الأحمد: أرادوا إسكات صوت الشهباء فأفشلتهم قدودها ترجمان: انتصرت على الإرهاب الأسود… وباقية منارةً للثقافة والفنّ
رانيا مشوّح
لأصالتها جذور تضرب عمق التاريخ بثبات وصمود ورقيّ، رائدة الثقافة والفنّ والتراث، مدينة زارتها نوائب الدهر على مرّ الأزمان، لا هي ركعت ولا هم هزموها. تزداد إصراراً وعزيمة على البقاء كلما دقّت أجراس كنائسها وعلّت أصوات مآذنها بتكبيرات الحياة. للفنّ والجمال والإبداع تاريخ عريق يجول في أروقتها ولها عليه بصمات رقيقة عذبة حلوة، حلب مدينة مبدعة في عيون محبّيها، آسرة الفنّ والفنانين تنهض من جديد لتعانق الحياة والإبداع. وانطلاقاً من فضلها على الحياة الفنية والثقافية والعلمية، أطلقت وزارات الثقافة والسياحة والتربية والإعلام، والإدارة المحلية، وعدد من الجهات العامة والخاصة ومجموعة من الموسيقيين والباحثين، مبادرة ترشيح مدينة حلب ضمن شبكة المدن المبدعة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو»، وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق. وقد حضر الحفل عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والفنية والثقافية، وافتتحها وزير الثقافة محمد الأحمد ووزير الإعلام المهندس رامز ترجمان.
الأحمد قال: مع كل مفترق طريق أو زاوية في شوارع حلب الحديثة أو القديمة نعثر على تاريخ سيف الدولة الحمداني وصباح فخري وعمر أبو ريشة وميادة الحناوي وميادة بسيليس، وغيرهم. لقد أرادوا إسكات صوت حلب والقدود الحلبية وكل ما هو عريق في هذه المدينة، لكن هذا كان عصياً وقد باؤوا بالفشل. واليوم نحن نجتمع لترشيح حلب مدينة مبدعة في مجال الموسيقى. كلنا نعلم أن «يونيسكو» أصدرت قائمة المدن المبدعة عام 2004 وحدّدت سبعة مجالات إبداعية كالفنون التقليدية والشعبية والتصوير، الموسيقى والطعام وغيرها، كما ضمت مدناً كثيرة على مستوى العالم، والهدف منها تعزيز التعاون الدولي بين هذه المدن. أهمية ترشيح مدينة حلب لتكون مدينة مبدعة تأتي في أعقاب انتصارات الجيش العربي السوري المظفرة، وتأتي لتأكيد أن السوريين ما زالوا متمسكين بهويتهم وانتمائهم.
كما لفت الأحمد إلى التوجيهات التي تلقتها الوزارة من الرئيس بشار الأسد لإطلاق فعاليات بالتعاون مع وزارات السياحة والإعلام والتربية في مدينة حلب، بعد إعلان تحريرها من قبل الجيش العربي السوري، حيث ستكون هناك فعاليات فنية متنوعة قريباً من داخل مدينة حلب.
كما تحدث ترجمان عن هذه المبادرة قائلاً: حلب منذ نشوئها هي مدينة مبدعة حضارياً وثقافياً واقتصادياً وفنياً. وفي ظل هذه الظروف الصعبة استطاعت حلب بأهلها وتاريخها وثقافتها أن تواجه هذا الإرهاب الأسود وأن تنتصر وتصمد. واستطاعت أن تعطي العالم درساً من دروس الصمود، استطاعت أن تعيش، فكل زائر أيَّ مكان فيها، يشعر بالإبداع والمبدعين. هي مدينة عظيمة عبر التاريخ علمتنا معنى الحياة، وهي رسالتنا إلى العالم. ومهمتنا أن نبرز ثقافة الحياة أمام ثقافة الموت وثقافة التنوير في وجه ثقافة الظلام.
في حين عبّر الفنان طلال معلا عضو الأمانة السورية للتنمية عن أهمية هذه المبادرة فقال: معروف عن حلب أنها متنوعة المواهب والقدرات ومنها الموسيقى، الموسيقى من السمات المميزة للمدينة تاريخياً وحالياً، حيث رفدت الموسيقى العربية والإنسانية بأنواع من الموسيقى، على قائمة المدن المبدعة في «يونيسكو» عالمياً هناك مجال لتسجيل المدن باختصاصات متنوعة منها الموسيقى، اخترنا هذا المجال لحلب، سيكون الترشيح حول القدود الحلبية، هناك لجان ستعمل على إعداد ملف متخصّص ليقدم لـ«يونيسكو»، وستكون هناك أنشطة متعدّدة ورصد للجهات التي عملت على تطوير الموسيقى في سورية خلال السنوات الخمس الماضية.
ولحسام الدين بريمو رئيس قسم العلوم النظرية في المعهد العالي للموسيقى رأيه حول هذا الموضوع حيث تحدّث إلى «البناء» قائلاً: تتاح لي اليوم لإضافة حلب مدينة مبدعة لشبكة المدن المبدعة في «يونيسكو»، حلب لا تحتاج لمن يتحدث عنها في هذا المجال. التاريخ يقول عندما بدأت الموسيقى تضيع احتفظت بها حلب. شرق المتوسط عندما تشتتت فيه الموسيقى بين العواصم ومن أمسك بها هي حلب، نحن نسعى لأن نعرّف العالم إلى ما نعرفه إذا استطعنا من خلال عملنا مع هذه المبادرة لإسماع «يونيسكو» وغيرها ما هي الموسيقى في حلب هو شيء مهم، حلب ليست بحاجة لمنظمة دولية لتعترف بأنها أم الموسيقى، لكن بما أن القانون يقول يلزمنا منظمة دولية فنحن نعمل، لكن حلب موسيقاها تشهد لها.
وفي الإطار نفسه تحدثت الباحثة الموسيقية والملحنة السورية إلهام أبو السعود إلى «البناء»: حلب هي سيدة الموسيقى العربية القديمة وسيدة القدود والموشحات، لذا هي تملك تاريخاً عظيماً كما تملك تراثاً لا يضاهى، نحن نعتز بها، هذه الالتفاتة جميلة من قبل وزير الثقافة لأن حلب تستحق.
بدوره، قال الموسيقار طاهر مامللي معبّراً عن ضرورة توثيق الإبداع والفن عالمياً: تأخرنا بسبب الحرب، لدينا ثروات كثيرة موجودة إذا لم نثبت حقوقها سنصبح أمام مشكلة. فيمكن أن يدّعوا أن القدود الحلبية لـ«إسرائيل» كما ادّعوا أن الفلافل لهم. إلا أن سورية لم توثق حتى هذه اللحظة في «يونيسكو» عالمياً كهوية سمعية، لدينا غنى كبير في حلب وباقي مناطق سورية، شاملاً أنواعاً غنية جداً قادرة أن تدخل بمحور من محاور التاريخ ويجب أن نحرص على أن لا نستهتر بقيمة الجهود الكبيرة التي بذلت لبناء هذه الثقافة، طوال الوقت نتغنى بثقافتنا وحضارتنا فعلى الأقل يجب المحافظة عليها، لنرتقي إلى ما صنعه الأجداد على الأقل نحافظ على ما صنعناه بأيدينا.
كما كان لـ«البناء» لقاء مع أندريه معلولي مدير المعهد العالي للموسيقى الذي قال: حلب مدينة تاريخية عريقة، إطلاقها كمدينة مبدعة هو حدث يدل على الإصرار والنهوض من جديد، لا يمكننا أن ننهض بأي شيء ليس له أساس تاريخي، وبما أن حلب ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً مهمة جداً بالنسبة إلى سورية، فهي تحتفظ بقيم كبيرة ممكن أن نعيد إحياءها عبر هذا الترشيح. كفنانين اليوم نطلق حلب كمدينة مبدعة في مدن «يونيسكو» عن طريق الأغاني التراثية الفرحة والموسيقى التراثية الأصيلة والقدود الحلبية المعروفة، هذا جانب من محتويات هذه المدينة التاريخية، رمزية هذا العمل اليوم مهم جداً لنا كسوريين أن يكون لدينا هذا التراث وهذا التاريخ ونقله للعالم وتعريف الكرة الأرضية كلها بهذا التاريخ.
وكمبدعين من مدينة حلب، عبّر كل من المخرج نجدة أنزور عن دور حلب الثقافي والإبداعي: شعب حلب عانى من ظروف صعبة، حلب تستحق أن تكون مدينة مبدعة. وقال: أنا سأحضر ترشيح أي مدينة سورية لتكون مدينة مبدعة في كافة المجالات، حلب غنية بمبدعيها وبثقافتها وكل مدن سورية مثلها وسنقف إلى جانب كافة المبدعين في كلّ سورية.
كما قال الفنان محمد خير الجراح ابن حلب: هناك نيّة حقيقية لإنعاش هذه المدينة من قبل الجهات الرسمية، وذلك بما يليق بها. حلب مدينة كبيرة تشكّل كمكان وتاريخ وحضارة عموداً فقرياً لسورية بكل ما تعني الكلمة. الحياة الاقتصادية تقوم على هذا العمود الفقري الذي هو حلب، هذه النشاطات تساعدنا في تسليط الضوء على هذا المكان كإرث حضاري لتكون مدينة مبدعة في 2017، تحتاج إلى عمل كبير ونعرف الظرف العام الضاغط في سورية نتمنى أن يكون هناك عمل حقيقي لا فقط اجتماعات خلّبية.