إذاً… هنالك إرهاب وإرهابيون في سورية!
د. فيصل المقداد نائب وزير الخارجيّة السوريّة
أخيراً، ترجّل أعداء سورية عن خيولهم الخشبية، وامتشقوا سلاحهم كي يحاربوا الإرهاب. تراجع هؤلاء عملياً ونظرياً عن كل حماقاتهم وتضليلهم وما زرعوه من دعاية باطلة في عقول مواطنيهم وصحافتهم المسكينة التي روّجت لأكاذيبهم.
ثلاث سنوات ونيّف من انتظار، على أحر من الجمر، لانتصار وهمي كانوا يريدون تحقيقه في سورية كي تكتمل دائرة تخريبهم للوطن العربي، وفي المقدمة منه سورية. الهدف كان دائماً مصالح إسرائيل وهيمنتها على المنطقة، فهؤلاء لا يؤمنون إلا بحاكمهم وقائدهم «الإسرائيلي».
إلا أنهم، هذه المرة، أيقنوا أن كذبهم وتضليلهم لا يجديان في كسب أصوات ناخبيهم في أميركا أو بريطانيا أو فرنسا التي وصلت نسبة مؤيدي رئيسها أولاند في استطلاعات الرأي العام إلى أقل من 13 في المئة وهي نسبة لم يشهدها تاريخ فرنسا.
تعودت قيادة الجمهورية العربية السورية دائماً على ممارسة الأخلاق في تعاملها مع الآخرين، فهي ليست من «يطير من الفرح» إذا اتصل بها أي كان ليعلمها بنوايا قد تخدمها مرحلياً أو على المدى البعيد. فالأخلاق في التعامل كل لا يتجزأ بالنسبة لها سواء كان ذلك في التعامل مع مواطنيها أو في التعامل مع العالم الخارجي. لكنها، تعرف في الوقت نفسه، أن استراتيجيات البعض الآخر إنما تعتمد على إخفاء الحقيقة عن مواطنيهم أولاً، وقلب الحقائق ثانياً. ونحن في سورية لسنا من هؤلاء أو أولئك. لكننا أيضاً لسنا بسطاء في تعاملنا مع الآخرين وهم يعرفون حق المعرفة أن سورية ليست كذلك.
منذ ما يزيد على الثلاث سنوات، وسورية تكرر ليل نهار أنها تحارب الإرهاب ولتشرح موقفها في الجامعة التي لم تعد عربية، وفي الأمم المتحدة ولكل القادة والمسؤولين الذين تم اللقاء بهم. البعض فهم ذلك، إلا أنه كان متورطاً حتى أذنيه لتنفيذ ما أسموه «الربيع العربي» الذي دمر كل إنجازات العرب سواء كان في مجال التضامن العربي أو في حده الأدنى في التنديد بما يخططه الآخرون ضد قضايانا المصيرية. قالت لهم سورية إن هذا الإرهاب المتوحش سيصل إليهم وسيقطع رؤوس مواطنيهم، وسيقوم بتفجيرات وهجمات داخل مدنهم، إلا أنهم تظاهروا أن ذلك ليس صحيحاً، وأن سورية تريد حرف الانتباه عما أسموه «الثورة الجماهيرية السلمية» التي تدق أبواب دمشق.
قالت لهم دمشق إن تلك لم تكن ثورة، لأن للثورات مفاهيمها وعقيدتها وتوجهاتها وجماهيرها، وأن ما يحدث فيها لا يمثل الشعب السوري. فمتى كان تجار المخدرات والسلاح والقتلة وخريجو السجون ثواراً؟ وقالت لهم سورية أيضاً، إن الدول الإقليمية، خصوصاً الخليجية، التي تحتاج إلى ثورات هي التي تؤجج القتل والذبح في سورية، وهي التي تحالفت مع الشيطان خدمةً لمصالح سادتها في «إسرائيل» والغرب، إلا أنهم أصروا على حماقتهم وغبائهم أو بالأحرى على «أجندتهم».
لا أريد الآن، وقد اعتمد مجلس الأمن قراره الشهير 2170 الذي دان فيه المجلس بمبادرة بريطانية ودعم أميركي قوي، كما هي العادة لكل ما هو بريطاني، أصدقاء الأمس من داعش وجبهة النصرة وما أسماه القرار كافة الفروع الأخرى من تنظيم القاعدة. ولا أريد أن أثبت الترابط الذي أصبح معروفاً لكل العالم بين الدوائر الغربية وهذه التنظيمات الإرهابية بأسمائها القديمة أو الجديدة. ألم تقل هيلاري كلينتون لحلفاء الولايات المتحدة من سعوديين وقطريين وأتراك ووزراء خارجية دول غربية: «إن الولايات المتحدة هي التي قامت بتمويل القاعدة قبل عدة سنوات»؟
بعد قطع رؤوس الصحافيين الأميركيين وعامل الإغاثة البريطاني، استشاط قادة أميركا والكونغرس والحكومات الغربية غضباً، «وضربت» رؤوسهم الباردة الحمية لتربية الابن العاق، وإنشاء تحالفات لضرب هؤلاء وتأديبهم. لم نر هذه الحمية عندما قطع هؤلاء بمختلف تسمياتهم رؤوس السوريين الأبرياء؟ ألم يعتدِ هؤلاء وما زالوا على قوات الجيش المصري العظيم في سيناء والقاهرة والإسكندرية وقتلوا الآلاف من أبنائه؟ ألم يقوموا قبل أيام بجريمتهم قرب وزارة الخارجية المصرية في قلب القاهرة؟ ويبقى هدفنا دائماً هو التعرف إلى خلفية وأسباب عدم تحرك «الدماء الحارة» في رؤوس هؤلاء إلا عندما يخونهم عملاؤهم، وعندما يسقطون في شر أعمالهم. أما الذرائع الأخرى التي اتفقوا على إشاعتها للتغطية على فشلهم أمام جماهيرهم فإنها لم تصمد أمام قوة الموقف السوري الذي كشف المؤامرة في مهدها، وحدد القائمين عليها، وشخص أهدافها ومراميها.
لقد قالت سورية إنها كانت وما زالت تحارب تنظيم داعش وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية والجيش الحر وكل أسماء التنظيمات الإرهابية الأخرى التي مولتها وسلحتها دول طالما أشرنا إليها وفي مقدمها تركيا والسعودية وقطر وفرنسا وبريطانيا وآخرون كثر. وأكدت سورية أنها ستستمر في محاربة هذه التنظيمات في كل أنحاء سورية في دير الزور والرقة والحسكة ودرعا وحمص وحماة. كما أكدت سورية أنها ستحاربها في منطقة الفصل في الجولان السوري لأن الارتباط بين هذه التنظيمات، ولا نستثني أياً منها، حليفة في شكل مباشر أو غير مباشر من خلال الدوائر الغربية والخليجية مع «إسرائيل». ولن تتوقف سورية عن محاربة هذا الإرهاب وهي لا تحتاج إطلاقاً إلى إذن من أي كان، ولا إلى شراء تذكرة دخول إلى أي ناد قرر أعضاؤه فجأة مكافحة الإرهاب. ها هم الآن يرسلون طائراتهم لقصف مواقع داعش والنصرة في العراق وسورية. لقد اعترفوا أخيراً أن «أحبتهم من الثوار السوريين» هم إرهابيون. نحن لسنا ضد ذلك!
ليفهم هؤلاء جميعاً أن سورية تقوم بتنسيق كل جهدها في مكافحة الإرهاب مع أشقائها، خصوصاً في العراق، ومع أصدقائها في طهران وموسكو ودول كثيرة تشجعها وتساندها بكل الإمكانات المتوافرة وهي تشاركنا شرف مواجهة الإرهاب. وسورية الجريئة والعنيدة جداً جداً عندما يتعلق الأمر بأمنها وبمصالح شعبها وأمتها لا تساوم ولا تهادن على المبادئ. وها هي تعلن على الملأ أنها مع أي جهد دولي يصب في محاربة ومكافحة الإرهاب، لكنها تشدد أن ذلك يجب أن يتم مع الحفاظ الكامل على حياة المدنيين الأبرياء وفي إطار سيادتها الوطنية ووفقاً للمواثيق الدولية.
لقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية أن بلادنا ماضية بكل حزم في الحرب التي تخوضها منذ سنوات ضد الإرهاب التكفيري بكل أشكاله، وإنها تعتقد أن نجاح الحرب على الإرهاب أو أي جهد دولي يصب في مكافحة الإرهاب لن ينجح فقط من خلال العمل العسكري، على أهميته، بل يحتاج أيضاً إلى التزام الدول بالقرارات الدولية ذات الصلة وما تنص عليه من وقف كل أشكال دعم التنظيمات الإرهابية.
لقد أصبح معروفاً أن الولايات المتحدة، وعبر الكثير من الأقنية، قد قامت بإبلاغ سورية أن الولايات المتحدة تستهدف قواعد تنظيم داعش في سورية وهذه حقيقة يعرفها الكثير، ولن نخلق ضجة دولية حول إنكار ذلك من عدمه. لكن الإنكار يدل على حالة من الضعف ولا يليق بموقف دولة كبرى، أخذت على عاتقها مكافحة الإرهاب. ولن ينجح أحد باستفزاز سورية في لحظات هامة من تاريخها وفي ذروة حربها على الإرهاب لأن سورية تمثل مصالح شعبها وتطلعاته في القضاء على الإرهاب. وليفهم ذلك عملاء أميركا و»إسرائيل»، وكل من لم يقرأ دروس التاريخ وتجارب الشعوب وسر الصمود!