المسألة المائية في العلاقات الدولية

سلام الربضي

غنيّ عن القول، إنّ موضوع المياه يشكل واحداً من أهمّ الموضوعات المعاصرة، إلى درجة الاعتقاد بأنّ الحروب القادمة ستكون بالدرجة الأولى حروباً مائية. وبالنظر إلى تصوّرات المخاطر العالمية المستقبلية من حيث القدرة على التأثير، تصنّف أزمات المياه على أنها الخطر الأكبر. ومما لا شك فيه أنه سيكون هنالك تأثير كبير للمسألة المائية في العلاقات الدولية من حيث: كيفية تغيّر أنماط القوة وارتباطها بالتفاعل بين الإنسان والبيئة؟ كيفية المقاربة السياسية لتلك المتغيّرات؟ ماهية استراتيجيات الدول في علاقاتها الدولية؟ ومستقبلاً، سوف تطرح عدة جدليات حول الخطوات المطلوب تحقيقها على صعيد العلاقات الدولية لتحقيق الأمن الغذائي ولتخفيف رقعة الفجوة المائية، على شاكلة:

هل تكون الخطوة الأولى لردم تلك الفجوة عبر التعاون على نقل التكنولوجيا؟ أم قد تلعب الأيدي الخفية في الأسواق التجارية لعبتها؟ أم أنّ أسواق المعرفة سوف تقف حاجزاً أمام ذلك؟ وأين الدول وسيادتها من ذلك؟ فهل ستدخل المسألة المائية في العلاقات الدولية من بوابة السياسة وتقف أمام حاجز الاقتصاد؟ أم تدخل من بوابة الاقتصاد وتقف أمام حاجز السياسة؟ وهل هنالك حاجة إلى صياغة استراتيجيات وبرامج أبحاث رسمية، لمعالجة تطوّر نسق الأمن المائي والأمن الغذائي السيادي؟ وهل يمكن القول إنّ هناك نسقاً هو بمثابة مؤشر لما يمكن تسميته نسق الإنقسام الإيديولوجي البيئي المتزايد؟ وكثيرة هي الجدليات المائية الشائكة التي لا يمكنها تجاهل هذا النسق، وهذه عينة منها:جدلية نسق أخلاقيات التكنولوجيا الحيوية الزراعية والمائية: فما هي التكنولوجيا والتقنيات الواجب استخدامها؟ وهل هي متوافرة لدى جميع الدول وما آثارها على الإنسان والبيئة؟ جدلية الأولويات الزراعية تماشياً وشحّ المياه: هل تكون لصالح الإنسان أم لصالح الحيوان؟ جدلية اختيار نوعية المحاصيل هل ستخضع للبعد الإقتصادي الأكثر ربحاً أم سخضع للبعد السياسي الأمني كمحصول القمح؟ أم تخضع لواقع البعد المائي والبيئي الصرف؟ وبلا شك فإنّ هذه الجدليات في مقاربة المسألة المائية والتي تحمل في طياتها أبعاداً مختلفة للمتغيّرات العالمية المستجدة ـ على كافة المستويات التكنولوجية والاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية والبيئية ـ والمرتبطة بالاستراتجيات الإنسانية ستفتح الآفاق أمام أنساق جديدة، في تفسير العلاقات الدولية بشقيها النظري والعملي. فنحن الآن في عصر الإنسان، الذي بلغت تأثيراته وضغوطاته على النطاق البيئي المائي، حدّ تحوّله إلى قوة جيولوجية هائلة، ترمي بظلالها على العلاقات الدولية التي أصبحت أمام فضاء جديد. والمسألة المائية نموذج من ذلك الفضاء. فالهواجس المائية على صعيد السياسة ليست بالبسيطة، وتشكل وسطاً معقداً وهشاً. وفي خضمّ هذا الواقع الذي يعاني من مشكلة نقص مائي حادّ، أصبح تقاسم مصادر المياه ضرورياً أكثر فأكثر، وصعباً بفعل تنوّع الحاجات والاستخدامات واللاعبين. وبناء عليه، كثيرة هي الإشكاليات المستقبلية، المتعلقة بكيفية تعامل الدول مع هذه المسألة:

هل ستكون أزمة المياه المستقبلية بمثابة نموذج للصراع الحتمي أم تكون بمثابة نموذج لمرحلة جديدة من العلاقات الدولية قائمة على التعايش الحتمي؟ وهل هناك من رؤية سياسية عالمية لكيفية التعامل مع الحتمية المائية؟ يبدو أنه قد آن الأوان لإدراك، أنّ التشابكات المائية والبيئية والسياسية والاقتصادية واسعة جداً، وجميعها في بوتقة واحدة. فالأمن المائي جزء لا يتجزأ من الأمن البشري بمفهومه الواسع. فالمسألة المائية هي نموذج لطبيعة الأنساق الجديدة في العلاقات الدولية المعاصرة. إنها أنساق عالمية تتبلور يوم بعد يوم. والثابت فيها أنّ الماء أصبح مورداً استراتيجياً: جيوسياسي وجيوإنساني. ولكن هل سوف تتسنّى لنا إمكانية الغوص في أعماق هذه الأنساق العالمية الآتية، قبل أو بعد شرب كوب من الماء النظيف؟؟ هذا إذا كنا بالفعل قادرين من الحصول عليه؟ عذراً لنتمهّل قليلاً قبل شرب هذا الكوب من الماء، ولنتأكد من أنه لم يتعرّض للتلوّث من قبل مجموعة إرهابية؟

باحث في العلاقات الدوليةjordani alrabadi hotmail.com – www.salam.alrabadi.blogspot.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى