدّد في الحدود البحرية باعتبار انّ هنالك نقاطاً تلامس المجال المائي الاسرائيلي بمساحة تقدّر بـ800 كم مربع بحرياً.. ولجأت الى الولايات المتحدة مستعينة بها للضغط على لبنان..
وكان وزير الطاقة الاسرائيلي قد أعلن: «انّ إسرائيل أرسلت منذ شهر شباط الماضي رسالة رسمية الى الأمم المتحدة تعرب فيها عن احتجاجها على سلوك السلطات اللبنانية حول مناقصة يجرى إعدادها في المياه، وقال «إنّ إسرائيل ستحافظ على حقوقها…»! هذا الزعم الاسرائيلي يصبّ في وعاء الأطماع الاسرائيلية بلبنان مياهاً وارضاً..
انّ الأعمال الإرهابية الجارية الآن في محاولات الاختراق هي إرادة اسرائيلية تركية سعودية.. ترغب في تغطية ما أصابها من فشل.. لقد كان الردّ السوري غاضباً قوياً الحق الخسائر الفادحة في كلّ أطراف العدوان الذي حاول تغطية هذا الفشل بضرب الآمنين من السكان المدنيين في الأحياء البعيدة عن مراكز القتال بالقذائف والصواريخ.
تريد «إسرائيل» دائماً تغطية ما يجري على أرض فلسطين غير الارتكابات التي تحرص على ان يقوم بها عملاؤها في سورية بشقيها الشامي والعراقي.. وتجابه بقوم آمنوا بقدرتهم على أنهم قادرون على خوض معركة مع عدو متحالف مع أعتى مجرمي العالم ونحدّد مصادر القوة في ذاتنا لتكون لنا الثقة فيها، وهي أول طريق للانتصار نجد انه عندما نتحدث عن الانتصار فإنّ مصدر حديثنا ليس خيالات او أوهام ولا هو وليد أمنيات وأحلام، النصر حلم نريد تحقيقه، والعمل لجعل الحلم حقيقة ليس معجزة ولا أعجوبة انه يحتاج فقط لإرادة… والتاريخ مليء بأخبار الأمم والشعوب التي حطمت القيود وانتصرت على من هم أقوى من اليهود…
إذا استعدنا صفحات تاريخ حرب فيتنام وقارنّا بين قوة فرنسا التي كانت تحتلّ البلاد وقوة المقاومة الوطنية لظهر فارق كبير في مقاييس القوة العسكرية عدداً وعتاداً ولكن إرادة الحياة والكرامة الوطنية تستدعي حب العطاء والسخاء في بذل الروح والدم فداء الوطن حتى النصر وتحرير البلاد. وكذلك أعيدت الكرة مع الأميركان وهم أكثر قوة وأفتك سلاحاً وأكثر وحشية وأقلّ احتراماً لحقوق الإنسان، عمل الأميركيون على تحطيم فيتنام واستخدموا أشدّ أنواع الأسلحة أذى وتدميراً سحقوا الإنسان روحاً وجسداً وانتصر الفيتناميون وخرجت أميركا تجرّ أذيال الخزي والعار…
ومن فم أبنائنا خرجت أشعار البطولة وتمجيدها ومن أدبياتنا، الجهاد والقتال والاستشهاد، ولا يعني تعدادنا أسماء الشعوب التي حققت الانتصار على اعدائها ومغتصبي حريتها انّ تاريخنا خاو ليس لنا في دنيا المجد وجود، لا… فنحن الذين أعطينا العالم أمثولات البطولة وكانت بلادنا مدرسة في هذا كله وسمة من سمات أمتنا الأخلاقية والاجتماعية والدينية، بغضّ النظر عن موقفنا ورأينا بالأنظمة العربية.
وهل ننسى صيدا، وكيف صمدت في وجه الاسكندر المقدوني وأحرق أهلها بلدهم وأنفسهم رافضين العبودية والاستسلام.
هل ننسى زنوبيا ملكة تدمر وملحمتها في وجه الرومان…
انّ البطولة صناعة عربية، والشهادة ابتكارنا والنخوة صفةٌ من صفاتنا نحن الذين تغنينا بالعزة والعنفوان نحن لنا الصدر دون العالمين أو القبر نحن من آمنا بان الشعب إذا أراد الحياة فلا بدّ ان يستجيب القدر، نحن السيف والترس في حفظ الحق القومي والدفاع عنه… فإذا تغنينا بفلسطين عربية فليس لأننا نهوى الشعر ونطرب في الغناء، بل لأننا لن نقبل ولن نرضى ان يكون قبر التاريخ مكاننا النهائي في الحياة… نؤمن باستعادة حقنا في فلسطين ارتكازاً على حقائق أهمّها:
اننا أصحاب الأرض وأصحاب الحق.
قال الرئيس الأسد لدى استقباله الوفود الدولية انّ استهداف سورية بهذا الشكل لأنها الدولة التي تدافع عن القيم والمثل العليا والكرامة وهي الصورة الحقيقية للمقاومة ودحر الاستبداد والعدوان.
نريد أن نعيد الوهج لعقائدنا القومية والروحية لتبقى بلادنا مدرسة الفكر الخلاق… انّ هذه المرحلة صحّت تسميتها مرحلة الاغتراب… حيث بعدت عنا كلّ قيم وفضائل أخلاقنا التي اشتهرنا بها في التاريخ… نجول في البلاد العربية فنرى أعرابا ولا نرى عروبة، نرى مسلمين ولا نرى إسلاماً، نرى مسيحيين ولا نرى مسيحية، نريد ان نعيد الروح الى معتقداتنا الروحية والفكرية والقومية، ولنتذكر دائماً انه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان… فهذا المال أغرق خليجنا وأتخم ناسه فامتلأت الجيوب وفرغت النفوس وخنق وجدانهم وضميرهم… فابتعدوا عن كلّ معاني الباء العربي وساروا طبّالين في مواكب أعداء الأمة لقد نسي قادة وملوك الخليج وبعض من أقطار العروبة معنى الحرية والسيادة. نسوا فلسطين وأهلها. ان خيرات الله جعلتهم ينساقون وراء غذاء الجسد ونسوا غذاء الروح… انّ أجيالنا القادمة أجيال الفاقة والحرمان ستكون غنية بالقيم والمثل الحقيقة التي ستفرض نفسها بالأخير، وهي حقيقة انتصار هذه الأمة العظيمة، انّ أجيالنا القادمة تتبرأ من اولئك المستسلمين المستجدين الحق استجداء، لقد رفضوا الصراع فرفضوا الحرية وسلّموا انفسهم للعبودية، فالحق ليس طلبا بل مطلبا تطلبه النفوس القادرة وتحارب في سبيله فتظفر وتسعد… كما انّ الباطل تطلبه النفوس العاجزة فيجرّها الى التهلكة، لقد وعت أجيالنا انّ الهزيمة هي درس لكلّ طموح مجدّ وهي طريق يسلكه المجدّون لبلوغ الأحسن والأفضل.
لقد أثبتت الأيام انّ شعبنا في فلسطين حيّ، ومهما فعل الصهاينة ومن يقف دائما معهم فان الشعوب هي الباقية.
لقد حفظت ارادة الله شعبنا وبلادنا وأمتنا رغم تكالب قوى الشر في العالم ضدّنا.. صحيح انّ المثل يقول وقوله حق انّ دود الخلّ منه وفيه..
ودودنا الذي قتل الإرادة العربية ونخر الجسد العربي ودنس الكرامة العربية هذا الدود قضينا عليه بالمبيدات الفتاكة وهي الثقة وحرية القرار… فأسقطنا الحكام من معادلة انّ طاعة الحاكم من العبادة واتبعنا طريق لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق… فحكامنا فجرة كفرة لذلك نبذناهم وسنحقق النصر وهو آت… مرة أخرى انتصرت سورية وأفلس الأعراب وسقطوا. لقد مرّت أمتنا بمحطات مماثلة في تاريخها وتعرّضت حقوقها للاغتصاب مرات عدة في التاريخ، فمن الاتراك الذين أوغلوا في قهرنا وإذلالنا حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة تتريكنا وإلغاء وجودنا القومي… الى الفرنجة الصليبيين الذين انكروا حقنا في ارضنا المقدسة… الى الافرنسيين والانكليز… تعرّضنا لكثير من الحروب والحملات، وأثبتت أمتنا على مراحل تاريخها اننا ما خشينا الحروب ابداً، نحن لا نخاف الحرب بل نخشى الفشل لانّ الفشل بداية الانهيار، وأثبتنا أننا قادرون على الحياة ونحن أهل لها، فنحن الذين صنعنا حطين وطردنا الصليبيين وعادت لنا مقدساتنا، نحن الذين طردنا الاتراك العثمانيين ووأدنا فكرة التنريك… نحن الذين لقنّا غورو وأحفاده الدروس في ميسلون، وسهول حمص وحماة، كما قلنا لكلّ محتلّ من عنجر الى مرجعيون… أخرج بلا أسف، وأنشد اطفالنا بيِّي راح مع العسكر، حارب وانتصر بعنجر … مواقع العز كثيرة في بلادنا وترابط التاريخ متواصل…