الأحمد: في المسرح تتلاقى الأفكار التي تؤدّي إلى النهضة المنشودة

دمشق ـ رانيا مشوّح

على خشبته العتيقة، ترامت حضارات متنوّعة، تجاوزت الحدود والعقول والعقائد، واتّحدت فيها الإنسانية لتكسر ظلام التفرقة. المسرح كان الحضن الدافئ للثقافات والمخبأ الآمن لتاريخ من الشخصيات، ولنقل التجارب والخبرات بلغة الفنّ الواحدة. ونظراً إلى ما له من دور هامّ في تكوين الإرث الفنّي، قامت وزارة الثقافة وبرعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، بإطلاق احتفالية «يوم المسرح»، وعرض مسرحية «اختطاف» من إخراج الفنان أيمن زيدان، وذلك على خشبة مسرح «الحمراء» في دمشق.

افتتح الأحمد العرض بكلمة جاء فيها: أستحضر كلمة إيزابيل هيوبيرت الممثلة المسرحية والسينمائية الكبيرة التي ألقت كلمة يوم المسرح العالمي حيث قالت: «لكي نستحضر الجمال في المسرح علينا أن نتحدّث عن الحرّية، الخيال، الكرامة، التعدّدية الثقافية، علينا أن نطرح أسئلة لا يمكن الردّ عليها. المسرح يحمينا، يؤوينا. المسرح يحبّنا بقدر ما نحبّه». هذا الكلام يتناقض مع من يقول إنّ المسرح يموت. لماذا؟، المسرح يموت عندما تتوقف وزارة الثقافة عن إنتاج المسرح، عندما يغلق مسرحا «الحمراء» و«القباني» أبوابهما. نحن لدينا مشروع مسرحيّ واعد، وما تكاد تنتهي مسرحية إلا وتكون مكانها مسرحية جديدة.

وأضاف: لو خضنا في التجربة الإيطالية، فنرى أنّه عندما خرجت إيطاليا من الحرب العالمية الثانية، ولم يكن هناك دور عرض أو استديوات، كانوا يصوّرون الأفلام في الشارع. فسمّيت لاحقاً الواقعية الإيطالية. وكانوا ينصبون الشراشف المنزلية لتكون شاشة العرض. ولكن، لم يقل أحد إنّ السينما الإيطالية ماتت. نحن اليوم، في يوم المسرح العالمي، نستطيع أن نقول إنّنا نشهد ثورة مسرحية حقيقية. لدينا عروض واحتفالات في مسارحنا كلّها، ولدينا مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقناه. نحن نحاول القول إننا نبلغ كلّ ما نصبو إليه، تارة المسرح يستفيق وتارة أخرى يخبو، ولكن هذا كلّه يصبّ في خانة أننا نحاول ونعمل ونجتهد لكي نحافظ على مسرحنا، ولكي نكمل رسالة أبي خليل القباني الذي أسّس المسرح في سورية.

وفي ردّ منه على الأصوات التي تنعى المسرح السوري قال الأحمد: أنا لست مع الأصوات المتشائمة الكئيبة التي تبكي وتتباكى. المسرح بابه مفتوح، وبدلاً من التنظير والعبارات الطنّانة، تفضّلوا، هذا مسرحكم، أسّسوا لعمل مسرحي لنستطيع أن نصل به إلى العالم. أبارك لكلّ المسرحيين السوريين الذين قدّموا جهوداً متميّزة. كما أقول للروّاد، شكراً لكم. وأقول للشباب أن عليهم عبء إكمال الطريق. المسرح اليوم يشهد عودة المخرجين الكبار كالفنانين أيمن زيدان وغسان مسعود وزيناتي قدسية وغيرهم، المسرح تتلاقى لديه الأفكار التي تؤدّي إلى النهضة التي نسعى إلى تحقيقها.

كما أدلى بتصريح إلى «البناء»، مخرج العرض الفنان القدير أيمن زيدان، وجاء فيه: أوجّه تحية إلى الجمهور العظيم الذي غمرنا بمحبته وحضوره. طوال عمري الفنّي، كان مشروعي أنّ المسرح قادر أن يؤثّر وأن يبني علاقة مختلفة مع الناس إذا عرفنا الطرق إلى قلب المُشاهد العربي وعقله. بالنسبة إلى شركائي في التجربة هم ليسوا مبتدئين، هم متخرّجون جدد، ولكنّ شغفهم وعشقهم للمسرح جعلانا شركاء في الوصول إلى ما وصلنا له. كانت لدينا رغبة في تقديم شيء مختلف، اقتراح للبحث لا يعني أننا في زمن حرب نعمل فقط، بل يجب أن نكون أكثر تميّزاً وبحثاً حتى في زمن الحرب. أردنا أن نؤكد أننا خارج كلّ ظلال الحرب التي ارتمت علينا، وأننا مصرّون على العمل والبحث والتجربة طالما نحن أحياء.

من ناحيتها، عبّرت الفنانة لوريس قزق عن دورها في العرض قائلة: نحن نعمل في عرض يحاكي أكثر من قضية، وأبرزها تحكّم رأس المال بالسلطة، وذلك بطريقة كوميدية سلسة. قررنا عرضها في يوم المسرح العالمي، أنا سعيدة جدّاً بهذه التجربة لأن العرض متكامل بفريق رائع يجعلني أقدّم الدور من قلبي مع المخرج العظيم أيمن زيدان.

وأضافت: أؤدّي دور «روزا»، المرأة الشعبية البسيطة التي تدّعي شعارات ساذجة توقعها بمطبّات عدّة. هدفنا زرع الابتسامة على وجه المُشاهد ليشجّع المسرح. المسرح غير مدعوم للأسف لا مادياً ولا معنوياً، وهو ميت منذ ما قبل الحرب. المسرح فنّ راقٍ جدّاً، وسهل جداً أن نعمل في التلفزيون، لكنّ الصعب أن نعمل في المسرح، لكن العمل في المسرح أكثر إمتاعاً.

بدوره، حدّثنا الفنان لجين اسماعيل بطل المسرحية قائلاً: يوم المسرح يوم هامّ جدّاً بالنسبة إليّ ضمن هذه الظروف التي نحياها ونرى من خلالها أنّ المسرح بدأ يتلاشى وينتهي. لذلك حضرنا بكلّ طاقتنا لهذا اليوم. أنا كفنان شاب أبحث في هذا المكان عن المتعة، لكنني لا أقوى على النهوض به وحدي. المسرح بحاجة إلى حركة كبيرة وإلى دعم كبير ومهرجانات ومشاركات خارجية للنهوض به. المتعة المسرحية ليست موجودة لا في التلفاز ولا في أيّ مكان آخر.

أما الفنانة توليب حمودة، إحدى بطلات المسرحية، فقالت لـ«البناء» معبّرةً عن سعادتها لنجاح العرض: أتمنّى أن نكون قد أوصلنا ما كنا نصبو إليه من رسائل من خلال هذا العمل بطريقة سلسة وجميلة. إنّ وجود هذا الكمّ من الجمهور أوصل إليّ طاقة كبيرة من الحبّ وأنا على خشبة المسرح. الجمهور جاء بكلّ حبّ وثقة وهذا مدّنا بطاقة ومتعة جعلتانا نشعر كأننا نطير جميعاً. انتابني شعور من الرهبة والقلق، هذا طبيعيّ جداً لأننا حملنا مسؤولية أن نكون عند ثقة هذا الكمّ من الجماهير الحاضرة، كلّ شخص من مكان في ظل هذه الظروف الصعبة. أمر لا يوصف من الحبّ والتفاعل والشغف الجماهيري.

وعن رأيها بدور المسرح في الحياة الفنية في سورية قالت حمودة: للأسف، المسرح منذ فترة ودوره في تراجع. وكُثرٌ يضعون الحرب حجّة، لكنّ المسرح لا تعيقه أزمات. فكما رأينا اليوم، الجمهور محبّ للمسرح ويسعى إلى رؤية الأفضل. وبدورنا، كنا متشوّقين لتقديم رسالتنا بطريقة قريبة من القلب، وقريبة من الناس، وأن نكون خفيفين على قلوبهم. المسرح مهم و يجب أن يُحدِث نهضة، ويجب أن يُدعَم المسرح الذي يلامسنا، بحبّ متبادل بين الجمهور والمشاركين في العمل.

الجدير ذكره، أنّ موسيقى العرض كانت من تأليف الموسيقار سمير كويفاتي الذي تحدّث إلى «البناء» قائلاً: في المسرح الإيطالي، لا شيء اسمه الموسيقى الدائمة، هذه الموسيقى المتقطعة هي عبارة عن جسور بين المَشاهد لنقل المتفرّج من حالة إلى حالة ومن حدث إلى آخر. الموسيقى تخدم المشهد وليست مسخّرة لخدمة المسرحية. هي لم توثّق حدثاً كما في الدراما أو السينما. هذه موسيقى للمسرحية وليست موسيقى تصويرية.

وعن «اختطاف» قال: هذه المسرحية ليست عادية، هي لوحة جديرة بأن تقدّم في مثل يوم المسرح العالمي. الفنان أيمن زيدان ليس بحاجة إلى شهادة على عمله، الحقيقة أنني كنت سعيداً جداً بكمّية الحضور الجماهيري هذه، وهذا التجاوب جعلني بقلب أكبر. وجود أناس مثل هؤلاء الشباب الستّة مع المخرج الرائع… المسرح لا يموت.

وعن رأيه في التشاركية بين المسرح والموسيقى قال كويفاتي: بوجود أشخاص محبّين للعملين، المسرح يخدم الموسيقى، وأيضاً العكس. طالما أن هناك أناساً يحاولون، يجب عدم الخوف على هذه التشاركية. فكلّما زادت الجدّية وكلّما قدّمنا الجميل، أشرنا إلى المرارة الحقيقية. لكننا إذا تشاءمنا وقلنا هذا قبيح وبشع، فلن نستفيد بشيء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى