«داعش» استثمار تركي بشراكة قطر فإلى متى يستمرّ الصمت الأميركي على هذا التورّط؟
نور الدين الجمال
يتركز الاهتمام في الدوائر السياسية والإعلامية على متابعة تطوّر الموقف التركي من حلف الرئيس أوباما لمحاربة الإرهاب في المنطقة. المعلوم أنّ الحكومة التركية رفضت التوقيع على بيان جدة وهي لم تقدم على أي خطوة تتضمن تراجعاً جدياً في رعايتها لتنظيم «داعش» الإرهابي في شكل خاص، كما لم تلاحظ على الأراضي التركية أية تدابير أو إجراءات تحد من تدفق المسلحين التابعين لـ»داعش» عبر الحدود أو التسهيلات اللوجستية التي يحظون بها في عدد من المناطق التركية حيث يقيمون مقرات ومراكز تدريب تحظى بدعم ورعاية الاستخبارات التركية كما نقلت الصحف التركية أكثر من مرة، إضافة إلى معلومات خطيرة تتعلق بوجود عسكريين أتراك في صفوف «داعش» على أرض العراق وسورية، في حين أن النشاط الأخطر الذي تديره تركيا في دعم الإرهاب هو تجارة النفط المسروق من سورية والعراق والذي يعتبر بحسب أحد الخبراء الأميركيين مصدر الدخل الأساسي لخزائن أبو بكر البغدادي وتنظيمه الإرهابي.
لقد سبق للعديد من التقارير الإعلامية أن أشارت إلى أن «داعش» يُعتبر استثماراً تركياً بالكامل على رغم وجود قرائن تؤكد شراكة قطر في تكوين هذا التنظيم منذ انطلق من رحم أبو مصعب الزرقاوي في العراق، لكن الدور التركي في رعاية «داعش» بات الأهم بلا منازع. ومن اللافت للانتباه أن تركيا تكون الدولة الوحيدة العاصية على حملة أوباما من بين دول أعضاء حلف الناتو الذين تم استنفارهم جميعاً منذ القمة التي عقدها الحلف الأطلسي في «ويلز» برئاسة أوباما والتي تناولت موضوع التحالف الذي يدعو إليه الرئيس الأميركي لمحاربة الإرهاب.
في تفسير هذا المشهد المثير سياسياً ترى مصادر واسعة الإطلاع أن القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي، خصوصاً القرار الأخير المتعلق بتجريم تجنيد وتدريب ونقل المسلحين إلى سورية، إنما تنطبق مواصفاته بالكامل على السلطات التركية الضالعة في التمويل، إضافة إلى الأنشطة المذكورة، وهذا يفترض المبادرة إلى اتخاذ إجراءات ضد الحكومة التركية من باب العمل على تطبيق الشرعية الدولية. وعلى رغم كون الحرب الأميركية ضد الإرهاب هي حرب تطويع وإخضاع للمنظمات التي توشك أن تخرج عن السيطرة فإن هذه الغاية نفسها تستدعي ضغطاً على تركيا يقوّض من حجم تدفق الأموال والتسهيلات التي تمنحها حكومة اسطنبول للجماعات الإرهابية.
بعض المتابعين يرى أن الصمت الأميركي على وجوه التورط التركي لن يطول وأن حكومة داود أوغلو ستكون مضطرة لاتخاذ إجراءات لا بد منها، وهذا هو بالتحديد الدافع الحقيقي لتلميح السلطات التركية مجدداً بفكرة إقامة منطقة حظر طيران على الحدود مع سورية وصولاً إلى إنشاء منطقة عازلة تغري الولايات المتحدة الأميركية بفرصة للجمع بين ممارسة الضغط على الدولة الوطنية السورية والحرب المعلنة ضد الإرهاب التفكيري في سورية والعراق.
لأن المعارك الفعلية تخاض في الميدان وهي التي تحدد مستقبل التوازنات وما يعرفه الأميركيون جيداً أن كلفة الاشتباك مع الجيش العربي السوري ستكون كبيرة لأن هذا الجيش لن يكون وحيداً ولأنه يملك إمكانات كبيرة يحسب لها الحساب، ولكن إلى جانب سورية ستقف روسيا وإيران والصين، ولكل هذه الأسباب والمعطيات الوقائع فإن مشروع المنطقة العازلة سيسقط في الشمال والجنوب لكي يغص أردوغان في حسرته ويقف محشوراً ومحرجاً في زاوية أميركية ضيقة!