هل يمكن القضاء على الفساد في ظلّ النظام الطائفي؟

لور أبي خليل

إنّ ظاهرة الفساد لا يقتصر وجودها في المجتمعات النامية، ولكنها تظهر في المجتمعات المتقدمة. والفساد يتجاوز المذاهب السياسية، إذ إنه ظهر في الدول الاشتراكية مثل الاتحاد السوفياتي وفي الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة الأميركية. اذ يحتوي الفساد على أشكال وأنماط عديدة تعكس الصور او المجالات التي يتمّ فيها الانحراف بالسلطة المؤسسية، وهو يشمل على درجات متفاوتة من الانحراف ودرجات مختلفة من إمكانية تبديد الموارد وإساءة استخدام الصلاحيات المرتبطة بالسلطة المخوّلة. كما يتضمّن الفساد نظاماً واسعاً تتفاوت فيه الصلاحيات التقديرية لحائز السلطة، وتتفاوت فيه الضوابط وآليات الرقابة والمساءلة التي يخضع لها.

وهنا يطرح السؤال التالي ما هي أوليات تشكل السلطة في لبنان؟

يقوم النظام السياسي اللبناني على التقسيم الطائفي للسلطات الدستورية والمناصب الإدارية، بحيث يمثل احتكار السلطة في لبنان وتقلص البدائل المتاحة للمتعاملين مع حائزها مسبّبين إثنين للفساد. اذا استخدمنا المعادلة الماركسية حول الطبقات الاجتماعية وتكوينها يمكن اعتبار اعتماد الطائفية السياسية مشابهة لها عبر الانتقال من طائفة في حدّ ذاتها الى طائفة لأجل ذاتها. وهذا ما أدّى الى ترسخ ثقافة الطائفية السياسية في الوعي الجماعي والممارسات السياسية للنخب في لبنان. لأنّ الطائفية السياسية لها جانبان من ناحية أولى سمحت للجماعات المتباينة بالتوحّد من خلال توفير الإطار اللازم للشعب اللبناني لوضع عقد اجتماعي مبني على تقاسم الحصص ومن ناحية ثانية ادخلت تقاسم السلطات آلية مدمّرة لتوزيع الغنائم. مما سمح للفساد ان يصبح شكلاً مقبولاً من أشكال السلوك السياسي، ترجم ذلك في عدم فعالية الدولة وفي شلل عملية اتخاذ القرار. طبعاً كلّ ذلك مرتبط بالنموذج الطائفي الذي يعزز الهويات الطائفية ويوفر وضعاً سياسياً وقانونياً متكاملاً لهذا جاء كلّ ذلك على حساب التقارب نحو هوية مشتركة رسخت معايير الانحراف داخل السلطة واختلال هيكلي في منظومتها، وفي هامش التقدير الذاتي، وفي ضوابط المساءلة على الممارسات المرتبطة بالسلطة. فتصبح أكلاف صفقات فاسدة ضارة جداً للتنمية. سوف نعرض الصيغة التي اقترحها كليتغارد: الفساد = احتكار + حرية التصرف – المساءلة.

يستعمل كليتغارد هذه الصيغة لتحديد وتحليل الحالات التي من شأنها ان تؤدّي الى الفساد البيروقراطي والسياسي. وهنا تجدر الإشارة الى انه يمكن للمسؤولين الحكوميين مثلاً استعمال العقود المربحة لانتزاع دفعات مالية فاسدة فتظهر عندئذ صفة الاحتكار، كما أنّ السلطة تملك حرية منح عقود غير متوافرة في مكان آخر وحرية التصرف. طبعاً كلّ هذا التصرف مصحوب بعدم وجود مساءلة ما يعني أنه ليس هناك ما يمنع الاستغلال فالخاسرون لا يمكنهم المراجعة او الاعتراض. يستطيع العارضون الذين يدفعون الرشى ان يجهضوا عملية العرض التنافسي، ومكافأة الاستعمال الفاسد لحرية التصرف والإطاحة بالإجراءات الشفافة الخاضعة للمساءلة. إنّ معادلة كليتغارد تقدّم وسيلة لتفسير الفساد البيروقراطي والسياسي والرشوة بشكل واضح للذي يحصل في لبنان. وإذا أردنا ربط هذه المعادلة في الشأن الانتخابي، فنرى أنّ الاحتكارات الانتخابية تعطي رؤساءها حرية التصرف بمكافأة داعميهم ومعاقبة خصومهم، من دون خشية التعرّض للمساءلة على أفعالهم. طبعاً، حرية التصرف في غياب المساءلة هي نقيض المؤسّسات الفعّالة في السياسة، حيث تتعرّض الحدود الفاصلة بين المصالح العامة والخاصة للإضعاف والتقويض. وكذلك بالنسبة لقواعد اللعبة العادلة عندما تصبح إمكانية الوصول الى صناع القرار بضاعة او سلعة قابلة للبيع والشراء. وفي هذه الحالة يتمّ التحكم بالعلاقات والروابط والحدود بين الثروة والسلطة من قبل المسؤولين الحكوميين الفاسدين والتحكّم بالقرار المحلي والسياسي من قبل السلطة التشريعية، مصحوباً بضعف الهيئات الخاضعة للمساءلة وليس بعدم توافر القوانين الرادعة.

إنّ الفساد اذاً يظهر في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية على حدّ سواء، فظهوره في السلطة التشريعية مرتبط بالدور الذي يؤدّيه النائب الذي هو تابع طبعاً للنخب الاجتماعية، أما في السلطة التنفيذية فيظهر في الدور الذي يؤدّيه المسؤولون الحكوميون وهم إما نخب سياسية واما نخب اقتصادية. وكما توحي فكرة المسؤولين الحكوميين الفاسدين، فإنّ الفساد في لبنان نما في احضان مؤسسات تعاني من الضعف المزمن ومع سلطة سياسية غير خاضعة لأية ضوابط. أظهرت إحدى دراسات منظمة الشفافية الدولية أنّ النخب السياسية في لبنان تستفيد من مجالات الاهتمام التي أسّست لها، ونذكر على سبيل المثال حصول زعماء الطوائف على رخص بث تلفزيونية وإذاعية. وأيضاً عدم تطبيق الإجراءات الرسمية، خصوصاً المتعلقة بالمناقصات والعقود التي يتمّ تلزيمها بالتراضي مع زعماء الجماعات الطائفية. لذا يستوجب إجراء تغيير سياسي هيكلي لا بل إعادة هيكلية سياسية لوضع صيغ جديدة لتقاسم السلطات يمكنها ان تأخذ الحقائق الجديدة بعين الاعتبار محاولة إيجاد التوازن بين هوية وطنية أكثر توحّداً وبين تعددية اجتماعية وسياسية.

والسؤال الذي يطرح هل باستطاعة النظام السياسي الطائفي في لبنان ابتداع صيغ تقلص حجم الفساد؟

دكتورة في العلوم السياسية والإدارية

باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى