القصير ـ يبرود… لِمَ النصر فيهما استراتيجيّ؟
تركي حسن
هل هي مصادفة أن يلتقي التاريخ بالحاضر وأن تعاد المعارك التي تقرّر مصير المنطقة مجدّداً، فمعركة قادش 1273ق.م رسمت وقرّرت مصير العالم آنذاك في السيطرة على آسيا بين المصريين والحثيين لـ300 سنة لاحقة. بلى، انه لقاء التاريخ والحاضر والدور الجديد على الجغرافيا السورية. فهل رسمت معركة القصير قادش الجديدة اليوم التحوّلات في الحرب العالمية على سورية…؟ وهل بدأت ترتسم خيوط معالم المنطقة من شوارع القصير وقراها؟
عبر نحو شهرين من الحركة الدقيقة للقوات السوريّة والحليف حزب الله كانت ترتسم معالم أكبر من حجم القوات المشتركة ومساحة الأرض سواء شرق وغرب نهر العاصي. وأعتقد أن المقاتلين لم يدركوا حجم إنجازهم في رسم الخرائط الجديدة… وأقول ليست إنجازات قواتنا المسلحة كلّها استراتيجيّة، رغم أهميتها، ولكن في القصير نقول إنه نصر استراتيجي ونقطة تحول وانعطاف في مسار الحرب، للأسباب الآتية:
أولاً، الموقع الجغرافي: القصير تقع في أرض سهلية منبسطة يكثر فيها النشاط الزراعي، وهي في قلب فتحة البقاع الشمالية الشرقية – تتكئ على سلسلة جبال لبنان الغربية شمال غرب وسلسلة الجبال الشرقية جنوب شرق وفيها شبكة مواصلات تؤمن الحركة والمناورة لقوى الإرهاب، وقريبة من الأوتوستراد الدولي – وتتحكم في الطريق الى لبنان وتتصل بالأراضي اللبنانيّة في منطقة المشاريع ما يؤمن سهولة الدخول والخروج للإرهابيين.
ثانياً، الموقع: أنيطت بالقصير مهمة استقبال الإرهابيين وأيوائهم كقاعدة، ثم إعادة توزيعهم أو إعادتهم في اتجاهات ثلاثة:
أ- اتجاه دمشق والغوطتين الغربية والشرقية.
ب- اتجاه البادية وصولا إلى دير الزور والحسكة.
ج- اتجاه حمص وحماة وصولا إلى حلب.
ثالثاً: قاعدة إمداد بالذخيرة والأسلحة وكافة مواد التأمين للإرهاب.
رابعاً: تواجد قيادات وأجهزة استخبارات عربية وأجنبية، وما ضبط السيارة «الإسرائيلية» التي تحمل أجهزة الإرسال والتشويش الاّ دليل على التدخل الاسرائيلي المباشر.
خامساً: حفر الأنفاق والخنادق وتأمين السلاح والذخيرة وتكديسها ومختلف أنواع التأمين المادي.
سادساً: شكلت قاعدة أساسيّة لاستهداف المقاومة وطعنها من الخلف عبر استهداف بيئتها وكوادرها، وبالتالي كانت تقوم بالمهمة نيابة عن «الإسرائيلي».
سابعاً: وجود الارهابيين الأجانب بأعداد كبيرة ممن قاتلوا سابقاً في مواقع مختلفة ضمن ما يسمى بـ«الجهاد العالمي».
ثامناً: تعويل حلف العدوان على القصير، إذ أعلن الرئيس أوباما ان على الأسد أن يوقف الهجوم على القصير وردّد الصدى كاميرون وهولاند والحكومة التركية واجتمع وزراء الخارجية العرب لأجل اتخاذ موقف لنصرة الإرهاب في القصير ودعوة سورية لوقف الهجوم. واجتمع المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر لمناقشة الوضع الخطير في القصير.
لهذه الأسباب كانت القصير ذات أهمية استراتيجية في العدوان على سورية وبالتالي فان ضرب الإرهاب وتحريرها منه وإعادتها الى كنف الدولة يعتبر نقطة تحوّل في مسار الحرب، وحلف العدوان هو من وضع لها هذه الأهمية الاستراتيجية، إذ فقد توازنه وأعلن أنه لن يذهب إلى أيّ مؤتمر للحل إلاّ بعد إعادة التوازن على الأرض.
أما يبرود، المدينة السريانية ذات التاريخ العريق، والتي تكتنز المغاور والكهوف للانسان الأول، ويعود عمرها إلى أكثر من عشرة آلاف عام، ففيها الوثائق السريانية وفيها ثالث أقدم كنيسة في العالم تعود إلى عام 333م، هي كنيسة القديسين قسطنطين وهيلانة بين مرتفعين من الغرب والجنوب الشرقي وترتبط بشبكة طرق معبدة ستة محاور ، وثمة طرق ترابية يمكن سلوكها.
أما من جهة الشمال والشمال الشرقي، فهي منطقة مفتوحة تكثر فيها المزارع، ما أمّن للارهاب خطوطاً دفاعية عن المدينة. كما تسيطر على الطريق الدوليّ السريع، حيث كانت تتم عمليات الخطف أو قطع الطريق، وتحيط بها مجموعة من القرى التي تؤمن خطوطاً دفاعية لها.
– جراجير والسحل شمالاً.
– رأس النبع ورأس المعرة وفليطة غرباً.
– مزارع ريما شمالا وشمال شرق.
– الصرخة بخعا جنوب غرب وصولاً حتى حوش عرب، عسال الورد، رنكوس
كما تتصل بسلسلة جبال لبنان الشرقية ومعابرها تبعد عن الحدود 12 كلم، حيث المعابر التي تؤمن للارهاب الحركة الآمنة والمفتوحة في اتجاه لبنان
أما الأهمية، فبعد سقوط القصير أوكلت المهمة إلى يبرود لتؤدي الدور في اتجاه الداخل السوريّ أو استهداف المقاومة وبيئتها، وكانت موئلاً للإرهاب ومنها تنطلق السيارات المفخخة، ويُعدّ فيها الانتحاريون. ويدلل على ذلك الأشخاص الذين قبض عليهم في لبنان وضبط عشرات السيارات المفخخة ومصانع الأسلحة والعبوات الناسفة.
لا بد من ان اشير لما قاله مسؤول التخطيط في شعبة الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» أمان إذ قال: «بعد عمل دؤوب زاد على عامين ونصف لـ15 دولة في يبرود بالخرائط، والإدارة، والتسليح، وهندسة وضعيات القتال. ورغم وجود عشرة الآف مقاتل فاجأ الجيش السوري وحزب الله الجميع وأسقطاها بسرعة مذهلة وحققا نصراً نادراً ودخلا أهم التحصينات والتضاريس. هذا يعني أن ثلاثة أرباع المعركة العالمية في سورية حسمت لمصلحة الأسد وحزب الله. ونحن أمام وضع جديد في المنطقة يكتب فيه التاريخ».
في ظل بعد هذا القول هل نشك لحظة في أهمية الإنجاز وتأثير المعركتين في مسار الحرب على سورية. فرغم الإنجازات الكبيرة للقوات المسلحة في الغوطتين وداخل حمص وغربها وحلب في خناصر والسفيرة. تبقى معركتا القصير ويبرود الأهم لأنهما أحدثتا تحولا في مسار الحرب، لذا يحق لنا القول إنهما «نصر استراتيجي»، فهل ترسمان مستقبل المنطقة مثل معركة قادش التاريخيه..؟؟؟
باحث في الشؤون الاستراتيجية